محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا.. تقاطع دوائر العنف والتاريخ بأوروبا
في عام 1914 قام طالب جامعي باغتيال ولي عهد النمسا، ما أشعل شرارة الحرب العالمية الأولى التي دامت ٤ سنوات، وقتلت نحو 22 مليون إنسان.
وبعد مرور 114 عاما، استحضر دميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق والمتنبئ الدائم بوقوع حرب عالمية ثالثة هذه الشرارة، لمقارنتها بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو، قبل أيام، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وقال ميدفيديف، على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، إن الشخص الذي أطلق النار على فيكو كان "نسخة مقلوبة من جافريلو برينسيب"، وهو منفذ عملية اغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند.
واعتبرت الصحيفة الأمريكية هذه المقارنة "جامحة" على العديد من المستويات، إذ ودعت أوروبا منذ فترة طويلة الإمبراطوريات التي تفككت بين عامي 1914 و1918، وكذلك الأنظمة اليمينية التي حلت محلها في الحرب العالمية الثانية.
وبدلاً من ذلك، تم إنشاء الاتحاد الأوروبي بشق الأنفس الذي يضم 27 عضواً، بما في ذلك سلوفاكيا، لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في جعل الحرب مستحيلة.
ومع ذلك، ومع اقتراب موعد انتخابات البرلمان الأوروبي بعد ثلاثة أسابيع فقط فإن المؤشرات المشؤومة التي تشير إلى تفاقم أعمال العنف تذهب إلى ما هو أبعد من إطلاق النار على فيكو.
إذ تدور رحى حرب مستمرة منذ 27 شهراً في أوكرانيا خارج الاتحاد الأوروبي، لكن على حدوده مباشرة، ويتحول الأمر، على غرار الحرب العالمية الأولى، إلى الجمود وسط معاناة مستمرة للجنود المشتركين في القتال.
وزعمت الصحيفة الأمريكية أن روسيا تشن حربها في أوكرانيا ضد الديمقراطيات الليبرالية في أوروبا، مضيفة أن السؤال الذي تثيره محاولة اغتيال فيكو هو إلى أي مدى قد يكون الأوروبيون مستعدين لمرحلة صعبة في ظل الاستقطاب السياسي والتطرف الذي يطارد مجتمعاتهم.
فبالنظر إلى عملية اغتيال فيكو لا يزال الدافع وراء إطلاق النار غير واضح، لكنه حدث في سياق "بيئة سياسية سامة".
ولن تؤدي محاولة الاغتيال إلا إلى جعل هذه البيئة أكثر سمية، في سلوفاكيا على الأقل، ولكن من المحتمل أن يمتد الأمر إلى أبعد من ذلك.
لذلك على ما يبدو، حذر وزير الداخلية السلوفاكي ماتوس سوتاج إستوك هذا الأسبوع من "أننا على أعتاب حرب أهلية".
وفيكو ضحية محاولة الاغتيال، مكروه من قبل الليبراليين ولا يحظى بشعبية في العاصمة، لأنه يعارض الاتحاد الأوروبي، والمساعدات العسكرية لأوكرانيا، والهجرة الجماعية، وحقوق المثليين.
انقسام أيديولوجي
الوضع في سلوفاكيا يعكس انقساما متزايدا في أوروبا، وهو أمر خطير، إذ يضع هذا الانقسام القوميين المعارضين للهجرة ضد الليبراليين الذين يرون في اليمين المتطرف تهديدا لسيادة القانون والصحافة الحرة والديمقراطية نفسها.
وقال جاك روبنيك، عالم السياسة الفرنسي الذي يركز على أوروبا الوسطى، إن محاولة اغتيال فيكو "توضح ما يمكن أن يؤدي إليه هذا الاستقطاب، وهذا أمر تحتاج المجتمعات الأوروبية والولايات المتحدة أيضا إلى التفكير فيه".
ومع وجود الكثير من الصراعات السياسية فإن شرارة واحدة قد تكون ذات طبيعة انفجارية، فالحرب خارج أوروبا والمعارك السياسية داخلها تغذي بعضها بعضا.
إذ إن التقدم الروسي في ساحة المعركة، والنشر المحتمل لمدربين من حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوكرانيا، هي عوامل تُذكر بأن التصعيد ممكن دائما، وأثبت ذلك إطلاق النار على فيكو.
وتؤدي حرب أوكرانيا إلى تفاقم الشقوق في أوروبا لأن القوميين في مختلف أنحاء القارة يصطفون مع الأيديولوجية التي يتبناها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفق صحيفة نيويورك تايمز.
ويصور بوتين، وحليفه رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، النخب الحضرية الليبرالية الغربية على أنهم عملاء عازمون على تدمير الكنيسة والأمة والأسرة والمفاهيم التقليدية للزواج والجنس.
كما أصبحت الاتهامات بالخيانة شائعة في مختلف أنحاء أوروبا، والأجواء مليئة بـ"العملاء اليهود" و"العملاء الروس".
ولم يقتصر العنف السياسي على سلوفاكيا، ففي ألمانيا هذا الشهر اعتدى أربعة أشخاص على ماتياس إيكي، سياسي ديمقراطي اشتراكي بارز كان يعلق ملصقات حملته الانتخابية في دريسدن، مما أدى إلى إصابته بكسر في عظام الوجنة ومحجر العين، وأجرى جراحة طارئة.
عوامل تعزيز العنف
ويُمثل التغير السريع الذي تحركه التكنولوجيا، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وتفكك أي مفهوم متفق عليه للحقيقة، عوامل أسهمت في التوجه المتزايد نحو "الوحشية".
ولكن ربما كان العامل الرئيسي في الانزلاق نحو المواجهة العنيفة هو الارتفاع السريع في الهجرة، وهو ما أدى إلى انقسام حاد في الرأي في مختلف أنحاء القارة.
وأدى ذلك، في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد وهولندا وسلوفاكيا نفسها، إلى الصعود السريع للأحزاب اليمينية المتطرفة الكارهة للأجانب.
والحواجز التي كانت تمنع هذه الأحزاب ذات يوم -مثل حزب البديل من أجل ألمانيا أو حزب التجمع الوطني في فرنسا- من الوصول إلى السلطة تآكلت أو انهارت.
ومن المتوقع أن يكون أداء هذه الأحزاب قوياً في انتخابات البرلمان الأوروبي في التاسع من يونيو/حزيران، ما يدخل أوروبا مرحلة جديدة.
aXA6IDE4LjIyNi4xNjUuMjM0IA==
جزيرة ام اند امز