الروائية السورية شهلا العجيلي لـ"العين الإخبارية": الإلهام عندي كتابة مستمرة
الروائية السورية شهلا العجيلي توضح أن الجوائز العربية الكبيرة محفز كبير للمضيّ في حقل التخييل والبحث عن الأفكار وتطوير الأدوات الفنية.
قالت الروائية السورية شهلا العجيلي، إن حصولها على جائزة الملتقى للقصّة القصيرة في دورتها الثانية عن (سرير بنت الملك)، ووصول روايتيها (سماء قريبة من بيتنا) و(صيف مع العدوّ) إلى القائمتين القصيرتين للبوكر في ترشيحين متتاليين، وقبل ذلك حصولها على جائزة الدولة عن (عين الهرّ)، هو محفّز كبير للمضيّ في حقل التخييل والبحث عن الأفكار وتطوير الأدوات الفنيّة.
وأكدت العجيلي في حوارها مع "العين الإخبارية" أن الإلهام بالنسبة لها هو الجلوس إلى المكتب، والكتابة المستمرّة الجادّة، لأوقات محدّدة، والانكباب على المشروع، كأنّك تذهب إلى العمل كلّ يوم، حيث تشعر في اليوم الذي تضطرّ للغياب فيه لظرف ما بضيق وبتأنيب الضمير!
وصلت روايتك "صيف مع العدو" للقائمة القصيرة للبوكر هذا العام، وفزت العام الماضي بجائزة ملتقى الكويت للقصة.. ما مدى تأثير الجوائز الأدبية على الكاتب؟
المسألة بالنسبة لي نوعيّة. لابدّ من الإشارة إلى أنّ الترشيح في هذه الجوائز يأتي من الناشر وبموافقة الكاتب، وأنا لم أوافق على الترشّح إلا للجوائز المتخصّصّة، ذات المعايير العالية، والتي تخدم النصّ، وتوصله إلى مدى قراءة أوسع، وتفتحه على الثقافات الأخرى من خلال ترجمات نوعيّة أيضاً، وذلك على الرغم من أنّ مكافآتها الماديّة هي الأقل بالنسبة لغيرها من الجوائز. لعلّ حصولي على جائزة (الملتقى) للقصّة القصيرة في دورتها الثانية عن (سرير بنت الملك)، ووصول روايتيّ (سماء قريبة من بيتنا) و(صيف مع العدوّ) إلى القائمتين القصيرتين في ترشيحين متتاليين، وقبل ذلك حصولي على جائزة الدولة عن (عين الهرّ)، هو محفّز بالنسبة لي للمضيّ في حقل التخييل والبحث عن الأفكار وتطوير الأدوات الفنيّة، وحمل مسؤوليّة أكبر تجاه فكرة الحرفة، وتجاه القرّاء، وتجاه الدارسين. لكن أقول دائماً إنّ الجوائز قد تحبط أيضاً، نتيجة غياب العدل، أو غياب الحظّ، أو تفاوت المعايير، وعلى الكاتب ألاّ يستسلم لهذا الإحباط. أنا حين أخلد للكتابة لا أفكّر سوى بإنتاج كتابة جيّدة، بل متفوّقة، أفكّر بالنصّ الذي تمنّيت عبر تاريخي وقراءاتي أن أكتبه، أفكّر بالقيمة الفنيّة في علاقتها مع ما هو أخلاقيّ، ومع الشكل ومع الحكاية، هذا الصراع صعب للغاية، وهو الذي يميز بين الكتّاب، ويميز كذلك بين النصوص! أعيش إذن في عالمي الخاصّ، وأكون مستمتعة جدًّا ومنهمكة في حالة الخلق والبناء والبحث، وما تبقّى من جوائز وطبعات وانتشار يأتي لاحقاً... أعتقد أنّ الجوائز تأتي لأنّنا نكتب من منطلق حبّنا للكتابة، ولانشغالنا الدائم والجاد بتطويرها، وامتلاك مزيد من أسرارها المتعلّقة بالقيمة الفنيّة.
