زيارة السيسي لواشنطن.. التفاهمات الثنائية تسبق الإقليمية بخطوتين
خبيران توقعا أن النتائج الإيجابية لزيارة السيسي ستظهر على المستوى الثنائي أسرع من التفاهم حول الملفات الإقليمية المرتبطة بأطراف أخرى
في زيارته الرسمية الأولى لواشطن، رسم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مع نظيره الأمريكي، دونالد ترامب "شكلًا جديد" في علاقات البلدين يختلف عما سبق في عهد إدارة باراك أوباما،
وينتظر أن تظهر النتائج الإيجابية للزيارة على المستوى الثنائي، بصورة أسرع، من التفاهمات المشتركة حول الملفات الإقليمية، التي من المتوقع أن تستغرق مدة أطول لتشابكها مع أطراف دولية أخرى، حسب آراء أدلى بها محللون سياسيون لـ"العين".
واتفق خبيران مختصان في الشؤون الدولية على أن الزيارة كانت ناجحة بالنسبة لمصر وأمريكا؛ لأنها شهدت اتفاقًا واضحًا حول العلاقات الثنائية، والذي يتجلى في نقطتين هما إعلان وزير الدفاع الأمريكي زيارة مصر نهاية الشهر الحالي، والاتفاق على البدء في تنسيق الحوار الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن.
وأضاف أحد الخبيرين لهاتين النقطتين، بُعدا آخر وهو توافق ترامب كرئيس للولايات المتحدة على استراتيجية السيسي في مكافحة الإرهاب، وإنهاء ممارسة ضغوط سلفه أوباما على القاهرة بدعوى المساس بحقوق الإنسان والحريات.
جدول أعمال الزيارة.. شكلًا وكمًا "ناجح"
طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، قال لبوابة "العين" الإخبارية إن "زيارة الرئيس المصري لواشنطن، خرجت بصورة جيدة بسبب التخطيط الجيد لها الذي شارك فيه قطاعات واسعة من الدولة المصرية ومؤسساتها السيادية".
وأوضح في هذا أن جدول أعمال الزيارة المشحون باللقاءات على مختلف الأصعدة يشير بقوة إلى أن الزيارة نجحت على مستوى الشكل والكم".
و"الكم كان مستهدفًا في الزيارة بهدف توسيع خريطة التعامل مع الإدارة الأمريكية، واستكشاف شخصيات أمريكية بارزة باستثناء مجموعة البيت الأبيض، مثل بعض أعضاء الكونجرس الجديد وشخصيات اقتصادية لها ثقلها.. حيث لم تقتصر لقاءات السيسي على الشخصيات المعروفة للقاهرة".
من جانبه، رأى الكاتب والمحلل السياسي محمد سطوحي في حديث لبوابة "العين" أن "زيارة السيسي نجحت في هدفها الأول وهو توصيل رؤية الإدارة المصرية إزاء مختلف القضايا الثنائية والإقليمية، للإدارة الأمريكية".
وكان جدول أعمال الزيارة مزدحمًا بلقاء شخصيات على كافة المستويات "وهو ما يدفع إلى نجاح العلاقات الثنائية ورؤية نتائج ذلك النجاح في أقرب وقت." بحسب سطوحي.
واستهل السيسي زيارته السبت الماضي، بنشاط اقتصادي مكثف؛ حيث كان أول لقاء له مع جيم يونج كيم، رئيس البنك الدولي، بمقر إقامته، بينما كان اللقاء الثاني مع المديرين التنفيذيين لشركتي "جنرال إلكتريك" و"لوكهيد مارتن" الأمريكيتين.
ويوم الأحد، التقى السيسي بعدد من ممثلي ورموز الجالية المصرية في الولايات المتحدة، ثم جاء اللقاء الأهم يوم الاثنين، حيث التقى الرئيس المصري بنظيره الأمريكي دونالد ترامب، في أول زيارة رسمية لرئيس مصري إلى أمريكا منذ 2010.
أما الثلاثاء، فالتقي السيسي بنظيره الأردني الملك عبد الله الثاني، أعقبه بلقاءات مع كل من مستشار الأمن القومي الأمريكي هريبيرت ريموند ماكماستر، ووزير الخارجية الأمريكي ريكيس تليرسون.
ثم زار مقر الكونجرس في مبني الكابيتول، حيث عقد مجموعة لقاءات مع 3 شخصيات بارزة وهم رئيس لجنة الاستخبارات ديفيد نونز، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب إيد رويس بحضور 25 من أعضاء اللجنة، ورئيس مجلب النواب بول راين.
كذلك أجرى لقاءات مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بوب كوركر، بحضور 21 من أعضاء اللجنة، ولقاء مع زعيم الأغلبية ميتش ماكونال.
وعقد السيسي العديد من اللقاءات الاقتصادية، منها مجموعة مستثمرين في الغرفة التجارية الأمريكية، في مقدمتهم رئيس الغرفة توماس دونيهو ورئيس مجلس الأعمال المصري الأمريكي جون كريسمان، بالإضافة إلى رؤساء ومديري 12 من كبرى الشركات الأمريكية، ولقاء ثالث مع المدير التنفيذي لشركة "بوينج" الأمريكية ليان كاريت.
ويوم الأربعاء، أجرى الرئيس المصري، مباحثات موسعة مع وزير الدفاع الأمريكي، بمقر وزارة الدفاع الأمريكية، حضرها كبار القيادات العسكرية الأمريكية، وناقشوا العلاقات الثنائية، والتحديات الإقليمية والدولية، خاصة مكافحة الإرهاب.
كما التقى، في اليوم نفسه، مجموعة من الشخصيات المؤثرة في المجتمع الأمريكي، تضم مسؤولين سياسيين وعسكريين سابقين، بالإضافة إلى قيادات مراكز الأبحاث ودوائر الفكر وقيادات المنظمات اليهودية الأمريكية.
أما يوم الخميس التقى السيسي كلا من عضو لجنة الخدمات العسكرية بمجلس الشيوخ الأمريكي تيد كروز ووزير الخزانة الأمريكي، ستيف منوشن.
العلاقات الثنائية.. تسبق بخطوتين
رغم أن الخبيرين المختصين بالشأن الدولي، اعتبرا أنه من المبكر الحديث عن شواهد نجاح الزيارة بشكل عام، غير أنهما اتفقا على أنها بدأت تضح على مستوى العلاقات الثنائية قبل انتهاء زيارة الرئيس المصري لواشنطن، مستدلين على ذلك بإعلان وزير الدفاع الأمريكي زيارة القاهرة نهاية الشهر الحالي.
طارق فهمي، قال: الإعلان عن زيارة وزير الدفاع أمر مهم لأن معناه أن المتطلبات الاستراتيجية لمصر ستُبحث على أعلى مستوى.. وبالتالي نتوقع النتائج الإيجابية في العلاقات الثنائية بصورة أسرع من التفاهمات الإقليمية والتي عادة تكون مرتبطة بأطراف وشخصيات أخرى.
وتابع فهمي: المشاورات عن نسبة المعونة العسكرية لمصر، وقائمة التسليح المطلوبة.. كلها أمور سيتم الإعلان عنها دوريًا وتشكل نتائج إيجابية.
عنصر آخر بخلاف زيارة وزير الدفاع وإجراء مباحثات معه، حدده فهمي بقوله: الاتفاق على بدايات التنسيق الحوار الاستراتيجي الجديد وتحديد موعد لللقاءات الدورية يعني أيضًا بداية نجاح، معتبرًا أن نتائج نجاح التفاهم الثنائي سيظهر خلال الأيام المقبلة.
متفقًا معه، قال محمد سطوحي: "في تصوري أن نتائج العلاقات الثنائية سيكون نجاحها أقرب وأكبر من العلاقات الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بعدم خفض المعونات الخارجية.. فمع وعود ترامب نفهم أنه على الأقل لن يكون هناك تخفيض للمعونة وإن حدث في إطار الرغبة في تخفيض المعونات الخارجية، لن يكون تخفيض كبير.
وأشار سطوحي إلى أهمية التسيق من أجل البدء في الحوار الاستراتيجي، لكنه رأي بُعدًا ثالث أكثر أهمية من ملف التعاون العسكري والحوار الاستراتيجي وهو توافق ترامب كرئيس للولايات المتحدة على استراتيجية السيسي في مكافحة الإرهاب.
"الآن سيعود الرئيس المصري ويده أقوى لا سيما في محاربة الإرهاب في سيناء والتعامل الداخلي.. ولن يكون هناك ضغوطات كبيرة مثلما كان إبان إدارة أوباما مثل فتح الملفات الشائكة كحقوق الإنسان والحريات وما إلى ذلك".
التفاهمات الإقليمية.. مسألة وقت
"التفاهمات الإقليمية.. مسألة وقت".. هكذا يرى الخبيران، حيث يرى فهمي أن الملف الإقليمي مرتبط بأطراف وشخصيات أخرى خارج الإطار الأمريكي المصري، وبناء عليه ستبقى نتائجه مؤجلة.
ويتابع: "مثلًا ملف القضية الفلسطينية، هناك أطراف أخرى تتشابك معه مثل إسرائيل وفلطسين والأردن، وأطراف إقليمية مثل السعودية، ما يعني أن النتائج ستتأخر لأن الجانبين الأمريكي والمصري ليسا أصحاب القرار.".
والملف الليبي "نفس الشيء فمثلًا من أجل استصدار قرار برفع الحظر على السلاح الليبي، يتطلب الأمر موافقة الدول الخمس الأعضاء الدائمين بمجلس الإمن.. إذن جميع قضايا الإقليم في مجملها تحتاج التوافق مع أطراف إقليمية أخرى".
في الاتجاه نفسه، قال سطوحي: "العلاقة المصرية الأمريكية مهمة لكنها ليست الحاسمة في تقرير مصير القضايا الإقليمية، خاصة أن واشنطن ليس لديها رؤية واضحة بعد في عدد من تلك القضايا، فالقضية الفلسطينية مثلًا لا يوجد تصور لشكل التسوية وهناك أطراف إقليمية تشكل الرؤية معها مثل البعد الإسرائيلي وهو الأقوى، إلى جانب فلسطين والأطراف العربية".
وبدا الخبيران متفائلين بشأن قرب تلك التفاهمات، موضحين أن النجاح المنتظر والمتوقع في العلاقات الثنائية بين القاهرة وواشنطن من شأنه أن يخدم التفاهمات الإقليمية.
وأوضح فهمي الأمر قائلًا: "لو أمريكا أمدت مصر بالسلاح اللازم لمكافحة الارهاب، سيكون ذلك بمثابة تعاون في مسرح عمليات ناجح، وهو محاربة التنظميات الإرهابية والتكفيرية في محافظة سيناء (شمالي شرقي مصر)، ما سينعكس بدوره على مكافحة الإرهاب في مسارح عمليات أخرى مثل سوريا والعراق.
"كما أن زيادة المعونة العسكرية ستنعكس على العلاقة مع إسرائيل التي سترى أن الأمر يصب في صالح اتفاقية السلام".
وتوقع فهمي ن تكون القضية الفلسطينية أول ملف إقليمي يمكن البناء على التفاهمات المصرية الأمريكية المصرية به، فيما ستظر نتائج تلك التفاهمات على المدى البعيد.
وفي وقت سابق صباح الجمعة، عاد إلى القاهرة، الرئيس المصري، قادماً من واشنطن، بعد زيارته التي استغرقت 6 أيام، وينتظر نتائجها خلال الأيام المقبلة.
aXA6IDQ0LjIwMC4xMjIuMjE0IA== جزيرة ام اند امز