إبطاء وتيرة زيادة الأجور.. وصفة البنوك المركزية للتصدي للتضخم
رغم بدء ملامح انحسار أزمة التضخم العالمية، لا تزال الاقتصادات والحكومات تتخوف من أن تسهم أي زيادة مفرطة بالأجور في رفع أسعار المستهلك.
ويحاول محافظو البنوك المركزية حول العالم التأكد من أنَّ ارتفاع أسعار المستهلك لا ينعكس زيادة في معدلات التضخم، وهم يفعلون كل ما بوسعهم لإبقاء الأمور تحت السيطرة.
بالنسبة إلى الموظفين العاملين تحت مظلة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، ونظيرته في منطقة اليورو كريستين لاغارد وأقرانهما حول العالم، لا يمكن لتعديلات الأجور السنوية تجنب تأثيرات صدمة تكاليف المعيشة التي تحدث مرة في كل جيل.
حتى لو لم يعجبهم الأمر؛ فإنَّ موظفي البنوك المركزية يعانون كما يعاني الجميع في سوق العمل، في وقت يحاول فيه رؤساؤهم احتواء التضخم المتفشي في اقتصاداتهم عبر تجنّب الزيادات المفرطة في الأجور، كما أوردت وكالة بلومبرغ للأنباء.
لكنَّ بعضهم يتذمر. وفي ظل دلائل قليلة على أنَّ الإضرابات قد تحدث قريبًا، تؤكد تلك التي شهدها البنك المركزي البرازيلي، وإضرابات بعض العاملين في بنك إنجلترا في 2017، كيف يمكن لمثل هذه المؤسسات أن تكافح لاحتواء السخط، لا سيما في وقت تشهد فيه النقابات العمالية اضطرابات عالمية.
منع دوامة ارتفاع الأجور
مع ذلك، يواجه محافظو البنوك المركزية ضرورة سياسية مُلحّة لضمان انضباط الأجور، خصوصاً في المواقف التي لا يتم فيها تعميم المفاوضات لتشمل القطاع العام بشكل كامل.
يتمثل البديل الأسوأ فيما إذا حصل موظفوهم على تعويض كامل عن فقدان القوة الشرائية، فإنَّه سيظهر في شكل توجيه النقد للنفاق، والمخاطرة بمزيد من التضخم، فيما يحذو الاّخرون حذوهم.
لذلك؛ يجب أن تتصدر البنوك المركزية تتصدر الصفوف الأمامية لمنع دوامة ارتفاع الأجور، فهي مؤسسات ملتزمة باستقرار الأسعار، والجميع بحاجة إلى إدراك ذلك، وبإمكانهم بالتالي أن يبعثوا برسالة مهمة.
وفي منطقة اليورو، التي بلغ فيها التضخم ذروته عند 10.6% في العام الماضي، وهو المعدل الأعلى منذ نشأة العملة الموحدة، تلقّى موظفو البنك المركزي الأوروبي زيادة في أجورهم قدرها 4% عن عام 2023. هذه الزيادة تبعتها زيادة أخرى قدرها 1.48%، التي لم تواكب ارتفاع الأسعار.
وتشهد البنوك المركزية الرئيسية في منطقة اليورو ظروفًا مماثلة. فعلى سبيل المثال، شهدت أجور الموظفين في بنك فرنسا زيادة بنسبة 4% في يوليو/تموز 2022، وهي الزيادة الأولى منذ خمسة أعوام.
وكذلك، رفع البنك المركزي الألماني، المعروف بأنَّه معقل لاستقرار الأسعار أجور موظفيه بنسبة 1.4% في أبريل 2021، وبنسبة 1.8% في العام التالي.
زيادة لمرة واحدة بـ1% في إنجلترا
وفي الوقت الذي يواجه فيه بنك إنجلترا مطالبات بزيادة الأجور؛ وافق مسؤولو النقابات على زيادة بنسبة 3.5% وزيادة الأجور لمرة واحدة بنسبة 1% للعام المالي المقبل، وهي زيادات تعادل نصف التضخم، وتقل عن نسبة 5% التي وافقت عليها الحكومة لصالح 5.5 مليون عامل في القطاع العام. سيحظى الموظفون الأقل أجراً بالزيادة الأكبر.
صرّح متحدث باسم بنك إنجلترا في بيان: "نحن بحاجة إلى تحقيق توازن يحافظ على انضباط الميزانية مع الإنفاق العام، والاحتفاظ بذوي المهارات المهمة، ومعالجة ضغوط تكلفة المعيشة التي تواجه موظفينا".
وبينما يتحفّظ بنك الاحتياطي الفيدرالي "المركزي الأمريكي" عن الإعلان عن تفاصيل الزيادات الفعلية لأجور الموظفين، يشير جدول أجور 2023، الذي تم الإفصاح عنه خلال يناير/كانون الثاني 2023، إلى أنَّ الزيادة ستصل إلى 5.1% كحدٍ أقصى في النطاقين الأدنى والأقصى لكل شريحة من شرائح الأجور، بغض النظر عن أدنى مستوى للوظائف. هذا يُقارن بمتوسط التضخم الأميركي البالغ 8% خلال 2022.
حتى في اليابان، التي يسعى بنكها المركزي إلى تحقيق مكاسب أكبر للأجور، يتمسك محافظ البنك، هاروهيكو كورودا، بالتشديد في هذا الصدد، مشيراً إلى صعوبة رفع الأجور في بنك اليابان قبل زيادة الشركات الخاصة لرواتبها.
وارتفعت أجور موظفي البنك بنحو 0.2% خلال العام المالي الذي ينتهي في مارس/آذار. ويُحتمل تصاعد الضغوط لتحقيق زيادة أكبر بعد وصول التضخم إلى 4% في ديسمبر/كانون الأول.
قيود على الأجور المرتفعة
وفي قمة جدول الأجور، ربما يحصل محافظو البنوك المركزية على أجور أفضل بكثير من المرؤوسين، لكنَّهم يواجهون قيودهم الخاصة.
وعادةً ما يُحدد أجر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي وفقاً للمستوى "1" من جدول أجور المسؤولين التنفيذيين بالحكومة الأميركية، وسيرتفع هذا الأجر في العام الجاري بنسبة 4.1% ليصل إلى 235,600 دولار. لكن مع ذلك، لم يحصل باول على زيادة سنوية، وظل راتبه عند 203,500 دولار في 2023، نظراً لثبات مستوى أجور بعض كبار المسؤولين القائمين في مناصبهم منذ 2014.
كذلك، سيرتفع أجر رئيسة البنك المركزي الأوروبي لاغارد بنحو 4% ليصل إلى 445 ألف يورو تقريباً (486 ألف دولار) نظراً لحصولها على نسبة زيادة مماثلة لتلك التي يحصل عليها موظفوها.
وتختلف اليابان مرةً أخرى، إذ ارتفعت البَدَلات لمحافظ بنك اليابان كورودا في العام المالي الحالي بضعف وتيرة الموظفين إلى 35,2 مليون ين (271 ألف دولار). ومع ذلك؛ بلغت نسبة الزيادة 0.4% فقط.