وهل أسهم الملتقى في الترويج للقصة القصيرة؟
أستطيع أن أجزم بذلك، لقد عاد كتّاب القصّة القصيرة إلى دائرة النقد الذي تكاسل فترة طويلة عن اهتمامه بالقصّة القصيرة، كما عادوا إلى دائرة الضوء الإعلاميّ الذي تجذبه الجوائز، ويمكننا ملاحظة ذلك من إنتاج المجموعات القصصيّة وإشهارها لكثير من الكتّاب الذين لم يكتبوا القصّة منذ زمن، سنلاحظ أيضاً أنّ من لديه مجموعة غير مكتملة من قبل، أكملها ونشرها، وأنّ بعض الروائيين أيضاً أخذوا إجازة من الرواية وأصدروا مجموعاتهم القصّصيّة، ولعلّ جائزة (الملتقى) واجهت بعض كتّاب القّصّة القصيرة بمسؤوليّة الكتابة، وبفكرة معرفة حدود النوع، ليمتنعوا عن الاستسهال في الكتابة، وليكونوا مستعدّين فنيّاً ومعرفيّاً لخوض مغامرة القصّة القصيرة.
أنتِ أستاذة أكاديمية.. حدثينا عن التداخل بين النقد والإبداع وهل يمكن اعتبار النقد نوعًا من الإبداع؟
إذا أردنا الكلام في إطار نظريّة الأدب، فثمّة روح ثقافيّة واحدة، وخصائص ثقافيّة معرفيّة واحدة ناظمة لكلّ من النقد والإبداع لكلّ بنية اجتماعيّة في كلّ مرحلة من مراحل التاريخ، وهذا ما يفرز الاتجاهات الكبرى في الإبداع والنقد، ويفرز الأنواع الفنيّة، والأشكال، بل ويسيّد جنساً أدبيّاً على آخر في بعض الحقب، وإذا أردنا التوسّع أكثر فتلك الخصائص الثقافيّة المعرفيّة والجماليّة تنسحب على الفنون جميعاً لتدرس في إطار نظريّة الفنّ، لنكون نقّاداً لا بدّ من معرفة حدود النظريّة، وعلاقتها الأصيلة بالوجود الإنسانيّ، وبالحياة في كلّ عصر من العصور التي عرف فيها الإنسان الإبداع، هذه المعرفة بدقائق الفنّ وبتاريخ الفنون بعامّة تغني عمليّة الكتابة التخيليّة بالنسبة لي، وتتأتّى الخطورة من استعمال بعض (الكتّاب/ النقّاد) النظريّة أو المنهج في الكتابة الإبداعيّة، أو أنّ النظريّة تلك تعطّلهم عن التخيل، وتصير قيداً. للنقد قصّته وتاريخه المبنيّ على تحوّلات المجتمعات، وحركة التاريخ، وحساسيّة بعض الأفراد المفكّرين، وهو ناتج عن أسئلة الوجود الإنسانيّ، وعلاقة ذلك كلّه بالفنّ. أعتقد أنّ دراسة النقد مصدر من مصادر القوّة في النصّ الذي أكتبه، وله دور كبير في جعله مختلفاً.
قلت أثناء استلامك جائزة ملتقى القصة: "قبل ذلك بآلاف السنين، كانت الحكاية والخبر والأسمار التي لولاها لماتت الشعوب من البرد".. ما جدوى الكتابة وقت الأزمات الكبرى؟
لا أعرف جدوى مباشرة أو عامّة للكتابة، أو على الأقل لا أكتب بهذا الدافع المباشر. أكتب في الأوقات كلّها، قبل الأزمات الكبرى ومعها، لكن قد تكون الكتابة في ظلّ ما حدث للمواساة، ولاستعادة مفقوداتي الشخصيّة والتاريخيّة، ولمشاركة الآخرين بها وإثارة إحساسهم تجاهها بالمفارقة، وبما انتابها من التحوّلات التي أفضت بها إلى مصائر تراجيديّة، كتبت في هذه المرحلة لطرح أسئلة، ورفع احتجاجات على فكرة الهويّة وتحوّلاتها القاسية وتلاعب السلطات بمعتقدات الأفراد وخصوصيّاتهم. الكتابة موقف إنسانيّ جمالي مضاد لكلّ سلطة سواء أكانت رسميّة أم بديلة، اجتماعيّة أم سياسيّة، تراثيّة أم حداثيّة. ولعلّ الحفاظ على الصوت الخاصّ في ظلّ التحوّلات والمعارك الأيديولوجيّة مسألة جوهريّة إذا ما كان شاغلنا هو عدم التخلّي عن أيّ من القيمتين الفنيّة والأخلاقيّة، لمواجهة الغوغائيّة والتزييف، وتغييب الوعي، والانسحاق أمام الشعارات، وادّعاء امتلاك الحقيقة أو احتكارها، أنا موقنة بأنّ الصوت النقي الواعي ليس له ثمن.
