رحيل صامت لـ"سعيد النابلسي" أول مهندس ديكور في التلفزيون السوري
مشوار سعيد النابلسي يتزامن مع تأسيس التلفزيون السوري أواخر ستينيات القرن الفائت، إذ كان ضمن فريق العمل الدرامي بالتلفزيون الوليد
باستثناء نعي عدد قليل من أصدقائه، مر رحيل الفنان ومهندس الديكور سعيد النابلسي أول مهندس ديكور في التلفزيون السوري منذ أيام في دمشق بصمت، رغم أن الراحل يعد من رواد الحركة الفنية في سوريا، إذ عمل في السينما والتلفزيون والمسرح وارتبط اسمه بكثير من الأعمال التأسيسية في هذه المجالات الثلاثة.
ولد النابلسي في دمشق عام 1931، وبدأ أولى تجاربه الفنية إلى جانب رائد السينما السورية المخرج نزيه الشهبندر في فيلمه "نور وظلام" (1948) الذي يعد أول فيلم سوري ناطق، إلا أن المسرح كان المنصة الأساسية التي استوعبت طاقات النابلسي الفنية إلى جانب أبناء جيله ممن شغفوا بالفن نتيجة تواضع العمل السينمائي في ذلك الوقت وغياب العمل التلفزيوني تماماً، فكان واحداً من مؤسسي "النادي الشرقي" الذي قام نهاد قلعي بتأسيسه في عام 1954، مع الأساتذة: سامي جانو، وعادل خياطة، وخلدون المالح، وعدنان عجلوني، ونزار براق، وأخيه زهير؛ حيث أسهم النابلسي في تصميم ديكور مسرحيات الفرقة وسواها، وصولاً إلى لبنان؛ حيث عمل في عدة مسرحيات للرحابنة.
مع تأسيس التلفزيون السوري أواخر ستينيات القرن الفائت، كان النابلسي من ضمن الفريق الذي استدعاه الدكتور صباح قباني، أول مدير للتلفزيون السوري، ليكون ضمن فريق العمل البرامجي والدرامي في التلفزيون الوليد، الذي شكلت نواته من أبناء الفرق المسرحية إلى جانب القادمين من الإذاعة والفنيين، وتألف في انطلاقته الأولى من صباح قباني مدير التلفزيون، وكل من عبدالهادي البكار، وهيام طباع، وعاطف حلوة، وعادل خياطة، وسامي جانو، وسعيد النابلسي مديراً لدائرة الخدمات، ومحمد الرواس مديراً للتصوير وآخرون.
واستعداداً لمهامه الجديدة التحق النابلسي بمجموعة من الدورات التدريبية في مصر وفرنسا، ليعود بعدها إلى سوريا؛ حيث يتولى مهام عمله كرئيس لدائرة الخدمات في التلفزيون، والذي شمل إلى جانب قسم الديكور، أقساماً للمكياج والأزياء والرسم والخط.
وأسوة بمعظم الرعيل الأول الذي عمل معه، كان الشغف بالمهنة الأساس الذي اعتمد عليه الراحل سعيد النابلسي في تجاوز كثير من التحديات التي تتعلق بالعمل في تلك الفترة، فبالإضافة إلى تحدي العمل ضمن المساحات المحدودة للاستوديوهات التي كانت تجعل من مهمة الديكور شبه مستحيلة، لا سيما مع أدوات العمل البسيطة، كان على العاملين في التلفزيون، ومنهم النابلسي بطبيعة الحال، كمهندس للديكور، التكيف مع بث البرامج مباشرة دون تسجيل، وهو الأمر الذي كان يتطلب منه بالضرورة فك ديكور البرامج وإعادة تركيبها أكثر من مرة.
في تلك الفترة كان الإنجاز الأهم للنابلسي في التلفزيون هو تحويل تمثيلية (رابعة العدوية) الإذاعية إلى عمل تلفزيوني، والتي يعدها الناقد الموسوعي "سعد القاسم" (خطوة رائدة في تاريخ التلفزيون السوري حظيت بإشادة خاصة).
كانت سهرة (رابعة العدوية) بثت من إذاعة دمشق وإذاعة القاهرة في الفترة التي شهدت خلالها العاصمتان وحدة سياسة بينهما، وآنذاك خطر ببال الراحل النابلسي تحويلها إلى عمل تلفزيوني، وهو الأمر الذي تلقفه مدير التلفزيون صباح القباني والفنان نهاد قلعي، مدير المسرح القومي في ذلك الوقت، فتولى إخراج العمل التلفزيوني الفنان نزار شرابي (1961) وجسد شخصياته نجوم تلك الفترة إلى جانب نهاد قلعي، ومنهم فاطمة الزين، عدنان عجلوني، توفيق العشا…فيما قام المرحوم النابلسي بأعمال الديكور.
تالياً ارتبط اسم الراحل النابلسي في أعمال مهمة، بالمنطق الفني والتقني لفترة البدايات، منها "سهرة دمشق"، و"ثمن الحرية" وغيرها.. وقد مهد الراحل بعمله لجيل كبير من مهندسي الديكور الذين قامت على أكتافهم الدراما السورية.
في السينما كان حضور سعيد النابلسي الأكثر تأثيراً، عمل الرجل بداية مع محمد الرواس في فيلم "عقد اللولو" (1964) للفنانين نهاد قلعي ودريد لحام الذي قام الرواس بإنتاجه وتحويله عن أصل مسرحي للثنائي الكوميدي الشهير، وقد حقق العمل نجاحاً واسعاً لدرجة يمكن اعتباره شرارة انطلاقة أفلام القطاع الخاص السينمائي في سوريا التي انتشرت وازدهر إنتاجها في ستينيات وسبعينيات القرن الفائت.
ومع الشريكين محمد وفوزي الرواس أسس الثلاثة استديو (سيريا فيلم) الذي قدم عدد من أهم أفلام تلك الفترة، إضافة إلى فيلم "عقد اللولو" منها: "خياط للسيدات"، "سلطانة"، "اللص الظريف".
سافر النابلسي بعد هذه الفترة إلى الكويت للعمل فيها، ليعود منها إثر الغزو العراقي لها، للعمل في التلفزيون السوري والسينما، فاشتغل مع الفنان دريد لحام في فيلمه "الحدود"، إضافة إلى مسلسلاته التلفزيونية " الأصدقاء" و"عودة غوار"، بالإضافة إلى عمله في التلفزيون والمهرجانات المحلية حتى تقاعده؛ حيث غاب عن الساحة الفنية والإعلامية باستثناء إطلالة إعلامية قليلة كان آخرها استضافته في برنامج "الملونون" للناقد والفنان التشكيلي سعد القاسم.
aXA6IDMuMTQyLjIwMC4xMDIg جزيرة ام اند امز