عيد العرش بالمغرب.. ما قصته؟
قبل أكثر من 80 عاما، كان الاحتفال بعيد العرش في المغرب مجرد فكرة ما زالت تتبلور في أذهان الكثير من رجال الحركة الوطنية، في ظل الاستعمار الفرنسي.
قبل أن يدعو أحدهم علانية سلطات الاستعمار إلى السماح للمغاربة بالاحتفال به، عبر نشر مقال بمجلة وقعه باسم مستعار، وفق موقع "العمق" المغربي.
عام 1933 نشرت مجلة “المغرب” التي يديرها الجزائري محمد صالح ميسة، مقالا ذيله صاحبه بدعوة صريحة للسلطات الفرنسية للسماح للمغاربة بالاحتفال بـ”عيد الجلوس” (عيد العرش)، وكان المقال موقعا باسم “مغربي”.
وجاء في المقال: “تسعى الحكومة سعيا حثيثا في إضافة الأعياد والمواسم التي أهلها محرر هذا الظهير، نطلب منها أيضا بمناسبة هذا الموضوع أن تصدر قرارا باتخاذ يوم جلوس صاحب الجلالة على العرش المغربي عيدا وطنيا”.
هذه الدعوة تحدث عنها السياسي والصحفي المغربي الراحل، محمد حسن الوزاني، الذي كان أحد رموز الحركة الوطنية المغربية في كتابه “حياة وجهاد”.
وقال الوزاني “إن فكرة الاحتفال بذكرى تولية السلطان محمد بن يوسف خلفا لوالده السلطان المولى يوسف راجت لأول مرة بواسطة محمد صالح ميسة، وإليه يرجع التفكير في هذه المبادرة”.
وكان لأول احتفال بعيد العرش 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1933 طعم خاص لدى المغاربة، اختلطت فيه مرارة الخوف من بطش الاستعمار بطعم الانتصار عليه بإقامة عيد وطني بعدة مدن، أغلقت فيه المدارس والكتاتيب وأغلق العديد من التجار محلاتهم واجتمع الناس في الساحات، فيما تلقى الملك الراحل محمد الخامس برقيات التهاني.
ووصف المستشار الملكي الراحل، عبدالهادي بوطالب، هذا اليوم في مذكراته قائلا: “كان اليوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 1933، وكان المكان الحديقة العمومية الكبرى المعروفة باسم جنان السبيل، على مقربة من باب أبي الجنود بفاس، لم يقِنا استظلالنا بأشجار الحديقة من الابتلال برشاش المطر المتهاطل”.
وأضاف: “لم أكن أعي في سن صباي وأنا أحضر هذا الاجتماع أنه كان المهرجان الوطني الشعبي الأول الذي تعقده الحركة الوطنية المغربية بالمدينة، للاحتفال بالذكرى السادسة لعيد جلوس السلطان محمد بن يوسف على العرش”.
ووصفت مجلة “المغرب” في عددها الصادر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1933 الاحتفالات ذاتها بمدينة فاس قائلة: “أغلقت سائر المدارس الإصلاحية وكذلك عطل القسم العالي بالقرويين ولولا تداخل مجلس الجامعة تداخلا غريبا لكانت الأقسام الابتدائية والثانوية تتقبل بكل ارتياح هذه العطلة الصغيرة احتفالا بالجلالة الشريفة”.
وتابعت المجلة: “وكانت أهم أسواق المدينة مغلقة أيضا ثم أنه ابتداء من الساعة الثالثة مساء وبالرغم من شدة البرد وهمرات الأمطار المتتابعة أخذت قهوة بستان أبي الجنود تمتلئ بالكثير من المطربشين وبعض المعممين ولم تدق الساعة الرابعة حتى غص البستان بالحاضرين”.
أما في مدينة الرباط، حسب المجلة ذاتها، “فقد ظهر نادي قدماء تلامذة المدرسة اليوسفية بالرباط بأفخم مظهر نظاما ورياشا وطربا واقتبالا، ولقد كانت وفود أعيان الرباط وعيون شبابه وبعض رجال الدولة الفرنسية الفخيمة يتواردون إليه ومنه إلى جاره ونظيره نادي الكشافة والرياضة حيث يتناولون ما لذ وحلا من جامد سائل”.
وكان الاحتفال بأول عيد عرش في مدينة سلا “فوق كل ما كانت اللجنة تظنه قد يكون”، حسب وصف لمجلة “المغرب”، و”أعانتها السلطة المحلية بكل ما في وسعها، فنودي بالعيد في الأسواق وزينت المدينة بالأعلام المغربية ولم تطلع شمس 18 نوفمبر/تشرين الثاني حتى كانت المدينة تلبس حلة العيد، فالإدارات المغربية والمحاكم الأهلية مغلقة والمدارس معطلة والدكاكين والمخازن كلها محلاة بالألوان المغربية الأحمر والأخضر..”.
وما بزغت شمس يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني في مدينة مراكش، تقول “المغرب”، “حتى بدت القيسارية (السمارين) في حلة زاهية فاحضروا أولا الكسكس لإطعام الفقراء والمساكين الذين كانوا محتشدين أمام القيسارية فأطعموا العدد الكبير منهم والطوائف من المعوزين داخلة خارجة، والألسن الناطقة فليحي ملكنا المفدى”.
وفي العام التالي 1934، أصبح الاحتفال بعيد العرش يكتسي صبغة رسمية، إذ اعترفت به سلطات الاستعمار على مضض، وذلك عبر قرار وزاري أصدره الصدر الأعظم (أعلى منصب تحت السلطان) محمد المقري في أكتوبر من السنة ذاتها، بعد أن أشر عليه المقيم العام الفرنسي هنري بونسوت.
القرار الذي صدر بالجريدة الرسمية، ضم عدة بنود أبرزها أن يقوم باشا كل مدينة بتنظيم الأفراح والحفلات وتزيين المدن، وأن يوزع اللباس والطعام على نزلاء الجمعيات الخيرية، وجاء في القرار أيضا أن يكون عيد العرش يوم عطلة.
ويأتي عيد العرش هذا العام وسط جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على جميع مناحي الحياة، وألغت العديد من الأنشطة الأساسية في أجندات مواطني مُختلف الدول.
ففي المملكة المغربية، وللعام الثاني على التوالي، يتم إعلان تأجيل جميع الأنشطة والاحتفالات والمراسم المرتبطة بعيد العرش، في إطار تدابير الوقاية من فيروس كورونا.
وتحتفل المملكة المغربية، على غرار الثلاثين من يوليو/تموز من كُل عام، بذكرى عيد العرش، والتي تتوافق هذا العام ومرور 22 عاما على تربع الملك محمد السادس على عرش أسلافه.
وفي هذا الإطار، تقرر تأجيل حفل الاستقبال الذي اعتاد الملك محمد السادس تنظيمه بهذه المناسبة، وحفل أداء القسم للضباط الجدد من مختلف المدارس والمعاهد العسكرية وشبه العسكرية والمدنية، وحفل تقديم الولاء، وكل الاستعراضات والتظاهرات التي يحضرها عدد كبير من المواطنين.
aXA6IDMuMTMzLjEwOS41OCA= جزيرة ام اند امز