تشارك التكنولوجيات الذكية في مهمة البحث عن لقاح أو فاكسين لإكساب المناعة والوقاية من المرض والبحث عن الدواء للشفاء منه.
عندما انتشر مرض فيروس كورونا وتحول إلى وباء جارف، استشعرت دول العالم أخطاره على حياة البشر وصحتهم واستخدمت جميع الأسلحة المتاحة أمامها من اختبارات طبية لتحديد المشتبه في مرضهم، والعزل الاجتماعي، وفرض حظر التجوال لساعات طويلة، وإغلاق المحال والمتاجر لمنع التكدس، وفرض قيود على الانتقال بين المدن والمحافظات.
وكان من أهم الأسلحة في الحرب ضد المرض الاستخدامات المبتكرة للتكنولوجيات الذكية التي أنجزتها الثورة الصناعية الرابعة، التي شاهدناها في عديد من الدول العربية والأجنبية. وظهر ذلك في عدد من المجالات الأساسية وهي: الرصد والاكتشاف المبكر للمرض، والتتبع والتأكد من اتباع الناس التعليمات والقواعد المعلنة وعدم مخالفتهم إياها، وأساليب العلاج والتعامل مع المرضى.
من أهم الأسلحة في الحرب ضد المرض الاستخدامات المبتكرة للتكنولوجيات الذكية التي أنجزتها الثورة الصناعية الرابعة، التي شاهدناها في عديد من الدول العربية والأجنبية.
ففي مجال الرصد والاكتشاف المبكر، برزت أهمية قواعد البيانات الكبيرة أو الضخمة big data التي استثمر فيها عدد كبير من الدول مع اتباع سياسات رقمنة المجتمع أو التحول الرقمي. تشير هذه السياسات إلى تخزين أكبر قدر من البيانات في كل مجالات الحياة والمجتمع من بيع وشراء وسفر وعلاج وضرائب إلى جانب البيانات التقليدية عن الاسم والسن والنوع ومحل الإقامة والعمل، وحفظها في أجهزة حاسب آلي عملاقة مع الربط بينها في نسق واحد.
وفي الأزمة الراهنة، تم استخدام قواعد البيانات الصحية كالتاريخ المرضي للفرد وتكرار التردد على المستشفيات، والأمراض التي أصابته وأنواع الأدوية التي يحصل عليها من الصيدليات، وقواعد بيانات التنقل والسفر من خلال شركات الطيران ومكاتب الجوازات والمطارات. وذلك لتحديد الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا أكثر تعرضاً للمرض والمشتبه في إصابتهم به.
وساهمت الهواتف الذكية في هذا المجال، فتم تطوير برنامج يحدد درجة حرارة الإنسان، وذلك عند قيامه بنقر أصابعه على شاشة الهاتف، ويتم إبلاغ السلطات المعنية بذلك، التي بدورها تتأكد من أن الشخص قام بعزل نفسه طوعياً. واتصالاً بذلك، تم تثبيت كاميرات حرارية لكشف درجات حرارة الركاب عند مداخل عربات المترو والقطارات وسيارات النقل الجماعي لتحديد الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع في درجة الحرارة، فتقوم السلطات المعنية بالتعامل معه.. وبنفس المنطق، أطلقت وزارات الصحة في عدد من الدول منصات إلكترونية تقوم بإجراء اختبارات إلكترونية تتطلب عدداً من الأسئلة عن الشخص والأعراض التي يشعر بها. وعندما ينتهي من الإجابة عن هذه الأسئلة، يتم تشخيص حالته وتوجيه النصيحة اللازمة.
وفي مجال التعرف على ديناميكية انتشار المرض، تم استخدام البيانات الكبيرة لعمل "خرائط صحية" تبين حجم وكثافة انتشار المرض، واستخدمت ألوان مختلفة للتمييز بين الأماكن الأكثر خطورة ومتوسطة الخطورة والأقل خطورة. فكانت هناك خريطة صحية على مستوى العالم، وهي التي استخدمتها منظمة الصحة العالمية، للتعرف على حركة انتشار المرض من دولة إلى أُخرى والمقارنة بينها، وخرائط على مستوى كل دولة تبين حجم الانتشار في الولايات والمحافظات، ثُم خرائط أكثر تفصيلاً على مستوى المحافظة أو الولاية ومدى انتشار المرض في المدن للأحياء والقرى في كل ولاية أو محافظة. وكان من شأن هذه الخرائط أن أصبح لدى الحكومات والقائمين على أمور السياسة الصحية نظرة أكثر وضوحاً ودقة لأماكن وجود الوباء وحجم الخطورة التي يمثلها. وساعدتهم على اتخاذ القرارات السليمة الخاصة بتوزيع المستلزمات والمعدات الطبية واتخاذ إجراءات أكثر صرامة بشأن بعض المناطق مثل العزل الكامل لإحدى المدن أو الأحياء ومنع الدخول إليها أو الخروج منها.
