السيسي في بروكسل.. قمة مصرية أوروبية لتعزيز التعاون الاستراتيجي

بدأ اليوم الأربعاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي زيارة رسمية إلى العاصمة البلجيكية بروكسل، للمشاركة في أول قمة تاريخية تجمع بين مصر والاتحاد الأوروبي.
وتعد القمة التي تنطلق فعالياتها اليوم، محطة محورية في مسار العلاقات الثنائية بين القاهرة وبروكسل.
تأتي القمة بعد تسعة عشر شهرًا من إطلاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي، التي تهدف إلى تحويل الطموحات المشتركة إلى نتائج ملموسة على صعيد الاقتصاد والاستثمار والطاقة والتنمية المستدامة.
وتعد القمة فرصة استثنائية لتعزيز التعاون بين الجانبين في مختلف المجالات، خصوصًا بعد الإنجازات البارزة التي حققتها الشراكة، من بينها مؤتمر الاستثمار عام 2024، وإطلاق منصة الاستثمار الأوروبية المصرية في 2025، وحزمة المساعدات المالية بقيمة 5 مليارات يورو، بالإضافة إلى الانتهاء الناجح لانضمام مصر إلى مبادرة "أفق أوروبا".
أجندة القمة.. الاستثمار والتنافسية والابتكار
تركز القمة على جمع كبار القادة السياسيين ورجال الأعمال من الجانبين، فضلاً عن المؤسسات المالية وجمعيات الصناعة ورواد الأعمال، لإبراز أجندة الشراكة التطلعية وتفعيلها عبر حوارات استراتيجية، تهدف إلى النهوض بالتنافسية والابتكار والاستثمارات عالية التأثير.
ومن أبرز محاور القمة تعزيز القدرة التنافسية المستدامة في القطاعات الاستراتيجية، بما في ذلك سلاسل قيمة التكنولوجيا النظيفة، وتطوير منظومة ابتكار ديناميكية تربط أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص في مصر وأوروبا.
سيتم خلال القمة أيضًا تحفيز النقاش حول فرص الاستثمار المشترك، وإقامة شراكات استراتيجية بين القطاعين العام والخاص، وتنفيذ الإصلاحات التنظيمية اللازمة لتحرير رأس المال، وجذب الاستثمارات الخاصة طويلة الأجل، بما يسهم في دعم اقتصاد تنافسي وجاهز للمستقبل.
الممر الاستثماري الاستراتيجي بين مصر وأوروبا
تتضمن أجندة القمة عدة حلقات نقاش رفيعة المستوى، من بينها حلقة بعنوان "بناء ممر استثماري استراتيجي بين مصر وأوروبا"، والتي ستناقش الإصلاحات الاقتصادية الكلية، والبيئة التنظيمية، والمزايا النسبية لمصر كمركز صناعي واستثماري.
وستسلط الجلسة الضوء على إمكانات مصر الصناعية ودورها كبوابة للأسواق الإقليمية، مع التركيز على كيفية تعظيم الاستثمارات في البنية التحتية الحيوية وسلاسل القيمة الصناعية المستدامة والقطاعات الممكنة، لتعزيز المرونة الاقتصادية والقدرة التنافسية على المدى الطويل.
القدرة التنافسية الصناعية وسلاسل القيمة
حلقة نقاش أخرى تحمل عنوان "تعزيز القدرة التنافسية الصناعية وسلاسل القيمة المستدامة"، وتركز على تشجيع الاستثمار بين القطاعين العام والخاص، ومواكبة الاتجاهات العالمية في الصناعات الاستراتيجية.
وستتناول الجلسة كيفية توسيع نطاق سلاسل القيمة المستدامة، وتعزيز اعتماد التكنولوجيا النظيفة والموفرة للموارد، وتطوير إطار تمكيني يدعم تحديث القاعدة الصناعية المصرية بما يتماشى مع المعايير العالمية، وتشمل القطاعات المستهدفة تصنيع التكنولوجيا النظيفة، والصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الأسمنت والأسمدة والصلب، والهيدروجين، والخدمات اللوجستية.
الابتكار والبحث العلمي
تركز حلقة النقاش الثالثة على "الابتكار للارتقاء"، حيث سيتم استعراض دور البحث العلمي والابتكار في تعزيز التنافسية الصناعية. وستتناول الجلسة كيفية تعزيز الروابط بين الصناعة والأوساط الأكاديمية وحاضنات الأعمال لضمان ترجمة البحث إلى حلول جاهزة للسوق.
