السوشيال ميديا.. "سم" الشائعات في "عسل" الحقيقة
رغم إيجابيات السوشيال ميديا في الكشف عن الحقائق إلا أن لها سلبيات تتمثل في استغلال البعض الثقة فيها لنشر شائعات من خلالها
ماذا فعلت تلك الطفلة كي ينتقم منها بشار الأسد؟ كان من الممكن أن تقرأ هذا التعليق أو ما يشابهه على مواقع التواصل الاجتماعي، تعليقاً على مشاهد كان يتم تصويرها في مدينة بورسعيد المصرية "شرق القاهرة"، على أنها حدثت في حلب، لولا تمكن الأمن المصري قبل يومين من القبض على المصور أثناء التصوير.
هذه الواقعة تكشف إلى أي مدى يمكن أن يستغل البعض ثقة الناس في السوشيال ميديا لنشر الكذب والشائعات، كما في واقعة تصوير مشاهد حلب بمصر، وسط أخبار أخرى تحمل الكثير من الحقائق عن ما يحدث في حلب، فتكون آداه لنشر "سم" الشائعات وسط "عسل" الحقيقة.
الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية في القاهرة، يرى أن السبب الرئيسي لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الغرض، يرجع إلى رغبة البعض في الاستفادة من أهم مزاياها، وهي أنها "خلقت رأياً عاماً شعبياً بعيدًا عن تأثير الإعلام الرسمي".
وأشار صادق في تصريحات لـ"العين" إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي مكنت المواطن من مناقشة أي موضوع وتشكيل اتجاهات للرأي العام، وتحديد مواقف من تطورات سياسية واجتماعية مختلفة يشهدها الشارع المصري والعربي وهو ما لم يكن ممكناً قبل ظهور تلك الوسائل.
ولفت أستاذ علم الاجتماع السياسي، إلى أن بعض الحكومات العربية بدأت في مراقبة تلك الوسائل لمعرفة اتجاهات الرأي العام، مشيراً إلى لجوء بعضها إلى تدشين صفحات خاصة للتواصل مع الرأي العام .
وشدد صادق على أن الحياة السياسية فى العالم العربى قد تغيرت بسبب تلك الشبكات وأصبح الرأى العام أكثر تسييساً من السابق ومتابعاً للتطورات في بلاده والبلاد الأخرى.
تهييج الرأي العام
ومن جانبه، أكد الدكتور صفوت العالم، أستاذ العلاقات العامة والإعلان بجامعة القاهرة، أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت قادرة على تهييج الرأى العام تجاه العديد من القضايا، فضلًا عن دورها فى طرح وإبراز القضايا التى يهتم بها المواطن وحلها.
وأشار العالم في تصريحات لـ"العين" إلى أن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات "سوشيال ميديا"، قد يكون سلبياً أو إيجابياً وفقًا لأسلوب تناول الموضوعات، مؤكداً أن بعض وسائل التواصل الاجتماعي قد يستخدمها البعض في نشر الشائعات والأخبار غير الصحيحة وغير الموثقة والتي قد تثير الجدل في المجتمع، فيما يستخدم البعض وسائل التواصل الاجتماعي في نقل الحقائق والتواصل بين فئات المجتمع المختلفة وتعبير عن أراء وتطلعات فئات بعينها.
التقنين بالقانون
وعن دور القانون في تنظيم أدائها، قال النائب نضال السعيد، رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مجلس النواب المصري، إن البرلمان المصري يسعى إلى إصدار قانون لمكافحة الجريمة الإلكترونية، لمواجهة الفوضى التى تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الأخبارية التي تنشر أخباراً غير صحيحة أو "مفبركة".
وأوضح السعيد في تصريحات لـ"العين" أن قانون مواجهة الجريمة الإلكترونية لا يعني على الإطلاق التضييق على الحريات أو منع نقد الحكومة أو المسؤولين، مشدداً على أن السوشيال ميديا أحد وسائل التعبير عن الرأي الحر شرط عدم التجاوز أو الإساءة لأحد.
وأكد رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن عدداً من دول العالم وضعت قوانين في هذا الشأن لضبط عمل المواقع الإلكترونية، وخصوصاً التي تبث أخباراً كاذبة بعيداً عن ميثاق الشرف الصحفي والإعلامي.
وأشار السعيد إلى وجود قرابة 5 آلاف موقع إلكتروني وإخباري وصفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تعمل على نشر الشائعات والأكاذيب وبث الفتن في المجتمع من دون أي ضوابط مهنية.
الواقع الافتراضي
وكما كان للسوشيال ميديا سلبيات وإيجابيات فيما يتعلق بنقل الأخبار، يرى الدكتور علاء رجب أستشارى الصحة النفسية أن لها أيضاًص نفس الإزدواجية في التأثير على الصحة النفسية.
ويقول إن مواقع التواصل الاجتماعي أثرت على شخصية المواطنين لتتحول إلى السلبية واللامبالاة، والتحول من الانشغال بالواقع العملي إلى واقع افتراضي موازي، لكنها في الوقت ذاته أثرت في إيجابية الحوار والنقاش بين المواطنين.
وأكد رجب في تصريحات لـ"العين" أن "السوشيال ميديا" أصبحت وسيلة لنشر الشائعات والأكاذيب نتيجة إصابة بعض رواد تلك المواقع بالجمود النفسي والفكري، ما أدى إلى فقدان الأشخاص للثقة في أنفسهم وفي الدولة، مؤكداً أن "السوشيال ميديا" تحولت إلى مواقع "انشقاق اجتماعي" داخل المجتمعات العربية.
واعتبر استشاري الصحة النفسية أن بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي أصيبوا بمرض الاحتراق النفسي عبر نشر مشاعرهم وأسرارهم والمواقف التى يعيشوها على الملأ، بالإضافة إلى اختراق خصوصيات الآخرين، معتبراً أن فرض الرأى على الآخر، والقضاء على التواصل الحقيقي بين البشر من أكبر سلبيات "السوشيال ميديا".
في النهاية فإن تلك المعطيات تفرض على رواد مواقع التواصل الاجتماعي الحذر في التعاطي مع ما ينشر عبر تلك المواقع من معلومات سواء بالإيجاب أو السلب، كما تتطلب أيضاً تواصل المؤسسات الحكومية مع رواد "السوشيال ميديا" لكشف الحقائق وتصحيح معلوماتهم، فضلاً عن المزيد من الشفافية في التعامل مع المواطنين، دون اتخاذ إجراءات رقابية صارمة ضد "السوشيال ميديا"، بعد تحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى محرك رئيسي لاتجاهات الرأي العام.
aXA6IDMuMTQxLjI5LjkwIA== جزيرة ام اند امز