وفي مجال التعقب، تم استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجوه لتحديد مسار أي شخص وتوضيح الأماكن التي تردد عليها والأشخاص الذين قابلهم وخالطهم عن قرب، مما يسمح للسلطات باتخاذ الاحتياطات اللازمة تجاههم، وتم أيضاً توظيف قواعد البيانات الخاصة بالمشتبه في إصابتهم لتحذير الآخرين من مخالطتهم، وذلك من خلال تطبيق على الهاتف الذكي ينبه صاحبه إذا ما اقترب من شخص مشتبه في إصابته أو حامل للمرض.
وكان للهواتف الذكية دورها أيضاً في التأكد من اتباع قواعد العزل الاجتماعي ومنع التجمع، فقامت بعض شركات المحمول بابتكار خاصية اكتشاف تجمع أكثر من خمسة أو عشرة أفراد في مكان واحد وإبلاغ السُلطات عنهم سواء كان ذلك في حديقة عامة أو شاطئ بحر أو في داخل منزل. وبعد لحظات تظهر إحدى الطائرات المسيرة بالقرب من المكان تدعوهم إلى الانصراف. واستخدمت هذه الطائرات في تذكير المواطنين بالقواعد الخاصة بغلق المحلات ومنع التجوال.
كما برز دور التكنولوجيات الذكية في مجال التعامل مع المصابين بالمرض، وتشخيص حالاتهم، وعلاجهم. فلما كان هذا المرض اللعين ينتقل بالمخالطة او الملامسة فإن التحدي الذي واجهته السلطات الصحية في كل الدول هو كيفية التعامل مع المرضى دون اتصال مباشر أي وجهاً لوجه مع آخرين بقدر الإمكان. وفي هذا المجال أيضاً، قدمت التكنولوجيات الذكية حلولاً مبتكرة، فتم استخدام عربات إسعاف بدون سائق لنقل المرضى إلى المُستشفيات، وقامت الروبوتات ببعض أدوار الممرض كقياس درجة الحرارة والكشف المبدئي على المرضى ونقل نتائجها للأطباء، وبمهام عمال المستشفى كتوزيع الطعام والأدوية على المرضى وتنظيف الغرف والممرات وتعقيمها، كما استخدمت الطائرات المسيرة لتعقيم المناطق المحيطة بالمستشفيات.
وأطلق عدد من وزارات الصحة وهيئات المُجتمع المدني منصات إلكترونية بهدف الدعم النفسي للأشخاص المعزولين سواء في منازلهم أو المستشفيات ويعانون من مظاهر الهشاشة النفسية كالشعور بالإحباط والاكتئاب، وتوجه لهم الإرشادات والنصائح المناسبة بعد التعرف على حالة كُل منهم.
وتشارك التكنولوجيات الذكية في مهمة البحث عن لقاح أو فاكسين لإكساب المناعة والوقاية من المرض، والبحث عن الدواء للشفاء منه، وذلك من خلال برامج التحليل الجيني بهدف التعرف على مكونات هذا الفيروس وعناصره، التي مكنت نتائجه حتى الآن من معرفة كيفية انتشاره وآثاره على الإنسان المصاب به. ومن المتوقع أن يُمكن هذا التحليل العلماء والباحثين مستقبلاً من الوصول إلى اللقاح والدواء.
ومع أن العالم قد تكبد خسائر بشرية كبيرة، فقد كان من الممكن أن تكون أكثر لولا الدور الذي قامت به التكنولوجيات الذكية في جميع مجالات مكافحة هذا الوباء اللعين. ويرى الباحثون أنه سيكون لتلك التكنولوجيات دور في التنبؤ بالأوبئة في المستقبل، وذلك في ضوء البيانات التي تم تخزينها عن هذا الوباء والاستمرار في تحديثها واستخلاص نتائجها ودلالاتها. وأنه سوف يكون بإمكانها عمل النماذج والسيناريوهات الخاصة للتنبؤ باحتمالات ظهور وباء جديد ومصدره. وإن كان ذلك سوف يعتمد بالطبع على قدرة الأجهزة الطبية في كل دولة على جمع هذه البيانات ودقتها وعدم قيام حكوماتها بإخفاء بعضها.
وأحد الدروس التي نتعلمها من هذه الخبرة الأليمة هي أهمية تنفيذ سياسات التحول الرقمي وبناء قواعد البيانات الضخمة وما يرافقها من تطوير البنية التحتية المعلوماتية واستخدام تكنولوجيا الجيل الخامس، فهذه أمور مهمة ليس فقط للازدهار الاقتصادي والاجتماعي ولكن أيضاً للحفاظ على حياة الشعوب وصحة أفرادها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة