شمشير.. أول صحفية يمنية شاهدة على تاريخ المرأة
"في عام 1972، أعلنت وكالة الأنباء العالمية (رويترز) نبأ تخرجي، كأول خريجة صحافة في اليمن والمنطقة العربية آنذاك".
بهذه العبارات تبدأ الصحفية اليمنية رضية شمشير حديثها عن سيرتها المليئة بالكفاح السياسي والإعلامي.
توصف شمشير بأنها "إحدى رائدات الحركة النسائية النضالية في اليمن، ومن أوائل النسوة المساهمات في الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني لمدينة عدن (جنوب)"، بالإضافة إلى الريادة الإعلامية والصحفية.
ولعلها المرأة اليمنية الوحيدة التي ما زالت تربط بين أكثر من جيل سياسي وإعلامي وثقافي في اليمن، فتاريخها وإرثها وخبراتها، جعلتها قاسمًا مشتركاً للعديد من التحولات والمنعطفات السياسية في تاريخ اليمن المعاصر.
ومنذ نعومة أظافرها، عشقت الطفلة رضية، المولودة في مديرية صيرة بمحافظة عدن عام 1948، الجانب الخطابي، وكرسته في خدمة وطنها ومدينتها ضد المستعمر الإنجليزي، وربما هذا ما قادها لاحقًا في سن الشباب إلى خوض التجربة الإعلامية.
خاضت غمار العمل السياسي والكفاحي، في بدايات نضجها، وكانت تتصدر مظاهرات نساء عدن ضد الاحتلال البريطاني، وتلهب حماس المشاركات بخطبها ولغتها البليغة، حتى تم الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967.
تقول شمشير لـ "العين الإخبارية": "حصلت على بكالوريوس صحافة وإعلام من دولة الجزائر عام 1972، كأول فتاة تنال هذا الإنجاز على مستوى اليمن والجزيرة العربية، كما حصلت على دبلوم صحافة وإعلام من دولة المجر الشعبية عام 1980.
هذا التخصص الفريد من نوعه حينذاك، أهلها لأن تكون إحدى رواد العمل الإعلامي والثقافي في اليمن، وعملت كسكرتيرة تحرير للمجلة الثقافية الجديدة خلال الفترة ما بين عامي 1974 وحتى 1982.
وبفضل جهود الإعلامية الشابة احتلت هذه المجلة مكانةً مرموقة في مصاف المجلات الثقافية وقتذاك، بحسب رضية شمشير.
وتضيف: "بالتوازي مع العمل في المجلة، كنتُ مسؤولة الإعلام الخارجي بوزارة الإعلام في عدن، خلال عامي 1972 وحتى 1974".
وتكشف رضية عن أنها كانت إحدى مؤسسي منظمة الصحفيين الديمقراطيين، التي أنشئت في عدن عام 1976، وعضو المجلس المركزي لنقابة الصحفيين اليمنيين في صنعاء من 1990 إلى 1999.
وتقول: "ونظير دوري الإعلامي كرمتني جامعة الجزائر عام 2014، خلال الذكرى الخمسينية للمكونات الصحفية والعلمية والإعلامية الجزائرية، في فعالية موسومة بـ(حصيلة الأمس تحديات الغد)، وكان التكريم كوني أول خريجة في الجزيرة العربية متخصصة في الصحافة والإعلام".
العمل النسوي
نشطت رضية شمشير في القطاع النسوي وقضايا حقوق المرأة، وعملت في هذا الإطار ضمن العديد من الوظائف النسائية، وشغلت مواقع قيادية.
تقول لـ "العين الإخبارية": أبرز تلك المناصب التي تقلدتها كانت في اتحاد نساء اليمن، حيث كنت عضو المكتب التنفيذي، والأمين العام المساعد، وسكرتير الشؤون الخارجية، وسكرتير الدائرة الإعلامية والثقافية للاتحاد".
وتضيف: "وقد حصلت على وسام الإخلاص في الذكرى العشرين لتأسيس الاتحاد العام لنساء اليمن- عدن 1988".
ترأس شمشير حاليًا مجموعة (جنوبيات من أجل السلام)، وهي إحدى المكونات التي تتشكل منها مجموعة التسعة الأممية في اليمن، وتضم مكونات نسائية وشبابية؛ تسعى لتعزيز السلام في البلاد.