تقولين إن الابتعاد عن النصّ أمر مقلق للروائيّ، عليه أن ينكبّ ويكتب بلا انقطاع، وألّا يهجر عالمه، حتّى لا تيأس شخوصه من رعايته، فتعمّ الفوضى في النصّ.. فهل يعني ذلك أنك لا تؤمنين بالإلهام، وأنك تستنزلينه وقتما تريدين؟
هذا صحيح، الإلهام بالنسبة لي هو الجلوس إلى المكتب، والكتابة المستمرّة الجادّة، لأوقات محدّدة، والانكباب على المشروع، كأنّك تذهب إلى العمل كلّ يوم، حيث إنّك تشعر في اليوم الذي تضطرّ للغياب فيه لظرف ما بضيق وبتأنيب الضمير! أمّا ذلك الذي يقال عنه إلهام، ووحي فأعتقد أنّ المقصود به هو الموهبة التي لها قصّة خاصّة تبدأ بالطفولة، والعادات، والقراءة والتأمّل والمناخ الثقافيّ.
تسرد رواية "صيف مع العدو" حكاية قرن كامل من تاريخ المنطقة وتحولاتها.. هل يمكن لنا أن نتعامل مع الرواية التاريخية كوثيقة؟ وما تعريفك لهذا النوع من الرواية؟
لعلّ الرواية كما أراها نوع من التحرّر من سطوة الوثيقة وادّعاءاتها. لطالما كانت الرواية شكلاً من الأدب الشعبيّ الاحتجاجيّ، لذلك بدأت مستهجنة رسميّاً، سواء في الثقافة الأوربيّة أو في الثقافة العربيّة، وهذه المواجهة مع التراث الرسميّ (الاجتماعيّ والسياسيّ والدينيّ) هو ما منحها مشروعيّتها وسحرها وقدرتها على استيعاب حركة الشارع وفنونه ومحكيّاته ولغته، لكن لننتبه جيّداً إلى أنّ ثمّة شكلاً فنيّاً بنائيّاً مثقّفاً عليه أن يوظّف تلك العناصر لتصير الرواية رواية، نحن اليوم في مرحلة النقد الحادّ للوثيقة التاريخيّة الذي وصل إلى تفنيدها ورفضها أحياناً، والوثيقة مختلفة بالطبع عن علم التاريخ، ولقد وصلنا إلى هذه المرحلة بعد مواجهات تاريخيّة دامية مع سلطة الإيديولوجيا التي استطاعت أن تغيّب التفكير الناقد ليس عند الفرد العاديّ بل لدى ما يعدّ بالنخبة، بالنسبة لي لا أسلّم نفسي أثناء التعامل مع الوثيقة التاريخيّة، إذ أكون دائماً متحفّزة نقديّاً، وأجري التقاطعات. في الرواية التاريخيّة أبحث عن حياة الأفراد، كيف عاشوا، وما هي أسئلتهم ومؤرقاتهم في ظلّ شجرة التاريخ، أو في ظلّ المنعطفات الكبرى، كم تشابهوا معنا أو تفارقوا عنّا، وكيف ورثنا خبراتهم؟! إذا أردنا الكتابة باستعمال التاريخ فلابدّ من طرح أسئلة مغيّبة، أو بناء مفارقة دراميّة بين النصّ والوثيقة السائدة. الرواية التاريخيّة التي أميل إليها ليست ما يستعيد التاريخ وأحداثه وشخوصه، بل ما تبني عالماً خاصّاً بها بعلاقاته المتشابكة ضمن منطق مرحلة تاريخيّة ما، وعلاقاتها، والمورفولوجيا الخاصّة بها، بحيث لا يقع النصّ في التناقض أو التزييف.
ماذا تكتبين الآن؟
أعدّ كتاباً في النقد يتناول إشكاليّات الهويّة الفنيّة للأنواع السرديّة العربيّة الحديثة منذ نشوئها.
aXA6IDMuMTQ5LjIzLjEyMyA= جزيرة ام اند امز