أنهى حضارات وأنقذ ثورات.. كيف غيّر الطقس مسار التاريخ؟
مع أن كتب التاريخ تزدحم بالعواصف المأساوية، لكن الكثير من الأحداث العالمية الكبرى كانت من صنع الطقس.
ففي عام 2011، كشفت دراسة بحثية أمريكية عن وجود علاقة وثيقة بين التغيرات المناخية القاسية والتغيرات المجتمعية والتاريخية الحادة.
نهاية حضارة
خلال ذروة نهضتها في نحو عام 800 ميلاديا، قامت حضارة المايا ببناء المعابد الحجرية والمدن والمراصد الفلكية المتقدمة، إضافة إلى التقدم في الرياضيات وحفظ التقويم الذي جعلها متقدمة جدًا على عصرها.
لكن دراسة نشرت في مجلة «علوم» عام 2018، كشفت أن انخفاض هطول الأمطار في شبه جزيرة يوكاتان، موطن شعب المايا، على مدار 200 عام، بنسبة تصل إلى 70 بالمائة، تسبب في تدمير الزراعة، وحول الأرض إلى صحراء.
وأدى الجفاف، إلى جانب الحروب والاضطرابات المدنية والصراعات الأخرى، إلى نهاية حضارة المايا.
أفشل هجمات
قاد قوبلاي خان، حفيد القائد المغولي الشهير جنكيز خان، هجومين لاحتلال اليابان بجيش قوامه 140 ألف رجل، على متن 4 آلاف سفينة، في أضخم محاولة لغزو بحري في ذلك الوقت.
وسعى قوبلاي خان لغزو اليابان بعدما سيطر على مساحات شاسعة من الصين، لكن مساعيه فشلت بسبب الأعاصير العنيفة التي ضربت الأسطول المغولي وأطلق عليها اليابانيون اسم "كاميكازي" أو "الرياح الإلهية".
ولم تكن هجمات قوبلاي خان الوحيدة التي أفشلها الطقس، ففي إسبانيا حدثت واقعة مشابهة.
جمعت إسبانيا أسطولاً بحرياً هائلاً عرف بالأرمادا وتكون من 130 سفينة، كان بينه 40 سفينة حربية. وبعد سنوات من التحضير، انطلقت السفن الإسبانية بقيادة دوق شذونة في مايو/أيار 1588 باتجاه منطقة فلاندر للقاء دوق بارما وقواته قبل مواصلة الطريق نحو إنجلترا.
وفي 6 أغسطس/آب 1588، بلغ الإسبان منطقة كاليه الفرنسية منهكي القوى بسبب الهجمات المتكررة للسفن الإنجليزية المزودة بمدافع بعيدة المدى.
وبعد يومين فقط، شن الإنجليز بقيادة فرانسيس دريك واللورد شارل هاورد، هجوماً مباغتاً على سفن دوق شذونة، الذي افتقر للخبرة العسكرية، الراسية بمنطقة كاليه، تمكنوا خلاله من تشتيت تنظيم الأرمادا الإسبانية التي غادرت اليابسة على عجل نحو البحر.
وخاض الإنجليز والإسبان معركة بحرية استمرت 9 ساعات عرفت بمعركة غرافلين أجبرت خلالها السفن الإنجليزية على الانسحاب بسبب نفاذ ذخيرتها.
وعقب نهاية معركة غرافلين بفترة وجيزة، هبت عاصفة قوية بالمنطقة أدت لقذف السفن الإسبانية وطواقمها المنهكة نحو بحر الشمال واضعة بذلك حداً لطموحات دوق شذونة بلقاء قوات دوق بارما.
وبسبب نفاد مؤونتهم وذخيرتهم، فضل الإسبان العودة أدراجهم نحو أرض الوطن مروراً بإسكتلندا وأيرلندا.
أنقذ الثورة الأمريكية
بحلول صيف عام 1776، عززت بريطانيا قواتها في جزيرة ستاتن إلى أكثر من 30 ألف جندي لخوض معركة ضد جيش الجنرال جورج واشنطن المؤلف من 19 ألف جندي للسيطرة على مدينة نيويورك.
وإحدى تلك المعارك الفاصلة جرت في بروكلين، حين باغت الإنجليز القوات الأمريكية وحققوا انتصاراً كبيراً عليها، وكان من الممكن أن يتطوّر ذلك إلى مذبحة تقضي على العمود الفقري للجيش الأمريكي بأسره لولا المناخ.
فقد مكن ظهور ضباب كثيف على المنطقة واشنطن من تنفيذ عمليات إجلاء لرجالها لم يلحظها البريطانيون، وأنقذتهم من خسارة مُذلة كانت ستقضي على أي أمل للثورة الأمريكية في النصر.
عصر الجليد المُصغّر
خلال الفترة ما بين 1680 حتى 1730م، أدى انخفاض درجات الحرارة في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، إلى جانب انفجار بركان أيسلندا عام 1783، إلى موجة جفاف أدت إلى هلاك المحاصيل على نطاق واسع في جميع أنحاء أوروبا.
ووصل الانكماش الاقتصادي والزراعة المدمرة إلى ذروته في عام 1788، عندما دمرت الأمطار الغزيرة والعواصف الثلجية محصول الحبوب في ذلك العام وأهلكت المحاصيل.
وأدت الاضطرابات مباشرة إلى اقتحام سجن الباستيل، ومستودع الأسلحة والسجن السياسي في باريس الذي كان بمثابة رمز لفساد النظام الملكي، في عام 1789.
الشتاء الروسي ونابليون
لم يتمكن جيش في العالم من الصمود أمام فصول الشتاء الروسية القاسية، ولعل أبرز الأمثلة على هذا الطقس الذي لا يرحم جاءت في عام 1812 عندما جمع نابليون أكثر من 600 ألف رجل لغزو روسيا حتى يمكن ضمها إلى إمبراطوريته.
لكن درجات الحرارة شديدة البرودة أدت إلى سلسلة لا تنتهي من الخسائر، حيث فقد جيش بونابرت أكثر من 50 ألف حصان في يوم واحد، إضافة إلى أن 25 بالمائة فقط من جنود نابليون عادوا من روسيا، أي أنه خسر قرابة 450 ألف رجل، ليس بسبب الحرب، ولكن بسبب الصقيع.
وجاءت هزيمة نابليون النهائية بعد ثلاث سنوات في معركة «واترلو» عندما خلقت الأمطار الغزيرة طينًا غزيرا أدى إلى تدمير قذائف مدفعية الإمبراطور الفرنسي ومحاولاته الهجومية الأخرى.
الأمر ذاته تكرّر مع الألمان في الحرب العالمية الثانية، بعدما توقّف المدّ النازي على أبواب موسكو بفضل جليدها، الذي أفقد الألمان أطرافهم وأنوفهم، وعجزت ملابسهم الخفيفة عن وقاية أجسادهم.
سحابة عاصفة تنقذ جنود الحلفاء
مع اقتراب قوات المحور منهم في السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية، كان حوالي 330 ألف جندي من الحلفاء عالقين على شواطئ القناة الإنجليزية بالقرب من دونكيرك. ومع تمركز القوات الجوية الألمانية في مكان قريب منهم.
ولم يكن لدى القوات الجوية البريطانية أي أمل في تنفيذ مهمة إنقاذ ناجحة. لكن سحابة عاصفة تسببت في سقوط أمطار غزيرة على المنطقة، أدت إلى توقف الطائرات الألمانية التي كانت قد قتلت بالفعل العديد من جنود الحلفاء على الشواطئ.
بعد ذلك، أصبحت القناة الإنجليزية - التي كانت تتعرض بانتظام لرياح قوية - هادئة على نحو غير عادي وغطاها ضباب كثيف، مما سمح لأعضاء جيش الحلفاء وحتى السكان القريبين برسم خريطة للقناة وإنقاذ الجنود بين 26 مايو/أيار و4 يونيو/حزيران 1940، فيما أطلق عليه "عملية الدينامو".