الركود شبح يهدد الاقتصاد العالمي.. حتى مع انحسار التضخم
بعد ثلاث سنوات من الفوضى، لدى المستثمرين عدة أسباب تجعلهم مبتهجين بشأن الاقتصاد العالمي، لكن يبقى الركود الهاجس الأكبر.
اليوم، ينحسر التضخم في الولايات المتحدة، مما يرفع الآمال في حدوث "هبوط ناعم"، حيث يتم التحكم في نمو الأسعار دون حدوث ركود.
فيما ابتسم الحظ لأوروبا، حيث تسبب الشتاء الدافئ في الغالب في انخفاض أسعار الطاقة، كما أن اقتصاد الصين، الذي تحرر من سياسة "صفر كوفيد" يستعد للانتعاش.
أما أسواق المال فيغلب عليها التفاؤل، مع ارتفاع مؤشر S&P 500 للأسهم الأمريكية بنسبة 5% منذ بداية العام الجاري 2023، كما ارتفعت أسعار الأسهم في أوروبا والأسواق الناشئة أكثر من ذلك.
ورغم ذلك، من السابق لأوانه إعلان نهاية مشاكل الاقتصاد العالمي، وفقا لمجلة إيكونوميست البريطانية، انخفضت أسعار المستهلك في أمريكا في ديسمبر/كانون الأول 2022، وقد يهبط التضخم السنوي إلى أقل من 2% هذا العام بفضل الطاقة والسلع الأرخص. ومع ذلك بينما تتباطأ وتيرة نمو الأسعار يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي أيضا.
وقد تراجعت مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي في ديسمبر/كانون الأول 2022، وانخفضت المؤشرات الرئيسية للإنتاج بشكل حاد، مما يشير عادة إلى أن الركود قريب.
إن الجزء الأكثر تماسكا وانتعاشا من الاقتصاد الأمريكي هو سوق العمل. لكن الطلب الكثيف على العمال ليس خبرًا سارًا بالكامل، حيث سيجد مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) أنه من الصعب التأكد من أن التضخم قد تم ترويضه.
وعلى الرغم من عمليات التسريح التي تصدرت عناوين الصحف من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى، فإن معدل البطالة في أمريكا لا يزال عند 3.5% فقط والطلبات الجديدة للحصول على إعانات البطالة في أدنى مستوياتها في ثلاثة أشهر ونصف.
وانخفض نمو الأجور السنوي وفقًا لبعض المقاييس، لكنه ظل عند حوالي 5%. وفي 24 يناير/كانون الثاني الجاري، قالت وول مارت إنها سترفع الأجور الأولية من 12 دولارًا في الساعة إلى 14 دولارًا. ونظرًا لأن إنتاجية العمال تنمو بنسبة 1% فقط سنويًا، فإن النمو السريع للأجور يُنذر بارتفاع الأسعار بما يتجاوز بكثير مستهدف الفيدرالي الأمريكي للتضخم عند معدل 2%.
ويأمل بعض صانعي السياسة في أن تتمكن الشركات، التي ارتفعت أرباحها في عام 2021، من امتصاص النمو السريع للأجور دون الحاجة إلى زيادة الأسعار، ومع ذلك، بحلول الخريف الماضي، شكلت هوامش الربح الأعلى التضخم في حقبة وباء كوفيد-19. وبالنظر إلى أن وول ستريت تتوقع أرباحًا مخيبة للآمال للربع الرابع من عام 2022، فإن هذا يشير إلى أن الشركات سترفع الأسعار بما يتماشى مع تكاليف العمالة.
وتتوقع الأسواق أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة في غضون عام مع تباطؤ النمو، ولكن إذا كان الاحتياطي الفيدرالي جادًا بشأن خفض التضخم إلى 2% وإبقائه عند هذا الحد، فسوف يحتاج إلى إبقاء المعدلات مرتفعة حتى يهدأ نمو الأجور حتى لو أدى ذلك إلى حدوث ركود.
إذا واجهت أمريكا انكماشا فمن المحتمل أن تأخذ أوروبا معها، وعلى الرغم من انخفاض أسعار الطاقة تعاني منطقة اليورو أيضا من مشكلة تضخم أساسية، كما يتضح من ارتفاع نمو الأجور، وحذرت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، من أن أسعار الفائدة يجب أن ترتفع بشكل كبير، على عكس التوقعات الأكثر تشاؤمًا للمستثمرين، إن ارتفاع الدولار -وهو أمر مرجح إذا استمر بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة ويخشى المستثمرون من العواقب- من شأنه أن يرفع التضخم المستورد ويجعل عمل البنك المركزي الأوروبي أكثر صعوبة، مع تقليص الارتفاع في الأسواق الناشئة.
لقد قللت نهاية انتشار فيروس كورونا في الصين من احتمالية أن تنشط سلاسل التوريد، ومع ذلك فإن انتعاشها ليس سلعة خالصة لبقية العالم، الذي يعاني من مشكلة تضخم، وليس نقصا في الإنفاق.
من المتوقع أن تضيف واردات الصين الإضافية مزيدا من الوقود إلى الاقتصادات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وكان تخزين الغاز في أوروبا ممتلئ جزئيا لأن طلب الصين على الغاز الطبيعي المسال في عام 2022 كان أقل بنسبة 20% من مستواه المعتاد، ومن المرجح الآن أن يرتد الطلب مرة أخرى مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى في الشتاء المقبل.
وختاما، يمكن القول إن أسواق العمل وأزمة الطاقة يتحكمان في الاقتصاد العالمي، ومتى هدأت أوضاعهما سيخرج الاقتصاد العالمي من أزماته المتشعبة.
aXA6IDMuMTQ0LjM4LjE4NCA=
جزيرة ام اند امز