«السيليكون».. شريان العالم إلى الكوكب الذكي
في عصر تحركه متغيرات التكنولوجيا المتسارعة، أصبحنا نتساءل كيف أصبحت شرائح ورقائق صغيرة من «السيليكون» تتحكم في مصائر دول ومجتمعات.
لقد أدخل السيليكون، المادة «شبه المعدنية»، العالم في صراع واسع النطاق من أجل التزود والتسلح بـ«أشباه الموصلات». ما يعني أن البشرية مقبلة بوتيرة متسارعة نحو ثورة كونية ستغير عصب مستقبلها.
لذلك؛ من الأهمية معرفة ما هو السيليكون، وكيف أصبح مادة حيوية لمنتجات استراتيجية بمحركات التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، هي الأكثر تنافسية حول العالم اليوم؟
ما هو السيليكون؟
يُعرف السيليكون بكونه عنصرا كيميائياً له الرمزSi ، ويتم استخراجه من الرمل أو الصخور. كما يُعرف أيضاً بكونه عنصراً شبه معدني يتميز بقدرته العالية على توصيل الكهرباء تحت ظروف معينة.
واكتشف السيليكون لأول مرة في عام 1824 من قبل الكيميائي السويدي يونس ياكوب بيرسيليوس.
ويأتي السيليكون في المركز الثاني في قائمة أكثر العناصر وفرة في القشرة الأرضية؛ إذ يشكل نسبة 28.2% من القشرة الأرضية، ويُستخدم في تصنيع الإلكترونيات ورقائق الكمبيوتر.
كما يُعد السيليكون من أكثر المواد انتشاراً على سطح الأرض؛ إذ يوجد في معادن تمثل 90% من القشرة الأرضية.
ويُستخرج السيليكون بشكل رئيسي من مناطق مثل الصين، والولايات المتحدة، والبرازيل، وأستراليا.
ويستخرج أنقى أنواع السيليكون من حجر الكوارتز. وتوجد أحجار الكوارتز الأكثر نقاءً في العالم في محجر بالقرب من بلدة سبروس باين بولاية نورث كارولينا الأمريكية. وتحمل ملايين الأجهزة الرقمية والهواتف الذكية حول العالم، جزءاً من الكوارتز المستخرج من "سبروس باين".
وتمتاز الصخور حول بلدة سبروس باين بأنها قليلة الشوائب وتحتوي على نسبة عالية من السيليكا، وهو مركب يحتوي على السيليكون.
وكان يُستخدم السيليكون في صناعة الفولاذ والحديد، ولكنه أصبح أساسياً لاحقاً في صناعة التكنولوجيا، ففي عام 1947، أصبح السيليكون المادة الأساسية لتطوير الترانزستورات.
ويُصهر مسحوق السيليكون في فرن عند درجة حرارة 1400 درجة مئوية، ويشكّل في صورة اسطوانات، تقطع إلى شرائح تسمى رقاقات، وفي النهاية تطبع عشرات الدوائر على كل رقيقة في المصانع. بعدها تشق الشرائح الإلكترونية طريقها من المصانع إلى كل بقعة من بقاع العالم. وظهرت الشريحة الإلكترونية الأولى في سبتمبر/أيلول 1958، وكانت مصنوعة من مادة الغيرمانيوم. لكن بعد عدة أشهر، ظهرت شريحة السيليكون الأولى، لتبدأ معها صناعة البرمجيات الحديثة.
ومع تطور صناعة الشرائح، تطورت إلى طبقات رقيقة من السيليكون. لذا، نجد الآن أجهزة صغيرة لها قدرات حوسبة عالية.
- معارك معادن متجددة بين أمريكا والصين.. ما قصة «الأنتيمون»؟
- أكبر الدول توريدا للمعادن النادرة.. ثروات الليثيوم والكوبلت
تأثير اقتصادي "مستدام"
تساهم صناعة السيليكون بحوالي 600 مليار دولار في الاقتصاد العالمي، حيث تسهم في خلق وظائف تقدر بأكثر من 3 ملايين وظيفة مباشرة وغير مباشرة في قطاع التكنولوجيا.
فيما تمثل المنتجات المعتمدة على السليكون حوالي 25% من الصادرات التكنولوجية العالمية. كما ارتبط السيليكون بتطوير أكثر من 10000 شركة ناشئة تعتمد على تكنولوجيا الشرائح الذكية.
ويمثل السيليكون حوالي 20% من إجمالي التجارة العالمية في المواد الخام المستخدمة في التكنولوجيا.
وتعتبر الصين المنتج الأكبر للسيليكون عالمياً في 2023 بحجم 6.6 مليون طن متري، ما يعادل 73% من إجمالي الإنتاج العالمي البالغ 9 ملايين طن متري. ووفق بيانات شركة الاستشارات العالمية "بريسيدنس ريسيرش"؛ بلغ حجم سوق السيليكون 17.08 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن تبلغ قيمته حوالي 33.59 مليار دولار بحلول عام 2033 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 7% خلال الفترة المتوقعة من 2024 إلى 2033.
شريان «أشباه الموصلات» في صناعات المستقبل
تعتمد جميع الأجهزة الإلكترونية، من الهواتف الذكية إلى مراكز البيانات ومن الدراجات الكهربائية إلى الطائرات الأسرع من الصوت، ومن أجهزة تنظيم ضربات القلب إلى أجهزة الكمبيوتر الفائقة، على أجزاء تقنية دقيقة يطلق عليها اسم "أشباه الموصلات".
وتُعرف «أشباه الموصلات» على أنها منتج يتكون عادة من السيليكون. وتعد أشباه الموصلات اللبنات الأساسية في جميع أجهزة الكمبيوتر الحديثة، وتستخدم في تصنيع المفاتيح الإلكترونية التي تسمى الترانزستور والذي طُور للمرة الأولى في الولايات المتحدة عام 1947، وهي المكونات الدقيقة التي تقوم بتكبير وتضخيم الإشارات الإلكترونية والكهربائية وتجري العمليات الحسابية داخل الكمبيوتر.
بفضل السيليكون، أصبح من الممكن تصغير حجم الترانزستور إلى حد يسمح بإدخاله في الشرائح الإلكترونية الدقيقة. ومهد هذا الترانزستور الدقيق الطريق أمام تطوير الأجهزة الإلكترونية التي تزداد صغراً وذكاءً عاماً بعد عام.
وفي أعقاب تطور صناعة أشباه الموصلات في الثمانينيات من القرن الماضي، أصبح الكوارتز هو الذهب الأبيض.
ويستخرج نحو 30 ألف طن سنوياً فقط من السيليكون لتصنيع مليارات الشرائح الدقيقة المنتشرة في أنحاء العالم (نحو 95% من أشباه الموصلات).
ولدى أجهزة أشباه الموصلات مجموعة من الخصائص المفيدة، مثل "مقاومة الكهرباء" بشكل متغير، وتمرير التيار بسهولة أكبر في اتجاه واحد أكثر من الآخر، والتفاعل مع الضوء والحرارة. وتشمل وظيفتها الفعلية تضخيم الإشارات الكهربائية، والتبديل، وتحويل الطاقة. ولذلك؛ فهي تجد طلباً واسع النطاق في جميع الصناعات تقريباً، وتعتبر الشركات التي تصنعها وتختبرها مؤشرات ممتازة على صحة الاقتصاد العام.
ويشهد قطاع أشباه الموصلات توسعاً سريعاً؛ فقد أصبحت أشباه موصلات الطاقة مكونات لا غنى عنها في تطبيقات مثل إمدادات الطاقة، ومحركات السيارات، وأنظمة الطاقة المتجددة، وقد أدى نمو المركبات الكهربائية والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة مع تطور الذكاء الاصطناعي إلى زيادة الطلب على أشباه موصلات الطاقة، نظراً لدورها الأساسي في التحكم بكفاءة وتحويل الطاقة الكهربائية في مجموعات الحركة الكهربائية وأنظمة الطاقة المتجددة.
وبلغت قيمة سوق أشباه الموصلات العالمية 544.78 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى حوالي 1.138 مليار دولار بحلول عام 2033، ومن المتوقع أن تنمو بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 7.64% خلال الفترة المتوقعة من 2024 إلى 2033؛ وفقاً لبيانات شركة الاستشارات والأبحاث العالمية "بريسيدنس ريسيرشPrecedence Research".
وكشف أحدث تقرير عن شركة الأبحاث «أومديا»، صدر في أبريل/نيسان 2024، أنه في عام 2023، مارس/آذار قطاع السيارات تأثيراً أكبر في سوق أشباه الموصلات، حيث زاد نمو إيراداته إلى أكثر من 15% في عام 2023 إلى أكثر من 75 مليار دولار، وتؤدي الزيادة في السيارات الكهربائية ودمج الذكاء في السيارات إلى زيادة الطلب على أشباه الموصلات في هذا القطاع وتمثل نحو 14% من سوق أشباه الموصلات بأكملها.
وخصصت الشركات والحكومات مئات مليارات الدولارات على استثمارات أشباه الموصلات، ودعم هذا التوجه. وتسيطر شركة إنفيديا، على القيمة السوقية الأكبر لشركات أشباه الموصلات، عندما تخطت 3 تريليونات دولار في يونيو/حزيران الماضي، التي وصلت لها بعد ثلاثة أشهر فقط من تجاوز 2 تريليون دولار، وكان ذلك بمثابة علامة فارقة أخرى في مسيرة صعودية للشركة.
وقبل إنفيديا، كانت أعين المستثمرين حول العالم تتجه نحو شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة TSMC. وفي مارس/آذار الماضي تلقت الشركة التايوانية دعماً من اليابان والصين بأكثر من مليار دولار لتعزيز الاستثمارات الخارجية.
وتأتي شركة برودكوم Broadcom، وهي كبرى أخرى في وادي السيليكون، ضمن أكبر الشركات في صناعة أشباه الموصلات. وتأسست الشركة في عام 1991، وتكيفت بشكل أفضل مع المشهد الجديد لأشباه الموصلات ولا تزال لديها صفقات مربحة للرقائق المخصصة مع عمالقة التكنولوجيا مثل Google وMeta.
أما إنتل، التي كانت أكبر شركة في قطاع أشباه الموصلات منذ بداية الألفية الجديدة، فعادت من شبح الانهيار مؤخراً، وصعدت 315 مركزاً بين أكبر شركات العالم، ووصلت إلى المركز 422 العام الماضي، بسبب إعادة هيكلة المخزون والمراوغات المحاسبية الأخرى التي تسببت في إفلاسها.
وبدأت إنتل في تصنيع وحدات معالجة الرسومات (GPU) لتضمينها في أجهزة الكمبيوتر، ولكن ليس بنفس قوة إنفيديا.
وفي مارس/آذار 2023، قالت شركة سامسونغ للإلكترونيات إنها ستستثمر نحو 300 تريليون وون (230 مليار دولار) في 2042 لتطوير ما وصفته بأكبر قاعدة لصنع الرقائق في العالم، وذلك تماشياً مع الجهود المبذولة لتعزيز صناعة الرقائق في كوريا الجنوبية.
السيليكون.. محرك صناعي واسع النطاق
يأتي السيليكون في قلب الثورة التكنولوجية الثالثة، التي أصبحت من أكثر الصناعات نموا في الولايات المتحدة، وتوفر عشرات الآلاف من الوظائف، وهي صناعة الألواح الشمسية؛ حيث يُعد السيليكون المادة الأساسية في تصنيع ألواح الطاقة الشمسية، مما يدفع النمو المستدام للطاقة.
ويمثل السيليكون أكثر من 90% من الخلايا الشمسية المستخدمة في توليد الطاقة.
فيما يتم استخدام السيليكون في تصنيع الأدوات الطبية بسبب قدرته على مقاومة الحرارة والمواد الكيميائية.
كما يدخل السيليكون في تصنيع الزجاج والخرسانة، مما يعزز من مقاومة البناء للتآكل والعوامل البيئية.
ويعد السيليكون الأساس في تصنيع رقائق الحواسيب والهواتف، بما يعادل 70% من سوق المكونات الإلكترونية.
ومنذ عام 2018، نما سوق السيليكون الصناعي بنسبة 6% سنويًا منذ 2018.
وتُعد حشوات السيليكون عنصراً رئيسياً في صناعة التجميل، حيث بلغ حجم سوق الحشوات التجميلية التي تعتمد على السيليكون 1.8 مليار دولار في 2022، كما أن أكثر من 70% من عمليات تجميل الثدي تعتمد على حشوات السيليكون.
كما يدخل السيليكون في تصنيع منتجات علاج الندوب وتنعيم الجلد. ويستخدم أيضاً في تصنيع الجروح الاصطناعية لعلاج الحروق.
ومن المتوقع أن ينمو سوق منتجات السيليكون التجميلية بنسبة 4.5% سنويًا حتى 2025.
فيما يدخل السيليكون في تصميم الأطراف الاصطناعية نظرًا لمتانته ومرونته.
ووفق متغيرات العصر الحالي المرتكزة على التكنولوجيا المتقدمة، من المتوقع أن يستمر الاعتماد على السيليكون في الحوسبة الكمومية وتطوير الذكاء الاصطناعي.
aXA6IDMuMjM3LjE1LjE0NSA= جزيرة ام اند امز