بالصور.. "صيدلية الشرق".. دواء وتفاؤل مجاني للمصريين
"تقديم الخير، مساعدة الآخرين، مساندة غير القادر ماديًا".. الأسس الثلاثة التي انطلقت من خلالها فكرة تدشين صيدلية الشرق الخيرية.
أرفف مليئة بعلب وعبوات الأدوية، وأعداد كبيرة من المرضى في أعمار مختلفة، ترتسم على وجوهم ملامح ممزوجة بالانتظار والرضا، مرددين عبارة "هذا المكان منقذ لنا هذه الأيام"، هذا المشهد ليس من فيلم سينمائي أو داخل أحد المستشفيات الحكومية، بل مشهد واقعي من داخل مقر أول صيدلية مصرية، تقدم الدواء بالمجان، بمنطقة حلوان، الواقعة جنوب القاهرة.
"تقديم الخير، مساعدة الآخرين، مساندة غير القادر ماديًا".. الأسس الثلاثة التي انطلقت من خلالها فكرة تدشين صيدلية الشرق الخيرية، في سبتمبر/أيلول الماضي، ليقوم 30 شابا وفتاة بإنشاء أول صيدلية خيرية، تقدم الدواء والعلاج بالمجان، من أجل خدمة المواطنين المصريين داخل وخارج القاهرة.
البداية.. التطوع
طبيعة المستوى الاجتماعي والثقافي، والحياة الاقتصادية التي تعيشها منطقة حلوان، كانت الدافع الأول لهؤلاء الشباب والفتيات، لتجميع الأدوية المهملة وغير المستخدمة في بعض العيادات، والمنازل، والصيدليات، وشركات الأدوية، ويقول إسلام رضا، مهندس جيولوجي، والمسؤول الإعلامي بالصيدلية الخيرية: "إن الحق في الحصول على الدواء المناسب، والتمتع بصحة جيدة مسؤولية جميع أفراد المجتمع المصري"، مشيرًا إلى أن الهدف من إنشاء الصيدلية الخيرية مساهمة مجتمعية لتقديم الدواء لغير القادر ماديًا، وأصحاب الدخول المحدودة.
وبابتسامة قوية تملأ وجهه.. يكمل رضا حديثه مع بوابة "العين" الإخبارية، قائلًا: "سرعان ما انتشرت الفكرة وحققت تفاعلا كبيرا بين أهالي المنطقة، بل امتدت الفكرة إلى المحافظات، ليتسابق المتبرعون في تقديم الدواء الزائد على حاجتهم، ويرسل آخرون دعما ماديا، ويبحث البعض الآخر من الشباب طرق التطوع بالذهاب إلى مقر الصيدلية، أو بإرسال رسالة عبر الصفحة الرسمية لـ الشرق بمواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك". ليشعر العاملون بالمكان أنهم قادرون على دعم مجتمعهم الصغير، ونقل الفكرة لباقي المراكز والقرى والمحافظات.
وتشارك شروق علاء، الطالبة بالفرقة الرابعة صيدلة، فريق العمل، في صرف الروشتات، وتقديم استشارات ونصائح طبية، قائلة: "بدأت مع المبادرة منذ البداية، ونظرًا لارتفاع أسعار الأدوية واتساع الفجوة بين الراتب وسعر الدواء، تحمست للفكرة" معلنة فرحتها الغامرة بالتطوع لمدة 4 ساعات يوميًا بالرغم من انشغالها بالدراسة وتأدية الامتحانات نصف العام الدراسي.
مصادر الدواء
تعتمد الصيدلية في الحصول على الأدوية، على مصدر أساسي هو التبرعات من الأفراد، وشركات الأدوية، فضلًا عن تقديم الصيدليات والمستشفيات الدواء الزائد عن حاجتها، ويذكر المسؤول الإعلامي، أن فكرة استغلال الأدوية المهملة الموجودة في أغلب المنازل والعيادات والصيدليات، هي أساس التبرعات والدعم العيني المقدم للصيدلية، شارحًا أن أغلب المصريين يبحثون عن وسائل للتخلص من الدواء غير المنتهي الصلاحية، وعندما تأسست هذه المبادرة التطوعية، بدأ ينتبه الكثيرون إلى ثقافة تقديم الزائد عن الحاجة للمحتاجين.
كما أن الجمعيات الأهلية، العاملة في مجال الصحة، وشركات الأدوية، والعيادات الخاصة، كانت مصادر أساسية لمد يد العون إلى الباحثين عن العلاج، فضلًا عن وجود تبرعات مادية من قبل الأشخاص، لشراء بعض الأدوية المتعلقة بالأمراض المزمنة، مثل أمراض السكر، والضغط، ونوبات الصراع، والقلب.
كما أوضح رضا، أن بعض الحالات المرضية، تجبرهم على توفير نوع معين من الدواء، وفي بعض الأوقات يلجأون لطلب أدوية من متبرعين دائمين، لمرضى الأورام المختلفة، والحالات الحرجة لمرض الكلى.
الفئات المستهدفة
تخدم الشرق أكثر من ألف مريض شهريًا، ما يقدر في المتوسط اليومي من 20-35 حالة مرضية، وتعد مرحلة تقديم الدواء للمريض، ورؤية السعادة على وجه هي أكثر الأوقات التي تشعر فيها ندي مجدي، اخصائية اجتماعية في الصيدلية، بالفرح وتحقيق الذات، لتقول ندي صاحبة الـ20 عاما، والتي ما زالت تدرس بـ كلية الخدمة الاجتماعية، "الإحساس بالآخر هي أساس عملنا" وبكل حماس تستطيع ندى إقناع زملائها وأصدقائها بالجامعة، سواء بالانضمام لفريق العمل التطوعي، أو بتقديم الأدوية غير المستخدمة.
وتصبح مهمة الأخصائية الاجتماعية، هي أكثر المهام أهمية، فتبدأ إجراءات الحصول على الدواء، بتقديم الحالة المرضية الأوراق الرسمية، من أوراق شخصية، وأوراق تثبت درجة استحقاقها للدواء بالمجان، وبعد الاطلاع على تشخيص الطبيب والعلاج المطلوب، ومقارنة أسعار هذه الأدوية بالحالة الاجتماعية ومستوى دخل الفرد، يصرف الدواء دون مقابل.
ورغم أن مقر الصيدلية داخل العاصمة، إلا أن الخدمات الخيرية التي قدمتها شملت جميع المحافظات فمن الإسكندرية إلى قنا وسوهاج، يطلب المرضى العلاج المناسب الذي يتوافق مع مستوى الدخول، لتنظم قوافل طبية عديدة ببعض محافظات الصعيد.
أدوات العمل
نشر فكرة المبادرة والتطوع عن طريق صفحتهم بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" التي يبلغ عدد متابعيها أكثر من 42 ألف متابع، من أجل القيام بمهام تجميع الأدوية من المتبرعين، وفرزها بحسب استخدامها، وتقدير استحقاق الحالة للدواء المجاني، وتوزيعها على الحالات المرضية، تتطلب أعداد كبيرة من المتطوعين والمندوبين للقيام بهذه المهام، لتواجه الصيدلية أزمة بشأن إقبال المتطوعين.
ورغم إقبال الكثيرين على الاتصال والتواصل مع المبادرة، إلا أن وجود أعداد كافية لتقديم الأدوية عبر القاهرة والمحافظات تعد تحدي ضخم يعيق عملهم بعض الوقت.
ومع تفاقم أزمة الأدوية، من حيث نقص الأدوية المستوردة، وزيادة الأسعار على المستورد والمحلي، تزداد الأعباء على العاملين بالصيدلية، فمع زيادة سعر الأدوية، تزداد أعداد المرضى غير القادرين على شراء الدواء، وتتضاعف أعداد المترددين على الصيدلية، ليضعها أمام تحدٍ جديد من أجل خدمة هؤلاء المحتاجين.
لسه الأماني ممكنة
العمل التطوعي لم يمنع هؤلاء الشباب والفتيات، من الابتكار في طرق استقبال المرضي، ومع ملاحظتهم المستمرة لحالة القلق والحزن الذي يسيطر على أغلب الحالات المرضية المترددة على المقر، ابتكر رضا وندى كتابة بعض الأوراق الصغيرة المغلقة، التي تحمل عبارات تدعو للتفاؤل والثقة والاطمئنان للحصول على الدواء، متمنين أن تستمر الفكرة وتمتد إلى باقي المراكز والقرى بمصر، من أجل إنقاذ أرواح كثيرة وحالات مرضية، تتوقف حياتهم على دواء.