بالصور.. "الشريان" حيلة فوتوغرافية تشكيلية تواجه انسحاب الحياة
تجربة فنية جديدة للفنان التشكيلي المصري أيمن لطفي بعنوان "الشريان" تعرض في إحدى قاعات دار الأوبرا المصرية.
الانعكاس الفني لعنوان معرضه لا يسكن بعيدا عن المرادف البيولوجي لمصطلح "الشريان"، ذلك الوعاء الدموي الذي ينقل الدم من القلب إلى الأعضاء، باختصار هو تاج الحياة، وضموره يعني تهديدها بالكامل، وعليه استعار الفنان التشكيلي والمصوّر المصري أيمن لطفي من "الشريان" عنوان وثيمة معرضه الجديد.
في لوحات لطفي استودع "بورتريهاته" الحيّة مسارحه السوريالية، كان للمرأة النصيب الأكبر من وجوه تلك البورتريهات، أسبغ عليها الكثير من اللمسات الصناعية التي سحبت رصيدا كبيرا من حياتهن، وحولتهن لدُمى أقرب للتعاسة من الطفولة، ضاعف من تلك التعاسة الخلفيات المستمدة من الطبيعة الشاحبة وكتل الفراغ الرابضة في أعماق الكهوف، التي ألقى بهن في دهاليزها في وحدة وشتات.
في لوحات معرض "الشريان"، الذي يعرض بقاعة الباب سليم بدار الأوبرا المصرية، يبرز خيط أحمر اللون يتدلى من أصابع بطلات لوحاته وينسحب إلى معظمها في حرية، رمزيته تحيلك لعنوان معرضه" الشريان" وكأن هذا الشريان المفقود الذي يتناقل بين لوحاته يُمرر الحياة على لوحاته التي تئن شحوبا وأحيانا تصرخ افتقادا للحياة وسط عالم يفر أسرع من دقات الساعة.
ترتدي بورتريهات لطفي أقنعة حديدية وأخرى ملونة، تسري البرودة إلى وجناتهن، حتى أصبحن أقرب للعارضات البهلوانيات في "السيرك"، وكأن الحياة الحقيقية شحيحة وفارغة، يستعين بألعاب تقليدية كألواح القوس والسهم و"الدومينو"، التي تحيلك ببصرياتها إلى عالم ينازعه القلق وإتقان الحذر كنهج للعيش والبقاء أو الاستسلام للموت.
مرّر الفنان برودة الأطراف من البشر للحجر.. أحال شجرة يانعة إلى قطعة يابسة وسط سماء من الجمود والرمادية الداكنة، وأحاط بها بيدين عملاقتين لم تستطع الاحتفاظ بأخضرها من انسحاب الحياة، وإنما تسلل إليها "فيروس" العدوى المميت.
عدوى الموت الذي ينتظر "شريان" نجاة، وحّد بين تجاربه اللونية الباهتة والداكنة، بين خلفياته التي زادها "الجرافيكس" تحجرا، وإيماءات الفتيات اللاتي انخرطن في الانسحاق أمام فوضى السكون وتقزم الأمل، تكميم أفواه بعضهن عنوة كان تعبير أقوى من الكلمات، وأحيانا تكبيل أيديهن، صاغ بها الفنان مستعينا بفوتوغرافيته التشكيلية حكايات غرائبية أبطالها تسللوا رُغما عنهم في سياقاتها السوريالية، يستعينون للنجاة منها ربما بقارب صغير أو يؤثرون الاستسلام في عالمهم الجديد الذي يحاصرهم كسلاسل معدنية مقيدة للحياة، في انتظار شريان ينزع عن المشهد العام قتامته، ويزرع فيه شمسا.
لطفي استمر نحو 3 سنوات في الإعداد لهذا المعرض، الذي يشكل استمرارا لتجربته في المزج بين الفوتوغرافيا والفن التشكيلي، التجربة التي حاز بها عددا من الجوائز الدولية فى هذا المجال، ومنها جائزة الماستر فى بينالي الصين الدولي للتصوير الفوتوغرافى المعاصر، والنجمة الذهبية من الجمعية الأمريكية، وغيرهما.