معهد الشارقة يعيد الاعتبار للثقافة التراثية بعناوين متخصصة
إصدارات معهد الشارقة للتراث تمثل رافداً مهماً من روافد الثقافة الشعبية العربية، بعدما راكمت عددا من العناوين المهمة والدراسات الرصينة
تمثل إصدارات معهد الشارقة للتراث رافداً مهماً من روافد الثقافة الشعبية العربية، خاصة في العامين الأخيرين، بعدما راكمت عددا من العناوين المهمة والدراسات الرصينة التي تغطي جوانب من الثقافة التراثية الزاخرة، في إخراج أنيق وطباعة فاخرة، فضلا على موضوعاتها الغنية والمتجددة، فضمن أنشطته وبرامجه الأكاديمية والعلمية، أصدر معهد الشارقة للتراث، برئاسة عبد العزيز المسلم، عددا من الكتب والمجلات والمطبوعات المتنوعة التي تُعنى بعالم التراث والثقافة التراثية، خلال العامين الماضيين، ستجد لها مكانة لدى الباحثين والمختصين والقراء.
بحسب الافتتاحية الثابتة في صدر كتب معهد الشارقة للتراث (كتبها المسلم) فإن الهدف من اضطلاع معهد الشارقة للتراث بهذه الإصدارات هو المساهمة في "رفد الساحة الثقافية بنخبة مختارة من الإصدارات المتخصصة في التراث الثقافي، التي من شأنها أن تنهض بمستوى الدراسات البحثية والكتابات المتخصصة".
من مطالعة عناوين الإصدارات ومحتواها المعرفي والثقافي، يتبدى حرص "الشارقة للتراث" على أن يكون له حضور كبير ودور مميز في عملية النشر والتأليف وإصدار المطبوعات والكتب التي تعني بشؤون التراث عموما، والتراث الشعبي خاصة، بموازاة الوعي بأن التراث الثقافي بحاجة إلى سلسلة كبيرة من الكتب والموسوعات والمستلّات الرصينة، المبنية على مناهج بحث المعلومة، كي تتمكن من تقديمه إلى الأجيال الجديدة، ثم إعادة تقديمه إلى العالم.
ثمة عناوين فرضت حضورها، في العامين الأخيرين لأهمية موضوعها علميا (كتابا محمد حسن عبد الحافظ مثلا "في مدنية الثقافة ومرجعيتها الشعبية"، و"السرد والجنوسة في سيرة بني هلال")، أو لتجدد الحاجة إليها في مناسبات احتفائية أو بحثية (مثل "جحا العربي" لمحمد رجب النجار و"جحا النوبي (علينتو)" لسحر جبر محمود أو "محمد رجب النجار مدرسة عربية في التراث الشعبي") أو لاعتبار خصوصية المادة أو طرافتها التي تستدعي مجهودا لافتا لإعدادها ونشرها (مثل كتاب الباحثة الجزائرية مريم بوزيد سبابو "غضب دوغيه؛ طقوس عاشوراء في أقصى الجنوب الجزائري").. إلخ
جحا.. إعادة اعتبار للشخصية التراثية
يلفت النظر في إصدارات الشارقة للتراث، بالإضافة إلى الإخراج فائق الجودة والعناية الفنية الرفيعة الملازمة لكتبها، المراوحة بين خطين متوازيين في هذه الكتب؛ الأول إعادة إصدار كنوز من الدراسات التراثية التي لم يعد طبعها منذ سنوات طويلة، وبات من الصعب أن إعادة طبعها مرة أخرى، والثاني عدم إغفال الدراسات الحديثة أو الكتب التي أنجزها باحثون معاصرون وتنشر للمرة الأولى.
للتدليل على المسارين السابقين، يمكن الإشارة إلى كتابين مهمين صدرا العام الماضي بمناسبة عقد مؤتمر علمي حول الشخصية التراثية الشهيرة "جحا"، الكتاب الأول ربما كان أهم دراسة كتبت بالعربية عن شخصية جحا بقلم الأستاذ الراحل د.محمد رجب النجار، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1978 عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية، ثم صدرت عنه طبعة أخرى عن سلسلة "آفاق شعبية" عن قصور الثقافة المصرية قبل عدة سنوات، وأعاد معهد الشارقة للتراث إصداره في طبعة جديدة ممتازة.
عالج كتاب "جحا العربي" (يقع في 386 صفحة من القطع المتوسط في طبعته الجديدة) شخصية جحا ومأثورها الشعبي من ثلاث زوايا؛ الأولى "التاريخية" وكيف تطورت شخصية جحا من واقع تاريخي إلى رمز فني واعتمد فيها المؤلف على مجهود الأستاذ عبد الستار فراج في كتابه "أخبار جحا" (1954)، وتحقيقه لكتاب "نوادر جحا" أيضا.
والثانية "الناحية الموضوعية" وهي تعني بدراسة موضوع فلسفة نموذج جحا في ضوء نوادره، وتتمثل هذه المعالجة، في تصنيف النوادر الجحوية تصنيفا موضوعيا، وتناولها بالتحليل وبيان وظائفها الحيوية وعناصرها المحورية في ضوء الفلسفة الجحوية العامة.
والثالثة والأخيرة "الناحية الفنية"، وهي التي يقول عنها المؤلف بنصه "وأظن أنني عالجت فيها-لأول مرة الشكل الفني للنادرة الجحوية، وما تتسم به من سمات وملامح فنية، ووضعها في مكانها الصحيح من فنون التعبير الأدبي، وبخاصة "الحكاية الشعبية المرحة" إلى جانب بعض أشكال الإبداع الشعبي الأخرى (كالمثل، واللغز، والحكمة) وعلاقتها جميعها بالأسلوب الجحوي في التعبير، وخصائصه الموضوعية والنفسية".
أما الكتاب الثاني "جحا النوبي (علينتو)" لسحر جبر محمود، فهو كتاب طريف للغاية إن في موضوعه أو مادته، فهو يقوم على جمع حفنة من المرويات عن شخصية نوبية معاصرة تدعى "علينتو" ربطت الباحثة بينها وبين شخصية جحا في الفكاهة والنقد الساخر ورصد المفارقة الاجتماعية من خلال وسائط فنية. "علينتو" نعني باللغة النوبية "ابن علي"، وهو لقب للفنان النوبي محمد علي هندي الذي ولد في بدايات القرن العشرين عام 1914، وتوفي عام 1986، وترك الكثير من الآثار والحكايات والأغاني والذكريات في محيط كل من عرفوه، باعتباره فنانا شعبيا فطريا من طراز فريد.
قائمة حافلة
تفصيلاً، أصدر معهد الشارقة للتراث خلال العامين الماضيين، عددا من الكتب والمطبوعات والمجلات التي تعنى بعالم التراث، تجاوزت 20 كتابا، بالإضافة إلى إصدارين آخرين للتراثية وكتب باللغة الإنجليزية، ومجلة فصلية محكمة، وكتاب مصور عن الشارقة حافل بالذكريات من خلال الصور.
من بين تلك الإصدارات كتاب "حضارة العرب ومراحل تطورها عبر العصور"، للدكتور أحمد سوسة، وكتاب "نواخذة في جنوب الجزيرة البحرية، معارفهم الملاحية ورحلاتهم"، للباحث الدكتور عادل أحمد الكسادي، وكتاب "علوم الإسلام إبداعات واكتشافات مغتصبة"، للدكتور خالد حربي، وكتاب "حكايات مولانا جلال الدين الرومي"، للباحث إبراهيم بشمي، وكتاب "الثقافة الشعبية"، لرئيس المعهد الباحث عبد العزيز المسلم، وكتاب "الشارقة وتوابعها قبل النفط"، للباحث المرحوم عمار السنجري، والتاريخ الشفوي، للسنجري وكذلك أصدر المعهد له ذاكرة الصحراء، ورحلة إلى أرمينيا فردوس آسيا المنسي.
أيضا ظهر عن معهد الشارقة للتراث طبعة جديدة من الترجمة العربية لكتاب كلود ليفي شتراوس الشهير "الأسطورة والمعنى" بترجمة الدكتور شاكر عبد الحميد. وكتاب "فتنة السرد ـ مقاربات نقدية في السرد الحكائي العربي" للدكتور صالح هويدي، والذي يقدم فيه مؤلفه محاولة نقدية لقراءة نصوص حكائية قديمة انطلاقا من النصوص السردية الحكائية نفسها، لمقاربتها مقاربة نصية "في شيء من الحنو والتدبر والإنصات لصوتها، مع الصبر في التأمل والاستنطاق وصولا إلى ما كنا نأمله من وراء ذلك".
كما صدر عن المعهد كتاب باللغة الإنجليزية بعنوان: Arabic Contribution To The Swahili Language من تأليف Rustam Kubwa، كما صدر عن معهد الشارقة للتراث، مجلدان للتراثية، تلك النشرة التي تواكب كافة تفاصيل وفعاليات وأنشطة أيام الشارقة للتراثية، وجاء هذان المجلدان حافلين بكافة الفعاليات والأحداث والأخبار التي عاشتها الشارقة خلال النسخة الـ 14 من أيام الشارقة التراثية العام الماضي.