إن لحظة المصالحة السعودية الإيرانية في الصين قبل عام ونصف العام تقريباً، لا تزال تلقي بظلالها الوارفة على المنطقة برمتها.
ولعل المهم في ذلك هو أهمية المملكة العربية السعودية كدولة عربية وإسلامية مركزية، ينظر إليها الشرق والغرب على أنها بوابة إقليمية للحلول السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية.
ومما لا شك فيه أن "اليمن" كان المعيار الرئيسي لاختبار جدية طهران في تنفيذ بنود المصالحة مع السعودية. فعلياً توقفت الهجمات الحوثية الإرهابية ضد المدن السعودية، بأمر من إيران، التي تُعتبر الأب الروحي للحركة الحوثية الانقلابية. وقدم إلى الرياض وفد رسمي حوثي، جلس أعضاؤه وكأنما على رؤوسهم الطير في حضرة وزير دفاع المملكة العربية السعودية الأمير خالد بن سلمان. وقبل ذلك جال وصال في صنعاء سفير خادم الحرمين الشريفين لدى اليمن محمد آل جابر ضمن زيارة رمضانية، تسابقت فيها قيادات مليشيات الحوثي للجلوس معه والتقاط الصور التذكارية إلى جانبه.
أما لبنان، الذي تسيطر عليه إيران عبر وكيلها الإرهابي حسن نصر الله متزعم مليشيات حزب الله، فإن الكثير يُقال عن خطابات نصر الله التي لم تعد تضم مفردات الشتم والسب للسعودية، بل بات يستعمل المعسول من القول حين يفكر بالحديث عن القيادة السعودية. وهو مؤشر يشرح حجم تنفيذ نصر الله للأوامر الإيرانية المغلظة دون نقاش، ودليل جديد على كون المليشيات الإيرانية مجرد أدوات يستخدمها مكتب المرشد للقيام بأدوار محدودة، دون نقاش أو حتى تمرد.
أما العراق، الذي يرزح تحت نير الاحتلال الإيراني، وتنتشر على أرضه عشرات المليشيات الولائية المسلحة، ذات الصبغة الطائفية والهوية العنفية القابلة لاستعمال السلاح غير الشرعي خدمة لمصالح إيران في كل مكان، فإن السفير السعودي عبدالعزيز الشمري في بغداد، أصبح محور الأخبار، بما يقوم به من أسفار داخل محافظات العراق، والإعلام يغطي كل لقاء، وحتى أتباع إيران يحتفون به ويثنون على جهوده. وهذه دلالة جديدة على حرص إيران الشكلي حتى الآن على إنجاح المهمة الدبلوماسية السعودية في بلاد الرافدين.
تبقى سوريا الساحة الأكثر تعقيداً، على الرغم من إرسال السعودية سفيراً جديداً لها بعد قطيعة دامت سنوات. مشهد استقبال الرئيس السوري بشار الأسد في جدة السعودية الصيف الماضي كان ولا يزال الحدث الأبرز بعد انفتاح عربي واسع على دمشق، قادته الإمارات العربية المتحدة، بغية رأب الصدع وإنقاذ السوريين. لكن وجود ميليشيات إيرانية مسلحة في سوريا أمر يرفضه العرب، ويجعل من جغرافية الشام ميداناً مستباحاً للغارات الإسرائيلية المتكررة. ناهيك عن دور مليشيات حزب الله والحشد الشعبي وزينبيون وفاطميون في صناعة حبوب الكبتاغون والاتجار بالمخدرات وغيرها.
في الواقع، تدير السعودية بحذر ملف تنظيم الخلاف مع إيران، وتتطلع ومعها دول عربية خليجية وازنة لعلاقات حسن جوار حقيقية مع إيران. لكن في الوقت نفسه تبقى الكرة في ملعب نظام طهران، لأنه مطالب اليوم بأكثر من التصريحات والمجاملات، مثل الانسحاب من الدول العربية التي تحتلها مليشياته، والتوقف عما يسمى تصدير الثورة والتدخل في شؤون الدول المستقلة، وعدم التصعيد في مياه الخليج العربي والبحر الأحمر.
وفي الختام، أود أن أقول إن عواصم محورية معتدلة مثل الرياض وأبوظبي تنشد السلام وتسعى لتحقيق التنمية بعيداً عن الحروب والفوضى. لن أغوص أكثر في وجع غزة وجرح فلسطين النازف، والاستغلال الإيراني البغيض للقضية الفلسطينية، بقدر ما أود التذكير بوجود فرصة حقيقية للسلام المستدام إذا حكمت إيران العقل، ونحت جانباً وساوس الشعارات والعنتريات ودعم المليشيات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة