كشفت أحداث 11 سبتمبر أن الظاهرة لا تميز بين دولة أو أخرى، كما أن الجهود والتدابير العسكرية والأمنية والتقنية، لا يمكن المراهنة عليها لوحدها
حلت قبل أيام قليلة، الذكرى الخامسة عشرة لأحداث 11 سبتمبر/أيلول الأليمة، التي طالت مواقع حيوية داخل العمق الأمريكي (برجي مركز التجارة العالمي بمدينة نيويورك، ومقر وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون بالعاصمة واشنطن)، ورغم قساوة الذكرى، بالنظر إلى الآلام الإنسانية التي خلّفتها، بعدما حصدت أرواح الكثير من الأبرياء (2973 قتيلاً، و24 مفقوداً، إضافة إلى الآلاف من الجرحى والمرضى ..)، إلّا أنها تظل محطة لاستحضار مخاطر وتداعيات الإرهاب على السلم والأمن الدوليين. ولتقييم الجهود الدولية والوطنية المتخذة على سبيل محاصرة هذه الظاهرة الخطرة، والوقوف على مختلف الإكراهات والاختلالات التي تؤثر بالسلب في التعاطي مع الموضوع،
كشفت أحداث 11 سبتمبر أن الظاهرة لا تميز بين دولة أو أخرى، كما أن الجهود والتدابير العسكرية والأمنية والتقنية، لا يمكن المراهنة عليها لوحدها في كسب رهان الحد من هذه الآفة.
قادت الولايات المتحدة حملة واسعة في أعقاب هذه العمليات، وظّفت لها إمكانات بشرية ومالية وعسكرية وتقنية ضخمة، فيما تزايد القلق الدولي إزاء تداعيات هذه الظاهرة عابرة الحدود، ما دفع إلى عقد العديد من المؤتمرات واللقاءات، وإبرام مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات، كسبيل لتنسيق الجهود والتدابير للحد منها. رغم الإشكالات التي طرحت بصدد تحديد مفهوم موحد للإرهاب، بسبب تضارب الرؤى والمواقف، بين من ركز على إرهاب الأفراد والجماعات، ومن أكد على استحضار إرهاب الدولة الذي تمارسه بعض الدول، كما هو الشأن بالنسبة ل «إسرائيل» في مواجهة الفلسطينيين والعرب.
تشير الكثير من المؤشرات والتقارير إلى أن هناك تزايداً في حدة وخطورة الإرهاب، كما أن هناك تمدداً مخيفاً للظاهرة في مختلف مناطق العالم. فالجماعات الإرهابية لا تتورع عن استثمار كل السبل والتقنيات والهفوات، لتحقيق أهدافها، سواء تعلق الأمر باستغلال القاصرين وتجنيدهم، أو توظيف التكنولوجيا الحديثة على مستوى التواصل، أو تنفيذ العمليات وإلحاق أكبر قدر من الأضرار والخسائر بالمستهدفين بعملياتها، علاوة على استغلال كل فراغ أو غموض قانونيين.
لعل الأسئلة التي تفرض نفسها بقوة، في ذكرى هذا الحادث المرعب، هي: لماذا تنامى وانتشر الإرهاب؟ ولماذا فشل العالم في محاصرة الظاهرة، رغم مختلف التدابير المتخذة في هذا الصدد؟ وما هي السبل الأكثر نجاعة وفاعلية لمكافحته؟
لم يكن أحد يظن، قبل أحداث 11 سبتمبر، أن الجماعات الإرهابية بإمكانها تحويل طائرات مدنية لنقل الركاب إلى ما يشبه صواريخ موجهة لأهداف استراتيجية. فتطور المقاربات الأمنية والقانونية المتخذة لمحاصرة الظاهرة، يوازيها توجه حثيث، وغير منقطع، من قبل هذه الجماعات نحو تطوير آلياتها وسبل اشتغالها.
تمكنت العديد من الجماعات الإرهابية من توسيع دائرة تواجدها الجغرافي، واستطاعت أن تقوم بعمليات «نوعية» في مناطق عديدة. فتنظيم القاعدة الذي تمركز في بداية الأمر بأفغانستان، استطاع التمدد في عدد من بؤر التوتر والأزمات (العراق، وسوريا والمنطقة المغاربية، والصومال واليمن..)، بعد الضربات العنيفة التي تلقاها في أفغانستان.
وجدت هذه الجماعات ضالتها مع ارتباك الأوضاع في عدد من دول الحراك، لتعزز تموقعها من جديد، حيث ظهرت في خضم هذه التطورات جماعات أكثر عنفاً وفتكاً، وانتقل طموحها إلى حد السعي لتأسيس دولة، برزت معالمها القاتمة في العراق وسوريا، مع الإعلان عن تنظيم «داعش»، وما رافق ذلك من سيطرة على مساحات ترابية شاسعة في العراق وسوريا، وفي خضم هذه التطورات، شهدت فرنسا وتركيا وبلجيكا وتونس وليبيا، عمليات خطرة تأكد معها أن الإرهاب خطر يهدد السلم والأمن الدوليين، كما كشف عن وجود اختلالات كبيرة ترافق مجمل التدابير والإجراءات المتخذة وطنياً أو إقليمياً أو دولياً على مستوى مواجهة هذه الآفة.
لا يمكن إنكار أهمية المقاربات الأمنية والقانونية في مواجهة جماعات مسلحة تهدف إلى القتل والدمار وزرع الخوف والهلع، وإرباك الاستقرار الداخلي والدولي، غير أن ذلك سيكون أكثر نجاعة وفاعلية إذا ما تم إرفاقه بآليات أكثر شمولية، تسمح بتحصين الفرد ضد كل تطرف أو فكر أحادي أو عنف.
حقيقةً، إن الدول تتحمل مسؤولية محورية في هذا الصدد، من حيث ضرورة بلورة تشريعات وسياسات عمومية مواكبة، ووضع استراتيجيات تدعم العلاج والوقاية من هذه الظاهرة، عبر تطوير أداء منظومة التعليم كسبيل لترسيخ تنشئة اجتماعية عقلانية ومنفتحة. وتجاوز المعضلات الاجتماعية والاقتصادية التي تظل مسؤولة، في جزء منها، عن تنامي الظاهرة، لكنها جهود تظل بحاجة إلى دعم ومواكبة من قبل مختلف الفعاليات والقنوات الأخرى. وتتحمل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمؤسسات التعليمية، والإعلام قسطاً كبيراً من المسؤولية في هذا الصدد.
أضحى الإرهاب ظاهرة دولية منفلتة، وهو ما تعكسه جنسيات القائمين بالعمليات المسلحة، والتداعيات الخطرة للظاهرة التي أصبحت تتجاوز حدود الدول، وحالة الفوضى والخسائر الضخمة التي يخلفها في أوساط الكثير من المعاملات الدولية كالسياحة والاستثمار والطيران المدني. وهو ما يفرض تجاوز المقاربات الانفرادية التي تأكد إفلاسها، إلى إعمال تعاون وتنسيق دوليين، يقومان على تبادل المعلومات والخبرات، والحد من بؤر التوتر والأزمات في العالم، وإعادة الاعتبار والمصداقية إلى التنظيمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، باعتبارها المسؤول عن حفظ السلم والأمن الدوليين.
*- نقلاً عن جريدة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة