لا يختلف اثنان على ان الإجراءات الاقتصادية التى قامت بها الحكومة أخيرا سوف تحدث بعض الآثار السلبية على الشرائح الاجتماعية المختلفة خاصة الفقراء ومحدودى الدخل،
لا يختلف اثنان على ان الإجراءات الاقتصادية التى قامت بها الحكومة أخيرا سوف تحدث بعض الآثار السلبية على الشرائح الاجتماعية المختلفة خاصة الفقراء ومحدودى الدخل،
ويتوقف مدى هذه الاثار على السياسات الحمائية التى ستتخذها الحكومة فى هذا المجال. وهنا ينبغى عدم الارتكان الى ان هذه السياسات سوف تؤدى الى رفع معدلات النمو، ومن ثم تحسين دخول الافراد. وهو ما يتبناه البعض، فهذا غير صحيح على الاطلاق اذ اثبتت تجارب التنمية ان رفع مستوى المعيشة عن طريق رفع معدلات النمو غير صحيح على الاطلاق، فيمكن ان يزيد معدل النمو عن طريق رفع بعض بنود الانفاق او عن طريق انتاج بعض السلع الكمالية التى لايستهلكها الا قطاع معين من الشعب، كما ادت بعض هذه التجارب الى زيادة الاستهلاك بمعدل اعلى من نمو الانتاج لذلك زادت الحاجة الى الاستيراد ومن ثم المزيد من الضغوط على ميزان المدفوعات.كما ان الاعتماد على زيادة الاستثمارات وحدها دون الجوانب الاخرى المرتبطة بعملية التنمية ادى الى تدهور سريع.
وبالتالى فان الإجراءات التى تم تطبيقها أخيرا تتطلب بالضرورة سرعة اتخاذ إجراءات مساندة للفئات الهامشية ومحدودى الدخل، وذلك انطلاقا من كون السياسة الاقتصادية يجب أن تظل فى خدمة الأفراد والمجتمع. فرفع معدلات النمو وحدها ليست كافية لانتشال الفقراء ومحدودى الدخل، إذ يجب أن يكون نموا مواليا للفقراء وموسعا لقدرتهم وفرصهم وخيارات حياتهم، أى ضرورة العمل على إزالة أسباب الفقر جنبا الى جنب مع العمل على التخفيف من آثاره، وذلك فى إطار يهدف إلى توفير السلع الأساسية والضرورية للمواطنين، خاصة لمحدودى الدخل، بأسعار فى متناول أيديهم.
من هذا المنطلق يجب العمل على تبنى سياسة حمائية سريعة تهدف الى الحد من الآثار السلبية المتوقعة، وترتكز هذه المقترحات على عدة محاور أساسية أولها رفع حد الاعفاء فى ضريبة المرتبات والأجور بنحو ثلاثة الاف جنيه ليصل الى 16500 جنيه سنويا، وهذا الاقتراح سوف يفيد شريحة لابأس به من العاملين بأجر والذين تصل نسبتهم الى نحو 62% من اجمالى المشتغلين بالمجتمع وهذا الاقتراح افضل بكثير مما اقترحه البعض بزيادة الحد الادنى للأجور لسببن أولهما ان هذا الحد مطبق على العاملين بالحكومة والجهاز الإدارى للدولة فقط، وبالتالى لايطبق على كافة العاملين بالقطاع الخاص مما يعنى حرمان شريحة لابأس بها من العاملين من هذه الزيادة، ثانيهما انه سيتطلب زيادة فى كافة أجور السلم الوظيفى حفاظا على الاستقرار والتراتيبية الوظيفية، الامر الذى يحمل الموازنة بالمزيد من الأعباء.
يضاف الى ماسبق ضرورة إعادة النظر فى الشرائح الضريبية الحالية وتوسيعها بما يضمن توزيع العبء الضريبى على عددٍ أكبر من القطاعات والدخول لتصبح على النحو التالى (أكثر من 7000 حتى 50 ألفا 10%، والثانية أكثر من 50 ألفا حتى 100 ألف 15%، والثالثة أكثر من 100 ألف حتى 250 ألفا 20%، والرابعة أكثر من 250 ألفا حتى مليون جنيه 25%، والخامسة أكثر من مليون 30% والأخيرة اكثر من عشرة ملايين 35%).
وهذا الاقتراح يحقق العديد من المزايا يأتى على رأسها خفض عبء الضرائب عن مجموعة لا بأس بها من الطبقة المتوسطة وتعويض الفاقد من الشرائح الدنيا عن طريق إضافة شرائح إضافية، الأمر الذى يحافظ على الحصيلة الضريبية. هذا فضلا عن ان تمويل هذا الاقتراح يمكن ان يتم عن طريق إلغاء دعم الصادرات المقدر فى الموازنة الحالية بنحو ثلاثة مليارات لسبب بسيط للغاية يكمن فى كون الصادرات قد استفادت كثيرا من التخفيض الكبير فى سعر الصرف، وبالتالى فهى ليست فى حاجة الى هذه المساندة.
وعلى الجانب الآخر يجب ان تعمد السياسة الى الحد من التضخم وارتفاع الأسعار، خاصة وانه يؤثر بشدة على الفئات الضعيفة والمهمشة أكثر من الفئات الأخرى. وهو ما يتطلب إحكام الرقابة على الأسواق والتصدّى الحازم للتصرّفات غير السوية لبعض التجار والموزّعين والمستوردين مع تطوير الأسواق ورفع كفاءة نظم التوزيع، وإنشاء مناطق تجارية للقضاء على عشوائية التجارة، والتوسّع فى منافذ التوزيع، خاصة للسلع المدعمة، وتعظيم الاستفادة من االجمعيات الاستهلاكيةب كإحدى آليات السيطرة على الزيادات غير المبرّرة فى أسعار السلع الأساسية. يضاف الى ماسبق ضرورة إصلاح وتطوير جهاز حماية المستهلك بما يضمن التمثيل الكامل للمجتمع المدنى والمنظمات العاملة فى مجال حماية المستهلك وإصلاح وتطوير جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية من خلال تعديل التشريعات القائمة لضمان تفعيل دور الجهاز فى الرقابة على الأسواق، واتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع الغش والتدليس.
هذا فضلا عن ضرورة مراجعة سياسات الدعم بحيث يتم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتأكد من وصوله إلى مستحقيه، وتحسين وتجويد نوعية السلع الخاضعة له مع الاستمرار فى تحسن النظام الحالى لما فى ذلك من تأثير مباشر على ميزانية الأسرة. مع الاخذ بالحسبان إن أى سياسة مستقبلية للدعم ينبغى أن تعمد إلى الحفاظ على بنود الدعم الخاصة بالخبز وألبان الأطفال والأدوية، فهذه السلع الأساسية تمثل عصب الحياة الأساسى لدى شرائح مهمة فى المجتمع. وذلك لسبب بسيط للغاية، وهو أن الخبز البلدى والسكر والزيت تمثل نسبة لا بأس بها من المحتوى الغذائى للفرد فى البلاد. بل إن الخبز البلدى بمفرده يقدم حوالى ثلث السعرات الحرارية المأكولة يوميا.
وكذلك استكمال الإطار التشريعى للتجارة الداخلية بما يحقق انضباط السوق الداخلية وتوفير الحماية الكاملة لكافة المتعاملين به. واتخاذ الإجراءات التشجيعية الكافية لتحفيز المزارعين على تسليم المحصولات الزراعية بشكل اختياري. جنبا الى جنب مع زيادة الطاقة التخزينية من الصوامع للمطاحن والمخابز، وذلك لتعظيم الإنتاجية وتقليل الفاقد من القمح وتحسين جودة منتجاته.
وعلى الجانب الآخر يجب مراجعة نظام المعاشات لتتفق قيمة المعاشات مع معدلات ارتفاع تكاليف المعيشة حتى لا تنخفض القيم الحقيقية لها، وذلك دون التأثير على الحسابات الابتكارية للصناديق. والتوسع فى نظم المعاشات للعاملين خارج المنشآت وبرامج الضمان الاجتماعي. وتوفير الحماية الاجتماعية والصحية بصفة عامة مع استهداف الطبقات الفقيرة وغير القادرة، وذلك من خلال تطبيق التأمين الصحى الاجتماعى والعمل على توفير الموارد للنظام بالاستناد على قدرة المواطنين على دفع المقابل والحرص على عدم تحمل الفقراء بنسب لا تتفق مع مستويات دخولهم. يضاف الى ما سبق البحث عن آلية لمد الحماية الاجتماعية والصحية للعاملين فى القطاع غير الرسمي، وإيجاد نظم للمساعدات المالية وحوافز لأبناء الأسرة محدودة الدخل للإنفاق على التعليم، وذلك بتطوير نظام تكافل وكرامة المعمول بهما حاليا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة