رواية السنوار «الشوك والقرنفل».. لماذا أشادت بجنود مصر وتنبأت بمصيره؟
لم تكن رواية أدبية ولا كتيبا سياسيا ولكنها كانت محاولة لخلطهما معاً في سياق درامي أدبي المظهر سياسي الجوهر.
هذه قراءة عامة لرواية "الشوك والقرنفل" ليحيى السنوار زعيم حركة حماس الذي قتلته القوات الإسرائيلية صدفة في رفح، الأربعاء الماضي وأعلنت الخبر الخميس، في مفاجأة قد تغير مسارات سياسية وعسكرية مرتبطة بالحربين في غزة ولبنان.
الرواية تثير تساؤلات عميقة حول ما إذا كانت تُعتبر عملا أدبيا بحتا أم مجرد قناع أدبي يخفي خلفه المعارك السياسية والعسكرية التي كان يخطط لها.
وعلى الرغم من أن السنوار صرح بأن الرواية التي كتبها خلال احتجازه بالسجون الإسرائيلية التي امتدت لعشرين عاما، ليست قصة حياته وليست قصة شخص بعينه، فإن معظم أحداثها حقيقية، ونجد أن الكاتب لا يبتعد كثيرا عن شخصيته.
وفي هذا التقرير تقرأ "العين الإخبارية" بعين نقدية رواية السنوار بعد مقتله، لتلقي الضوء على بعض المشاهد التي ربما تنسجم خيوطها مع ما جرى قبل وبعد طوفان حماس في ٧ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٣، خاصة إشادته الخاصة بالجنود المصريين خلال فترة الصبى للراوي الذي يعتقد كثر أنه السنوار نفسه رغم تنصله من ذلك، فضلا عن نهايتها المأساوية.
الجنود المصريون
ربما كان ملفتا أن يكون الفصل الأول مركزا على الإشادة القوية بالجنود المصريين المرابطين على الحدود، وعطفهم وحنانهم، في إشارة إلى أهمية مصر ومحورية دورها في دعم القضية الفلسطينية على مدار السنوات مهما اختلفت فصولها ومراحلها بداية مما قبل حرب ١٩٤٨ وحتى الآن.
وفي الفصل الأول يفرد السنوار مساحة كبيرة لهذه الإشارة من خلال ما ورد في روايته نصا في الصفحة الرابعة:
"كان الجنود المصريون في ذلك المعسكر يحبوننا كثيراً، أحدهم تعرف علينا وعرفنا بالأسماء، فإذا ما أطللنا نادى علينا.. محمد أحمد .. تعالا هنا.. فنذهب إليه ونقف إلى جواره نتدلل ونحني رؤوسنا في انتظار ما سيعطينا كالعادة فيمد يده إلى جيب بنطاله العسكري ويخرج لكل واحد منا قطعة من حلوى الفستقية يلتقط كل واحد منا قطعته ويبدأ بقضمها بنهم شديد يُربت ذلك الجندي على أكتافنا ويمسح على رؤوسنا ويأمرنا بالرجوع".
وتستمر الرواية في التعامل مع الأحداث السياسية والشخصيات وكأنها مقال سياسي يهدف إلى تحقيق عدة أهداف، من بينها ما يمكن اعتباره إرهاصات تتنبأ بمسار أحداث مثل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وما يشبهها.
دولة في صورة أسرة
"الشوك والقرنفل" متأثرة بالأحداث السياسية المعقدة والنزاع المستمر في قطاع غزة، على الرغم من أن الرواية تعرض بشكل واضح الصراع والتحديات التي تواجهها الأسرة الفلسطينية، خاصة الصراع السياسي والأيديولوجي بين فتح وحماس، الذي يعد أيضا محورا رئيسيا نال قسطا كبيرا من التركيز عليه عبر تشويه صورة فتح والسلطة الفلسطينية، حتى تكاد تكون قد اقتربت من وصفها غير المباشر بالعمالة في بعض الأحيان، عبر الإشارة للتعذيب في سجون السلطة الفلسطينية.
وتحكي الرواية قصة أسرة فلسطينية تقيم في مخيم الشاطئ شمال قطاع غزة، بعد أن هُجر الجد إليها من قرية الفالوجة بعد أن احتلّتها المليشيات الإسرائيلية عام 1948.
وتستعرض الرواية على لسان أحمد، الحفيد الأصغر لهذا الجد، حياة الأحفاد الذين ولدوا وشبّوا في مخيمات غزة للاجئين عقب النكسة، بعد اختفاء الأب والعم بانضمامهما إلى فصائل مختلفة للمقاومة الفلسطينية.
وترعى الأم المكافحة الأبناء وحدها في ظروف شديدة القسوة، على خلفية الأحداث السياسية التي مرت عليهم خلال سبعٍ وثلاثين سنةً وشكّلت توجّهاتِ الأبناء، ما بين الابن الأكبر الذي انضم لحركة فتح كما كان حال هذا الجيل، وأشقائه الأصغر الذين شبّوا في نهاية سبعينيات القرن الماضي على أجواء انتشار التيار الإسلامي الذي سرعان ما انضموا إليه، ومن ثم إلى المقاومة والانتفاضة الفلسطينية، حسب وصف الرواية.
في الرواية شخصيتان أساسيتان، الأخ الأكبر محمود عضو حركة فتح الذي يدافع عن المقاومة من خلال السياسة، وابن العم إبراهيم، الذي يتبنّى خيار المقاومة بلا هوادة، واستمرار العمليات المسلحة حتى تحقيق النصر على كامل تراب فلسطين، ويستعين بالعقيدة كمحفّز وأساس أفعاله مهما كانت النتائج، وفي إشارة واضحة للحسابات الخاطئة لمهندس طوفان حماس، التي "ساعدت إسرائيل أكثر مما أضرتها"، وفق مراقبين.
سرد تاريخي
ويسرد السنوار الأحداث في روايته ملتزماً التسلسلَ الزمنيَّ منذ أن احتلّت إسرائيلُ الأراضيَ الفلسطينيةَ في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة في حرب 1967، ويتوقف عند السنوات الأولى للانتفاضة الثانية في عام 2004.
ويحرص في صفحات روايته الطويلة وفصولها الثلاثين على التذكير المستمر بأعمال "المقاومة"، مسجلاً ارتباطها التاريخي بالقضية الفلسطينية منذ بدايتها، حتى إن أقحمها تكراراً في سياق قصته، حيث نراه أحياناً يتخلى عن السرد الروائي ليعكف على توثيق المحطات المهمة فلسطينياً على مدار أربعة عقود منذ عام 1967.
السنوار استخدم الرمزية بكثافة في روايته، ما قد يؤدي إلى تغييب العمق الواقعي للشخصيات، الأسرة، كرمز لفلسطين، تتحول إلى واجهة للأيديولوجيات بدلاً من كونها كيانات معقدة ومتعددة الأبعاد.
هذه الطريقة في التعامل مع الشخصيات تقلل من قدرة الرواية على استكشاف التحديات النفسية والعاطفية التي يواجهها الأفراد الحقيقيون في مثل هذه الظروف.
والرواية تتخذ موقفا سياسيا واضحا، وهو أمر متوقع ومبرر في الأدب الذي يتناول الصراعات، ومع ذلك يمكن القول إن السنوار قد يكون قد أخل بالتوازن بين الرواية الفنية والبيان السياسي.
وفي بعض الأحيان تظهر الرواية كمنبر للدعاية أكثر منها عملا أدبيا يستكشف الصراع الإنساني، مما يؤثر على مصداقية السرد ويقلل من تعاطف القارئ.
"ملامح" 7 أكتوبر
وعُرف يحيى السنوار منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على أنه مهندس الهجوم الذي شنته حركة "حماس" على إسرائيل، ولكن هذا ليس وجهه الوحيد، إذ يكشف في روايته "الشوك والقرنفل" -التي يتحدث فيها بلسان الراوي (أحمد) بألسنة متعددة- عن وجوه مختلفة، بينها وجهه الأدبي.
أمضى السنوار 23 عاماً في السجون الإسرائيلية، قبل أن يخرج ويتولى مسؤوليات أمنية داخل حماس، إذ كان معتقلاً في سجن بئر السبع، وأنهى فترة محكوميته سنة 2004، أي قبل 20 عاما من الحرب الحالية على غزة.
لقد قرّر صاحب «الشوك والقرنفل» أن حماس لن تكون الثورة التي تتحول إلى دولة، ثم تذوب على طريقة حركة فتح في مسارات "أنصاف الحلول"، إنما حالة المقاومة التي لا بدّ أن تصعّد المعركة إلى أعلى مستوياتها، وهو ما حدث بالفعل، فإما القتال وإما الموت.
ومن هنا تأتي النهاية المعكوسة، فقد بدأ بالشوك وانتهي بالقرنفل، ولكن ما يحدث الآن يقول إن قرنفل حماس عندما كانت تحكم غزة قد تحول بعد طوفانها إلى شوك لا يحرق غزة فقط، بل يسعى إلى إشعال حرب إقليمية، الجميع فيها خاسر، وفق المراقبين.