وبرزت رضية في هذا المجال بشكل كبير، من خلال العديد من ورش العمل والمؤتمرات النسائية والشبابية للتعجيل نحو تحقيق السلام في اليمن، وبرعاية هيئتا ومنظمات الأمم المتحدة.
ورغم خبرتها الكبيرة وأحكام السن، إلا أن شمشير تمضي نحو نقل عصارة تاريخها للأجيال الجديدة، من خلال استمرارها في التدريب والتأهيل، خاصة في مجال الحوار والتفاوض وفض النزاعات.
وتقول: "شاركت في ورش عمل حول دور المرأة في بناء السلام والمفاوضات والتحولات الانتقالية، وإشراك النساء في جهود مكافحة الفساد في القطاع العام والدراسات النسوية".
وتضيف "وعملت مستشارة لعدد من منظمات المجتمع المدني المهتمة بالمرأة، فقد كنت عضو الهيئة الاستشارية الدولية لتعزيز قدرات مركز المرأة للتدريب والبحوث في جامعة عدن للفترة 2005-2007، وعضو الهيئة الاستشارية للمؤسسة العربية لمساندة قضايا المرأة والحدث- عدن 2004. كما عملت مستشاراً لعدد من الهيئات النسائية غير الحكومية مثل جمعية المرأة العدنية للادخار والإقراض، والمؤسسة العربية لمساندة قضايا المرأة والحدث، ومشروع رفع الوعي القانوني للمرأة، ومشروع دعم المرأة السجينة، ومشروع تنمية المرأة الحضري– اتحاد نساء اليمن 1999- 2003.
وحضرت العديد من المؤتمرات التي تعنى بقضايا المرأة، وشاركت في ندوات إقليمية حول المرأة في الانتخابات البرلمانية، وفي مؤتمرات لرفع الوعي القانوني بحقوق المرأة وتعزيز مشاركتها السياسية.
استمرار النضال السياسي
لم تقف مشاركتها السياسية عند عتبة نيل الاستقلال الوطني من الاحتلال البريطاني أواخر ستينيات القرن الماضي، بل أنها اليوم تواصل نضالها السياسي أيضاً، جامعةً بين تاريخين، وشاهدة على تحولات سياسية ووطنية كبرى.
تؤكد لـ "العين الإخبارية" أنها كانت من أوائل المشاركات في العمل السياسي، ومن الفاعلين المؤثرين في هذا المجال، حيث شاركت في مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد في صنعاء عام 2013، وفي الفريق الوطني لتقرير التنمية البشرية كعضو مشارك في إعداد القسم الخاص بالمرأة والمشاركة السياسية (2000–2001)، وفي اللقاء التشاوري لمناقشة النصوص التمييزية في القوانين النافذة في الجمهورية اليمنية 2006.
كما شاركت في ورش عمل تناولت مواضيع سياسية وحقوقية ومدنية، وقدمت أوراق عمل حول التجربة الشخصية للمشاركة السياسية في الانتخابات البرلمانية، حيث كانت قد رُشحت كعضو مستقل في الانتخابات البرلمانية عام 2003.
جمعت رضية شمشير بين أبرز الأعمال ذات المحاذير الكثيرة، فليس سهلاً أن تعمل في الجانب السياسي بالتوازي مع العمل الإعلامي والتنويري، بأبعاده الثقافية والتوعوية، خاصةً مع كونها امرأة، غير أنها أثبتت نجاحها وتفوقها، وباتت نبراساً للكثيرات من بنات الجيل الجديد في اليمن.
وكانت رائدة في مجال الصحافة، لكونها أول صحفية في اليمن والجزيرة العربية، وشاركت في النضال المدني والمسلح ضد الاستعمار البريطاني في عدن قبل قيام الثورة ضده ثم الاستقلال، شاركت بعدها في العمل السياسي والمدني والنقابي والإعلامي، وناصرت حقوق المرأة ودعمت مشاركتها في مجالات الحياة المختلفة.
في يوم المرأة العالمي، 8 مارس، ليس أفضل من الإشارة إلى نموذج كرضية شمشير، التي تؤكد في ختام تصريحاتها لـ "العين الإخبارية" "أن على النساء اليمنيات امتلاك غايات وتطلعات وطموحات كبيرة، حتى يستطعن أن يكتب أسماءهن ويثبتن أنفسهن، خاصةً في ظل هذه الظروف التي تمر بها البلاد".