خبراء يكشفون لـ«العين الإخبارية» أبعاد زيارة السيسي إلى جيبوتي

في خضم تحولات جيوسياسية متسارعة تشهدها منطقة القرن الأفريقي، برزت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى جيبوتي كمؤشر واضح على أولويات القاهرة في تعزيز سياستها الخارجية مع دول شرق القارة السمراء.
الزيارة هي الثانية من نوعها منذ زيارته الأولى في مايو/أيار 2021، والتي كانت حينها أول زيارة لرئيس مصري إلى جيبوتي التي لها أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لمصر، خصوصا مع إشرافها على حركة الملاحة البحرية من مضيق باب المندب، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر في اتجاه قناة السويس، فضلا عن أهميتها كإحدى دول القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، وهو أمر وثيق الصلة بملف سد النهضة الإثيوبي.
- وزير خارجية جيبوتي رئيسا للمفوضية الأفريقية.. تحديات على الطريق
- مشروع ترامب 2025.. لماذا يركز على دولة جيبوتي؟
وبحسب دبلوماسيين وخبراء في الشأن الأفريقي تحدثوا لـ«العين الإخبارية»، فإن الزيارة تكتسب أهمية خاصة في ضوء ما تشهده منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر من تصعيد أمني وجيوسياسي، ما يجعل من التعاون بين القاهرة وجيبوتي حجر زاوية في استراتيجية الأمن القومي المصري.
أمن البحر الأحمر.. البعد المحوري
ويقول اللواء محمد عبد الواحد، خبير الأمن القومي والعلاقات الدولية، في تصريح خاص لـ«العين الإخبارية»، إن «الزيارة الثانية للرئيس السيسي إلى جيبوتي تؤكد على أبعاد استراتيجية متعددة، في مقدمتها أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب، الذي يشكل شريانًا حيويًا للتجارة الدولية، ولأمن مصر القومي عبر قناة السويس».
ويضيف عبد الواحد أن «المنطقة تشهد توترات متصاعدة، أبرزها الحرب على الحوثيين في اليمن، والصراع الدامي في السودان، وتوترات داخلية في الصومال، وهي كلها تطورات تجعل من التنسيق المصري مع جيبوتي مسألة أمن قومي من الدرجة الأولى».
ولفت إلى أن «الرئيس السيسي يدرك خطورة أي اختلال في التوازنات الأمنية بالقرن الأفريقي، ولذلك تأتي هذه الزيارة لتعزيز الشراكة الدفاعية والأمنية، ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة».
الدبلوماسية الاقتصادية
وفيما يمكن وصفه بـ«الدبلوماسية الاقتصادية»، يضيف اللواء عبد الواحد لـ«العين الإخبارية»، أن «القاهرة لا تسعى فقط إلى شراكة أمنية، بل تطرح نفسها كشريك تنموي لجيبوتي، عبر تأسيس مجلس أعمال مشترك، ومشروعات للطاقة المتجددة، وتطوير شبكة الكهرباء الوطنية في جيبوتي».
وقد أعلن الجانبان عن تأسيس «مجلس الأعمال المصري – الجيبوتي»، وتدشين بنك «مصر – جيبوتي»، في خطوة قال عنها عبد الواحد إنها «تفتح أسواقًا جديدة أمام المنتجات المصرية، وتعزز الحضور الاقتصادي المصري في أحد أكثر المواقع الجيوسياسية أهمية في العالم».
اصطفاف سياسي
الزيارة لم تقتصر على التعاون الثنائي، بل حملت أبعادًا تتصل بالتحالفات الدولية، حيث يشير عبد الواحد إلى أن «مصر دعمت مرشح جيبوتي لرئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي.
فيما طلبت القاهرة دعم جيبوتي لترشيح مصري في منظمة اليونسكو، وهو ما يعكس اصطفافًا سياسيًا بين البلدين في المنابر الإقليمية والدولية».
مركز ثقل استراتيجي
أما السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، فيرى في حديث خاص لـ«العين الإخبارية»، أن «أهمية الزيارة ترتبط بالموقع الجغرافي الفريد لدولة جيبوتي، التي تضم ثماني قواعد عسكرية أجنبية، مما يجعلها نقطة ارتكاز لضمان حرية الملاحة في مدخل البحر الأحمر».
ويلفت حليمة إلى أن «زيارة السيسي تأتي في سياق إقليمي متوتر يشمل تطورات الصراع في السودان، والتعقيدات السياسية في الصومال واليمن، ناهيك عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتداعياته المتصاعدة».
ويضيف أن «الزيارة تأتي أيضًا بعد فوز جيبوتي برئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، وهو ما يضعها في موقع قيادي بالقارة، ويعزز من أهمية التنسيق المصري معها في قضايا القارة».
إنعاش «الدائرة الأفريقية»
بدوره، يرى الدكتور بشير عبد الفتاح، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في تصريح خاص لـ«العين الإخبارية»، أن «زيارة السيسي لجيبوتي تأتي ضمن مسار إعادة إنعاش الدائرة الأفريقية في السياسة الخارجية المصرية، بعد سنوات من التراجع النسبي، لا سيما في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي».
ويضيف عبد الفتاح أن «مصر تنظر إلى هذه المنطقة بوصفها خط الدفاع الأول عن أمنها القومي، لا سيما ما يتعلق بأمن قناة السويس، وتدفق التجارة، وتأمين خطوط الملاحة من التهديدات الحوثية، والقرصنة، والاضطرابات المسلحة في المنطقة».
ويؤكد أن «الزيارة تندرج ضمن جهود أوسع لتفعيل مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، في إطار صياغة نظام إقليمي جديد يحمي الملاحة ويعزز التنمية».
توازنات إقليمية
وتأتي زيارة السيسي إلى جيبوتي استكمالًا لتحركات مصرية نشطة في منطقة القرن الأفريقي، حيث سبق أن عقدت القاهرة قمة ثلاثية مع الصومال وإريتريا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بالعاصمة الإريترية أسمرة، والتي شهدت تأكيدًا مشتركًا على تنسيق الجهود لتحقيق الاستقرار الإقليمي والتنمية المستدامة.
ويؤكد عبد الفتاح أن «هذه التحركات تعكس رغبة القيادة المصرية في صياغة معادلة توازن جديدة في المنطقة، ترتكز على الأمن والتنمية والدبلوماسية النشطة، لمواجهة التدخلات الخارجية والتهديدات الأمنية المتعددة».
ويرى الصحفي والمحلل السياسي الجيبوتي، عبدالقادر علي، أن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى جيبوتي تأتي في إطار توقيت هام وتحولات كبرى بالمنطقة وتعكس الإرادة المشتركة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين جيبوتي ومصر.
واضاف في حديث لـ"العين الإخبارية" أن زيارة السيسي ينظر إليها في جيبوتي بأنها تحول كبير في العلاقات بين البلدين، مشيرا الى أنها ستعزز الشراكة الاستراتيجية التي تقوم على أسس قوية من التعاون والتكامل في عدة مجالات حيوية.
وحول النتائج التي تمخضت عنها هذه الزيارة، قال إن الإتفاقات التي وقعت بين البلدين في عدة مجالات وخاصة التعاون الاقتصادي والاستثماري، الواعد ستفتح آفاقًا جديدة للقطاعين العام والخاص في كل من مصر وجيبوتي.
واعتبر أن جيبوتي ستستفيد من الخبرات المصرية في مجالات التعليم العالي، الإعلام، والاتصالات، التي تفتح المجال أمام مشاريع مشتركة يمكن أن تُسهم في التنمية المستدامة لكلا البلدين، مشيرا إلى أن تعاون جيبوتي ومصر في مجالات الطاقة والنقل يمكن أن يُسهم في تحسين البنية التحتية الإقليمية، مما يعود بالنفع الكبير على التجارة البحرية واللوجستية، خاصةً مع الموقع الجغرافي الاستراتيجي لكلا البلدين في البحر الأحمر.
بعد وقائي واستباقي
أما الباحث والمحلل السياسي بمنطقة القرن الأفريقي إبراهيم عبدالرحمن قيرى أن زيارة السيسي إلى جيبوتي تأتي في ظل التهديدات المتصاعدة التي تواجه ممرات التجارة العالمية، عند باب المندب، وما لذلك من انعكاسات مباشرة على أمن قناة السويس، الشريان الملاحي الحيوي لمصر والعالم.
وقال في حديث "للعين الإخبارية" إن إضطراب خطوط الإمداد البحرية، نتيجة لتنامي أنشطة الجماعات المسلحة وتصاعد النفوذ الخارجي غير المتوازن، يمثل تحديا ويدفع نحو تحرك استباقي لتأمين المصالح الوطنية لمصر على طول الممرات البحرية الحيوية.
وبحسب "عبدالرحمن " فإن جيبوتي، التي تقع في منطقة حساسة في شرق أفريقيا، تلعب دورًا استراتيجيًا كبيرا في المنطقة، لاسيما أنها تلاصق المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، الذي يعد شريانا حيويا في حركة الملاحة الدولية ويمثل أهمية خاصة بالنسبة لقناة السويس.
ويضيف "جاءت زيارة الرئيس المصري إلى جيبوتي محملة بجملة من الأهداف الاستراتيجية التي تعكس إدراك القاهرة المتزايد لأهمية القرن الأفريقي كعمق جيوسياسي لأمنها القومي، ولأهمية جيبوتي كممر رئيسي في معادلة الأمن البحري عند بوابة البحر الأحمر".
بدوره، يرى الصحفي والمحلل السياسي السوداني، الشفيع علي، أنه لا يمكن فصل توقيت زيارة الرئيس المصري إلى جيبوتي عن السياقات الإقليمية والدولية المتشابكة التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر.
وأوضح، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن زيارة السيسي جاءت في لحظة هامة تتسم بتصاعد التهديدات الأمنية، والتوترات، وتزاحم القوى الإقليمية والدولية على النفوذ في الموانئ والممرات البحرية.
واضاف أن التهديدات القادمة من مليشيات الحوثي في اليمن، وانتشار الأسلحة والجماعات المتطرفة في الصومال تشكل تهديدا مباشرا لقناة السويس بالتالي هذا الواقع دفع مصر إلى تكثيف حضورها الدبلوماسي والأمني لضمان أمن الملاحة الحيوية في البحر الأحمر وباب المندب، فالزيارة تحمل بعدا وقائيا واستباقيا لحماية المصالح المصرية الحيوية.
aXA6IDE4LjIyMS4zNS4yNDQg جزيرة ام اند امز