كما تركز على الابتكار التطبيقي والرقمنة والتحديث الصناعي، وسيناقش المتحدثون طرق تسريع نشر التكنولوجيا ودعم قدرات التصنيع المحلية وخلق فرص عمل جديدة، بما يضمن الاستفادة من المنصات الاستثمارية والابتكارية المشتركة بين مصر وأوروبا.
شراكة استراتيجية ومستدامة
أكد الدكتور كريم العمدة، أستاذ الاقتصاد الدولي، أن الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي تمتد لعقود طويلة، منذ عام 2000، قبل أن تتحول في 2022 إلى شراكة استراتيجية شاملة تغطي ستة محاور رئيسية تشمل الاقتصاد والاستثمار والسياسة والأمن والهجرة ورأس المال البشري والتنمية المستدامة والطاقة والبيئة.
في هذا السياق، تعهد الاتحاد الأوروبي العام الماضي بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليار يورو من القروض والمنح والاستثمارات حتى عام 2027، تشمل 1.8 مليار يورو كضمانات استثمار من أجل التنمية، و5 مليارات يورو كقروض ميسرة لدعم الإصلاحات المالية، بالإضافة إلى 600 مليون يورو في شكل منح.
وأوضح العمدة لـ"العين الإخبارية"، أن الاتحاد الأوروبي يمثل الشريك الاقتصادي الأكبر لمصر، حيث يشكل نحو ربع حجم التجارة الخارجية المصرية، مع ارتفاع حجم التبادل التجاري السنوي من 23 مليار يورو في 2014 إلى 33 مليار يورو في 2024، مسجلاً نموًا مستمرًا في صادرات السلع الكيماوية، مواد البناء، الفواكه والخضروات.
وأظهرت بيانات جهاز الإحصاء المصري، أن الاتحاد الأوروبي يعد الشريك التجاري الأكبر لمصر، حيث شكل نحو 22% من إجمالي التجارة المصرية في 2024، مع تبادل سلع بقيمة 32.5 مليار يورو، منها 19.9 مليار يورو واردات من الاتحاد الأوروبي، و12.6 مليار يورو صادرات مصرية، ما يعكس نموًا مستمرًا في حجم العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، مع التركيز على القطاعات الصناعية والخدماتية الحيوية التي تدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار العمدة إلى أن الشراكة تشمل دعمًا فنيًا وتكنولوجيًا في مجالات حيوية مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي والكابلات الكهربائية، بما يساهم في تعزيز صناعة الطاقة الوطنية وتصدير منتجات الطاقة النظيفة إلى أوروبا، مؤكدًا أن المشاريع المرتبطة بالبيئة والطاقة الخضراء تمثل أولوية استراتيجية للاتحاد الأوروبي، وأن القاهرة ستستمر في تنفيذ الخطط والمشروعات القائمة لتعظيم الاستفادة من الشراكة الحالية.
علاقات متوسعة
ومن جانبه، اعتبر الدكتور وليد جاب الله، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء، أن زيارة السيسي لبروكسل محطة تاريخية، إذ تعكس المكانة المتقدمة لمصر لدى الاتحاد الأوروبي، وتجسد الرغبة المتبادلة في تعزيز التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية على حد سواء.
وأكد جاب الله لـ"العين الإخبارية"، أن العلاقات المصرية الأوروبية شهدت نموًا غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بقضايا استراتيجية تشمل الطاقة والهجرة غير الشرعية والتغيرات المناخية.
من المقرر أن يشارك القادة المصريون والأوروبيون في يوم مخصص للمباحثات تحت شعار "تنفيذ الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين الاتحاد الأوروبي ومصر: تسريع الاستثمار الاستراتيجي والتحول الصناعي والابتكار"، بمشاركة وزيري الخارجية والاستثمار المصريين، بدر عبد العاطي وحسن الخطيب، الذين سيقدمون رؤية شاملة حول فرص الاستثمار والتعاون الاقتصادي، ومشاريع التحول الصناعي والابتكار التكنولوجي.
وتأتي هذه التحركات ضمن جهود مصر لتأكيد موقعها كشريك استراتيجي مستدام للاتحاد الأوروبي، وتعزيز تنافسيتها الاقتصادية والاستفادة من الخبرات والتقنيات الأوروبية في تطوير الصناعات الحيوية، وتعظيم أثر الاستثمارات على الاقتصاد الوطني والمجتمع المصري بشكل مباشر.