عند اتخاذ الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، قرارهما بسحب قواتهما "بشكل غلبت عليه العجلة والهرولة" من أفغانستان قبل ثلاثة أعوام،
لعبت دولة الإمارات وشقيقتها قطر دوراً مهماً في ضمان خروج آمن للدبلوماسيين الغربيين وبعض الجاليات الأجنبية والإعلاميين والصحفيين التابعين لمختلف وسائل الإعلام العالمية.
كانت هذه الجرأة وسرعة ومرونة التعامل مع هذا التحدي المفاجئ من العوامل الرئيسية التي دفعت إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، إلى الإشادة بالموقف الإماراتي ورفع أوجه التعاون والتنسيق بين أبوظبي وواشنطن إلى شراكات رفيعة المستوى، وتم أيضا تصنيف قطر كحليف رئيسي من خارج الناتو في أوائل عام 2021.
الجهود الإماراتية البناءة والداعمة للشعب الأفغاني لم تبدأ بسد ثغرات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ولكنها مساعٍ راسخة متجذرة في السياسة الخارجية الإماراتية والقائمة على دعم الإمارات الكامل للجهود الدولية لإعادة السلام والاستقرار وذلك من خلال المشاركة في المحادثات الدولية وتقديم المساعدات الإنسانية والتنموية لدعم الاستقرار في أفغانستان.
تعود العلاقات بين صندوق أبوظبي للتنمية والحكومة الأفغانية لأكثر من أربعة عقود، حيث ساهم الصندوق في تنفيذ عشرات المشاريع التنموية في أفغانستان عبر إدارة المنح الحكومية وتقديم القروض الميسرة لتحقيق الأهداف التنموية في هذا البلد الذي يعاني من نسب عالية من الفقر. وكثفت الإمارات من المساعدات التي قدمتها لأفغانستان في السنوات الأخيرة وتجاوزت 6.2 مليار درهم (1.7 مليار دولار)، شملت مجالات الغذاء، والرعاية الصحية، والمياه، والإسكان، والتعليم، والصرف الصحي.
كما استجابت الإمارات على نحو عاجل وفاعل وقدمت المساعدات الطارئة بعد كارثة زلزال عام 2022 في أفغانستان، وأرسلت طائرات تحمل 53 طنًا من المساعدات الغذائية والطبية لدعم المتضررين خاصة في هرات، وأقامت مستشفى ميداني بمساحة 1000 متر مربع.
واختلطت الدماء الإماراتية بالأراضي الأفغانية عندما ارتقى خمسة شهداء من العاملين الإماراتيين في مجال الإغاثة إلى بارئهم في يناير 2017، نتيجة هجوم إرهابي في قندهار أثناء تأديتهم لواجبهم الإنساني.
من جانب آخر، يعيش بسلام ووئام على الأراضي الإماراتية نحو 300 ألف أفغاني، من عشائر متنوعة وبينهم عدد من كبار التجار، مما يشكل رابطاً قوياً بين الشعبين الإماراتي والأفغاني، ويعزز التجار الروابط المالية والتجارية الواسعة بين البلدين في مختلف القطاعات.
في إطار سعيها لمحاولة تخفيف وطأة الانسحاب الأمريكي، استضافت الإمارات الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني في أغسطس 2021، وقدمت له ملاذاً آمناً مع أهله ورفقائه.
تتبع السياسة الإماراتية المرونة والعملية في التعامل مع مختلف تغيرات المشهد داخل أفغانستان بشكل لا يحيد عن الهدف الرئيس وهو دعم الشعب الأفغاني وتعزيز السلام بين أطيافه المتنوعة، فقد وجهت الإمارات انتقادات للقوانين والسياسات المتشددة التي تبنتها طالبان في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي، خاصة تجاه حقوق المرأة، وخاصة في التعليم.
بالنظر إلى أفغانستان التي تمثل نقطة اهتمام استراتيجية في آسيا الوسطى، ترى الإمارات أن التنمية هي ركن أساسي لدعم استقرار الشعوب، لذا تحافظ على المعادلة التنموية والتجارية والاقتصادية مع دول آسيا الوسطى، وخاصة في قطاعات السياحة والزراعة والطاقة والخدمات اللوجستية. في هذا السياق، تعتبر أفغانستان نقطة وصل هامة في دعم الرؤى الاقتصادية والتنموية في هذه المنطقة.
من هذه الدلالات، أشير أيضاً إلى استقبال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، وفداً أفغانياً برئاسة سراج الدين حقاني وزير الداخلية، في 4 يونيو/حزيران الجاري، حيث بحث الجانبان، خلال اللقاء، تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين وسبل تنميتها بما يحقق المصالح المشتركة ويسهم في استقرار المنطقة خاصة في المجالات الاقتصادية والتنموية ودعم الإعمار والتنمية في أفغانستان. في الوقت ذاته، أعرب وزير الداخلية الأفغاني عن سعادته بلقاء رئيس دولة الإمارات، مشيداً بالعلاقات المتميزة بين دولة الإمارات وأفغانستان.
تأتي الزيارة في إطار اتجاه الساحة السياسية الدولية للتفاعل مع الحكومة الأفغانية الجديدة، حيث تعكس هذه البادرة الإماراتية الإيجابية باستقبالها وفداً رفيعاً من حركة طالبان، تفهم أبوظبي للتحديات الدولية الحالية المتعلقة بأفغانستان وتماشيًا مع التوجهات العالمية ونظرًا لأولوياتها المحسوبة.
فقد برز نجم حقاني بعد 7 أشهر من سيطرة طالبان على كابل وانسحاب القوات الأمريكية، عندما ظهر علنًا، وألقى كلمة في حفل تخريج للشرطة في كابل، بحضور سفراء عدة دول وممثلي الأمم المتحدة، رغم عدم اعتراف أي دولة رسميًا بالحكومة الأفغانية الجديدة. وتُعتبر جماعة حقاني، المنضوية تحت لواء طالبان، الجناح الأكثر قوة داخل الحركة، نظراً لتزايد نفوذها في الجهاز الاستخباراتي وسيطرتها الكاملة على القوات الخاصة المعنية بالمهام الصعبة. كما يتمتع جناح حقاني بشبكة واسعة من التواصل مع مختلف الأجنحة داخل حركة طالبان، مما يجعله قادراً على جذب العناصر المتنوعة غير المتفقة مع السياسات الرئيسية للحركة.
في الختام، فإن استقبال وفد طالبان رفيع المستوى في الإمارات في ظل الظروف الراهنة من التجاذبات الإقليمية والدولية لا شك هو خطوة استراتيجية مهمة تدعم الإمارات في تعزيز روابطها وعلاقاتها داخل أفغانستان وتفتح الباب أمام المجتمع الدولي لتعزيز مسار راسخ للتفاهم والتناقش مع القادة البارزين في طالبان بما يخدم التوجه الدولي بالسعي نحو تذليل العقبات وتجاوز التحديات في أفغانستان التي تعاني على أصعدة مختلفة خاصة من الناحية الاقتصادية. كما تساعد في استعادة التوازن في منطقة آسيا الوسطى بما يعود بالخير على الجميع، بعيداً عن أي سياسات أخرى أو دول أخرى في المنطقة تسعى لاستغلال الوضع في أفغانستان لصالح مآربها الخاصة ومصالحها الضيقة التي تعتمد على إثارة النعرات الطائفية والتوترات خاصة داخل أفغانستان.
وإذ يتحدث بعض المراقبين عما أسموه بداية انشقاق في حركة طالبان في ظل ما اعتبروه تصاعداً لنفوذ حقاني، فإنني أرى أن النظام الطالباني يستند إلى مبدأ الطاعة المطلقة الذي يجعل الحركة متماسكة تماماً حتى اللحظة الراهنة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة