في فرصة جديدة، تجسد الإمارات مبادئ دبلوماسيتها وتترجم توجهاتها ومواقفها ذات البعد الإنساني العالمي، باستلام بعثتها في الأمم المتحدة رئاسة مجلس الأمن الدورية لشهر يونيو/حزيران الجاري.
وذلك للمرة الثانية خلال فترة عضوية الإمارات بالمجلس، التي بدأت في يناير/كانون الثاني 2022 وتنتهي في ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري.
وكما كانت الإمارات على مستوى الحدث خلال فترة الرئاسة الأولى في مارس/آذار 2022، التي تزامنت مع اندلاع الأزمة الأوكرانية. حيث نجحت في إدارة أعمال المجلس وقيادة التحركات الدبلوماسية المكثفة والحساسة التي جرت في الأسابيع الأولى للأزمة بكفاءة عالية وحيادية شهدت بها كل دول العالم، بما فيها أطراف الأزمة والأعضاء في مجلس الأمن، فضلاً عن بقية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
فقد بادرت البعثة الإماراتية بمجرد استلام الرئاسة الدورية للمجلس يوم الخميس الماضي، بالكشف عن خطة متكاملة للأنشطة والمبادرات التي ستجري في المجلس خلال أسابيع الرئاسة الأربعة. ويؤكد ذلك التصرف السريع خبرة وحنكة البعثة الدبلوماسية وامتلاكها القدرات البشرية التي كفلت الاستعداد المسبق لفترة الرئاسة.
كما أن مضمون الأجندة التي تحملها الإمارات للمجلس في هذا الشهر، تشير إلى أمرين مهمين؛ الأمر الأول: هو الوعي الإماراتي الذكي بضرورة الربط والتواصل بين مستويات العمل الدبلوماسي الوطنية والإقليمية والعالمية، حيث إن الفترة القريبة الماضية شهدت حراكاً إقليمياً وتوافقاً عربياً في اتجاه استعادة التلاحم العربي والتقارب بين الدول العربية وجوارها الجغرافي، كانت هذه التطورات الإيجابية حاضرة في العقلية الدبلوماسية الإماراتية للبناء عليها وتطويرها بما يعظّم المكاسب ويدعم المواقف العربية في المنظمة الدولية.
من هنا، وضعت الإمارات على رأس أجندة نقاشات مجلس الأمن للشهر الجاري، ملف التعاون بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. فنظمت جلسة خاصة لهذا الغرض تنعقد يوم الخميس المقبل الموافق الثامن من يونيو/حزيران. وبالتأكيد لن تقتصر الجلسة المقررة على مناقشة تطوير التعاون والتنسيق بين الجامعة العربية والمنظمة الأممية، وإنما ستتضمن أيضاً تقييم التقدم الذي تحقق حتى الآن في هذا الاتجاه، وذلك لاستيفاء ما يتطلبه ذلك من تعديل أو تطوير في هذا المجال. والأهم هو البحث في إمكانية ومتطلبات مأسسة ذلك التعاون بين المنظمتين. وهو ما سيمثل نقلة مهمة ونوعية في الجمع والتنسيق المؤسسي بين المنظمات الدولية على المستويين الإقليمي والعالمي.
الأمر الثاني: هو تتويج التمسك الإماراتي بالالتزامات الذاتية تجاه القضايا الدولية واستشعار المسؤولية عن القضايا العالمية التي تمس الحاضر والمستقبل الإنساني، حيث يأتي تحضير دولة الإمارات الرئيس الحالي لمجلس الأمن لجلسة تتناول آثار تغير المناخ على السلام والأمن الدوليين، على أن تنعقد في 13 يونيو/حزيران الجاري. وذلك ضمن الاستجابة الإماراتية للاهتمام العالمي والأممي بهذا الملف الحيوي الذي يندرج في أعمال المجلس ضمن "الأخطار التي تهدد السلام والأمن الدوليين".
كما يجب النظر لهذا التحرك في سياق خطوات العمل الدولية التي تتبعها دولة الإمارات تحضيراً واستعداداً لأعمال المؤتمر الدولي للمناخ الذي ستنعقد دورته الجديدة (كوب- 28) هذا العام في دولة الإمارات.
وفي السير مع نفس توجه الإمارات المشغولة دائماً بالبشرية يتجاوز الهويات والانتماءات الضيقة، تتضمن أجندة مجلس الأمن تحت الرئاسة الإماراتية في 14 يونيو/حزيران الحالي جلسة خاصة تحت عنوان "قيم الأخوة البشرية في تعزيز السلام واستدامته" بمشاركة رفيعة المستوى. حيث تضم أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، إلى جانب ممثل عن الفاتيكان.
ونحتاج هنا إلى وقفة مع هذا التحرك الإماراتي في مجلس الأمن وتأمل دلالاته. فتلك الجلسة الخاصة التي ستتناول الدور المحوري لقيم الأخوة الإنسانية في تعزيز السلام واستدامته ومنع التعصب والتطرف، تنطلق في هذا المسعى من وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والتعايش التي وقعها البابا فرنسيس والدكتور أحمد الطيب في فبراير/شباط عام 2019 برعاية وتنسيق إماراتي.
الفكرة أن الترتيبات الاستباقية التي أعدتها دولة الإمارات لفترة رئاستها لمجلس الأمن، والمحددة بشهر واحد فقط، إنما تدل على الحيوية الكبيرة والكفاءة العالية التي تميز الدبلوماسية الإماراتية. وعلى أن السلك السياسي والدبلوماسي الإماراتي بات يملك من الخبرة والموارد البشرية والمعرفية والقانونية، ما يؤكد قدرة الدولة على مباشرة دور قيادي وفعال في الأنشطة ومجالات العمل الدولية.
لقد أثبتت دولة الإمارات بقيادتها الرشيدة ورؤاها الحكيمة، أنها قادرة على تولي زمام المبادرة وتصدر مسيرة العمل الدولي تجاه مختلف القضايا والتحديات التي تهم البشرية وتؤثر في حاضرها ومستقبلها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة