إيران ومصر على طاولة «التقارب».. 3 محددات لتجاوز «أشواك» الماضي
تحركات متتالية في نطاق زمني قصير تكشف تسارع وتيرة التقارب بين القاهرة وطهران، وإن ظلت بعض العقبات على الطريق "الصعب".
أحدث هذه التحركات مباحثات هاتفية جمعت بين وزير الخارجية المصري سامح شكري، وعلي باقري وزير الخارجية الإيراني بالوكالة، أكدت ضرورة متابعة مساعي تطوير العلاقات الثنائية.
وجاءت هذه المباحثات بعد أيام من زيارة شكري طهران لحضور جنازة الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي لقي مصرعه في حادث تحطم مروحيته.
وعلى هامش تلك الزيارة، التقى شكري عددا من المسؤولين الإيرانيين، ما يعكس حركة سريعة في وتيرة التقارب، حسب مراقبين.
إلا أن وتيرة التقارب، بنظر محللين سياسيين تحدثوا لـ"العين الإخبارية" تحكمها محددات رئيسية لتطوير العلاقات، وتتمثل في:
ضرورة أن تنحكم إيران لمبادئ الاحترام المتبادل وحسن الجوار.
العمل على تحقيق مصالح الشعبين المصري والإيراني.
دعم استقرار المنطقة.
وفي تقدير بشير عبدالفتاح، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإنه "إذا ما نجحت إيران عمليا في التعاون والتفاهم مع مصر لإرساء مبادئ الاحترام المتبادل وحسن الجوار وتحقيق مصالح الشعبين ودعم استقرار المنطقة، يمكن للعلاقات أن تشهد انطلاقة جديدة مهمة".
وأضاف عبدالفتاح "مثلما نجحت القاهرة في استعادة علاقات وثيقة مع تركيا، رغم وجود تناقضات استراتيجية في ملفات عديدة، فإنه ليس من المستحيل أن تكون هناك علاقات أفضل مع إيران".
وفي هذا الصدد، أكد أن "مصر ليس لديها مشكلة جوهرية في استعادة العلاقات مع إيران، لأنها تدرك أنه ليس من المنطقي أن تظل حالة الجفاء بين البلدين".
"مطلوب تغيير"
واعتبر الخبير بمركز الأهرام أن "إيران قوة إقليمية مهمة، وتاريخ العلاقات بين البلدين لا تعوقه تناقضات جوهرية استراتيجية".
مستدركا "لكن التقارب المصري الإيراني مرتهن بحدوث تغيير في السياسة الإيرانية، أو تعديل في سلوك طهران الإستراتيجي في المنطقة؛ لأن الأخيرة ليست فقط على خلاف مع مصر في بعض الملفات، وإنما أيضا مع المحيط الإقليمي والدولي".
لذلك يرى الخبير المصري أن "مستوى التطور في العلاقات المصرية الإيرانية سيكون مرتهنا إلى حد بعيد بسياسات إيران الإقليمية والدولية".
وفي هذه النقطة، يقول "من الصعب أن تستجيب طهران للمطالب المصرية لأنها تصطدم بحساباتها الاستراتيجية، وحسابات وتوجهات ومصالح يحددها المرشد الأعلى على خامنئي، إلا أنها ستحاول في الوقت ذاته إرضاء الجانب المصري قدر المستطاع، في بعض الملفات والمحاور، دون أن تصل إلى المستوى المطلوب".
وعليه، يتوقع عبدالفتاح "عودة العلاقات المصرية الإيرانية ببطء شديد؛ لأنها مرتهنة بما يمكن أن تحدثه إيران من تحول إيجابي في علاقتها مع محيطها الإقليمي والدولي".
وفي تصريح سابق لـ"العين الإخبارية" تحدث عبدالفتاح عن أبرز النقاط الخلافية بين مصر وإيران التي تعرقل عودة العلاقات لطبيعتها، وهي:
سياسات إيران الإقليمية.
إصرار إيران على فرض نفوذها في دول عربية.
فضلا عن علاقاتها بجماعة الحوثي، وتأثير ذلك على أمن الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس بما يضر بالاقتصاد المصري.
مراحل بناء الثقة
بدوره، قال المحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي، لـ"العين الإخبارية"، "إذا ما حصلت القاهرة على التزامات إيرانية فعلية فسيتم إعلان عودة العلاقات وفقا لمراحل من بناء الثقة، ثم التعاملات التجارية والاقتصادية".
وينظر آل عاتي إلى بيان القاهرة المعقب على الاتصال الهاتفي بين وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني، بأنه "يؤكد استمرار خطوات البلدين المتواصلة في سبيل إعادة علاقاتهما إلى سابق مسارها الطبيعي في إطار محددات العلاقات الطبيعية القائمة على الاحترام المتبادل وحسن الجوار، وتحقيق مصالح الشعبين ودعم استقرار المنطقة".
وأشار إلى أن الاتصال الهاتفي "يؤشر بالفعل على أن القاهرة وطهران تسعيان سويا إلى تذليل ما يعترض تحسين العلاقات، وبذل مزيد من الخطوات الدبلوماسية، من أبرزها إرسال الرئيس عبدالفتاح السيسي وزير الخارجية سامح شكري إلى طهران لتقديم واجب العزاء في رئيسي".
وأردف "هناك التزام متبادل بمتابعة مسار تطوير العلاقات الثنائية بما يسهم في معالجة القضايا العالقة، التي في مقدمتها عدم التدخل في شؤون الدول المجاورة والتوقف عن زعزعة أمن واستقرار الدول العربية".
وشدد المحلل السياسي السعودي على أن "التقارب المصري-الإيراني مهم لأمن المنطقة واستقرارها، خاصة عقب توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في بكين في 10 مارس/آذار 2023، وهو الاتفاق الذي أدخل المنطقة مرحلة من التفاهم والتعاون وخلق أجواء تسمح بالتشاور حيال ملفات المنطقة".
علاقات موسمية
بيْد أن الأمر بالنسبة لوجدان عبدالرحمن، الخبير في الشأن الإيراني المقيم في بريطانيا، مختلف بعض الشيء، إذ استبعد عودة علاقات البلدين، قريبا.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، فسر ذلك قائلا "النوايا المصرية مختلفة تماما عن الإيرانية؛ فالقاهرة تسعى لعلاقات مستدامة وحقيقية، فيما تبحث إيران عن علاقات موسمية تتعلق بالأزمات التي تواجهها، وعند حلها ستعود إلى ما كانت عليه".
ويعتقد أن "هذه العلاقة لن تنجح، وحتى إذا نجحت فسيكون عمرها قصيرا".
وأكد أن "مصر تبحث عن الهدوء والاستقرار في المنطقة ومصلحة الشعب المصري، وشعوب المنطقة ولا تتدخل في شؤون دول أخرى، لكن من الجانب الإيراني هذا الموضوع مختلف تماما".
تواصل مستمر
وارتفعت وتيرة التواصل الدبلوماسي بين القوتين الإقليميتين خلال الأشهر الماضية، خصوصا اللقاءات بين وزيري الخارجية.
تلقى وزير الخارجية المصري، أمس الأربعاء، اتصالا هاتفياً من علي باقري وزير خارجية إيران بالوكالة.
وتطرقت المباحثات إلى الموضوعات المرتبطة بالعلاقات الثنائية بين القاهرة وطهران، حسب بيان الخارجية المصرية.
وأشار البيان إلى أن الوزيرين "توافقا على أهمية متابعة مسار تطوير العلاقات الثنائية بما يضمن معالجة كافة القضايا العالقة، تمهيداً لاستعادة العلاقات إلى طبيعتها".
وفي مايو/أيار الماضي، قدم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تعازيه لإيران بوفاة رئيسها إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، في حادث تحطم المروحية.
وهو ما أشاد به وزير خارجية إيران، معربا عن تقدير بلاده تعازي الرئيس المصري، وإيفاده وزير الخارجية إلى طهران لتقديم واجب العزاء، مثمناً -كذلك- تضامن مصر مع الشعب الإيراني في «مصابه الأليم»، بحسب بيان القاهرة أمس.
وفي مايو/أيار 2023، أعلن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أنه يرحب باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع مصر، مؤكداً أن ليس لديه "تحفظات" في هذا الصدد.