الخلاصات التي توصلت إليها ورشتا العمل اللتان عقدتهما «الرابطة المارونية» في شأن النازحين السوريين في لبنان لا تختلف كثيراً عمن يريد أن يطرب لصوته
الخلاصات التي توصلت إليها ورشتا العمل اللتان عقدتهما «الرابطة المارونية» في شأن النازحين السوريين في لبنان لا تختلف كثيراً عمن يريد أن يطرب لصوته. لقد قال المشاركون ما يرغب المنظمون في سماعه من دون الانتباه الى وجهات نظر ومعطيات ووقائع لا يريد منظمو الورشتين سماعها أو التعامل معها.
أول الغائبين هم اللاجئون أنفسهم. فصوت أصحاب القضية وضحايا اللجوء والتهجير لم يكن مسموعاً ولم تحضر معاناتهم الإنسانية ولا رحلات البؤس والتجارب التي مروا بها كبشر في أعمال الورشتين اللتين اختتمتا بمؤتمر حمل عنوان «النازحون السوريون... طريق العودة». يصلح التصور الذي حملته الكلمات التي قيلت في المؤتمر لمجموعة من الناس نبتت فجأة في لبنان من دون أي دور لسكان هذه البلاد في التعامل معهم سوى في التأفف من عبئهم والاكتظاظ الذي جلبوه الى ربوعنا وتآمر العالم على إبقائهم وتوطينهم عندنا.
إذا نحينا جانباً الدور المثبت للمقاتلين اللبنانيين الذين يزيد عددهم على عشرة آلاف مسلح من التنظيمات الموالية لنظام بشار الأسد، وفي مقدمها «حزب الله»، في تهجير اللاجئين وتدمير منازلهم وموارد رزقهم ودفعهم خارج «سورية المفيدة» في سياق عملية تغيير ديموغرافي صريحة، يبقى أن وجود اللاجئين السوريين في لبنان، قد تداخل وتشابك مع البيئة اللبنانية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية واستكمل التداخل السابق على الثورة السورية وعززه.
وعليه، تبدو المشكلة التي يواجهها عقل مؤيدي الأبارتايد ثم الترانسفير في لبنان، أكبر بكثير من مسألة إعطاء هويات لبنانية للاجئين السوريين بحيث تتكرس الكثرة الإسلامية على القلة المسيحية. في الواقع هذه أصغر المسائل التي سترتفع في وجه أنصار النقاء العرقي اللبناني.
فهؤلاء الذين برروا قمع السوريين على أيدي نظامهم وقدموا شتى صنوف الدعم لمنع انتصار الثورة ولتحويلها إلى اقتتال طائفي وحرب تدخل دولي، ينظرون الى اللاجئين كضحايا كارثة طبيعية حان وقت عودتهم إلى بلادهم التي اجتاحها طوفان أو ضربها زلزال. وفي مناخ أقرب إلى الهلوسة، يقترح أحد المتحدثين إعادة 34 في المئة إلى منطقة آمنة ستنشأ في شمال سورية، فيرد آخر مصححاً أن في الوسع اليوم إعادة 47 في المئة. العودة التي يشق المؤتمر المذكور طريقها، ستكون إلى مناطق المعارضة وليس إلى تلك التي جاء اللاجئون منها والواقعة الآن تحت سيطرة النظام وحلفائه اللبنانيين والعراقيين والإيرانيين... الى آخر اللائحة. ألا يشكل هذا انحيازاً إلى الطرف المسؤول أولاً عن مأساة اللجوء؟
أما إذا قربنا العدسة قليلاً إلى الواقع اللبناني، فهل يستطيع المشاركون في المؤتمر وضع آلية لاستبدال مئات الآلاف من العمال السوريين الذين يحركون عجلات كثيرة في الاقتصاد المحلي ويعتمد عليهم أرباب العمل كأيد عاملة محرومة من كل أنواع الضمانات الاجتماعية والصحية وبرواتب تقل عن العمال اللبنانيين؟ هؤلاء العمال الذين نصادفهم في المخازن والأبنية والمطاعم والذين يجنون الثمار من الحقول والبساتين والعمال الأكثر تعلماً وكفاءة الذين ينتشرون في قطاعات صناعية ومالية وسوى ذلك، كيف يفكر المشاركون في «مؤتمر طريق العودة» في تعويض الوفر الذي يقدمونه الى الاقتصاد اللبناني مقابل شظف عيشهم في ظروف مزرية. كان هؤلاء لاجئين. لكنهم أصبحوا جزءاً من الروافع التي تحول دون انهيار الاقتصاد. روافع من لحم ودم وألم.
في هذا المؤتمر، تتجدد المقاربة السطحية لظواهر شديدة التركيب والتعقيد. وينحو المشاركون إلى التعامل الفوقي مع مشكلة ساهم بعضهم في تشكيلها لكنهم يرفضون الاعتراف إلا بوجهة نظرهم الضيقة والجزئية لمسألة لا تتحمل هذا النوع من الخفة.
*- نقلاً عن صحيفة الحياة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة