من المؤكد أن الناس كانت منزعجة من تلك الأمور، لكن ما نشعر به حاليًا هو نتاج صناعة الدعاية التي تكون رائجة حين يكون الناس متأثرين عاطفيًا بدرجة كبيرة.
بعد 18 شهرًا من التحكم في الإثارة والغضب، صنعنا نوعًا من الكابوس المخادع المضلل من الانقسام الحزبي والصراع الثوري. وأصبحت عبارة «لم تشهد البلاد هذا القدر من الانقسام من قبل» تتردد باستمرار على ألسنة المحللين والمعلقين. لكن كان هذا يحدث في كل عام يشهد انتخابات منذ بداية التصويت في الانتخابات. لقد كان الآباء المؤسسون للدولة، رغم كل مهاراتهم وذكائهم، بالكاد معسولي الكلام. ولم تكن الحرب الأهلية بحاجة إلى تعليق إخباري، ولم تكن الستينات رحلة بحرية في نهر الميسيسيبي.
بعبارة أخرى، لطالما كانت السياسة لدينا على هذه الشاكلة، مع اختلاف واحد واضح.
من خلال وسائل الإعلام بكل أشكالها نحن نستهلك الأشياء غير المهمة، وكذلك تنهكنا تلك الأشياء. الاستماع إلى الأخبار يعني الاعتقاد أن الحضارة الغربية على وشك الانهيار، أيًا كان من سيتبختر متجهًا إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) المقبل. هذا هو بالضبط ما يُفترض أن تصدقه. من المفترض أن تعتقد أن كل شيء ينهار، من المفترض أن تعتقد أن الحياة في أسوأ حالاتها.
لقد كان دونالد ترامب محقًا حين قال إن النظام متلاعب به، لكنه لم يكن محقًا فيما كان يعنيه بذلك، فهو غير متلاعب به ضده. إنه جزء من النظام، الذي يحكم وسائل الإعلام، والمستشارين السياسيين، والإجراءات، والسياسيين، ومسؤولي الحملات الدعائية، المتلاعب بها ضد صالح الشعب، وهي تسير على ما يرام. يشارك الجميع في اللعبة نفسها، وهو أمر ضروري لضمان أن يتناول الشعب ما يتم تقديمه له، وما يتم تقديمه له هو الاستياء، والخوف، والغضب.
من المؤكد أن الناس كانت منزعجة من تلك الأمور، لكن ما نشعر به حاليًا هو نتاج صناعة الدعاية التي تكون رائجة حين يكون الناس متأثرين عاطفيًا بدرجة كبيرة.
منذ فجر يوم 9 نوفمبر (تشرين الثاني)، سيتم العمل على أن يجنّ جنون الأميركيين. سيغضب الفرحون بالنصر والفوز مرة أخرى عندما يدركون أنهم لن يحصلوا على ما وُعدوا به. وهذا نبأ سار. بفضل ذكاء حكومتنا المكونة من ثلاثة عناصر، لن يصبح أحد ديكتاتورًا. ورغم ما يصدقه الجميع تقريبًا على ما يبدو، تعمل «حكومتنا العاطلة» جيدًا في أغلب الأوقات.
في حال فوز ترامب، سيكون تحت أعين البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، لأن هكذا يسير نظام الحكم في بلادنا. وحتى الجمهوريين لا يتوقون إلى اتباع ترامب.
لن يكون هناك جدار، ولن يتمكن من فرض أي قيود على الهجرة على أساس الدين، لأنه حتى ترامب ليس بهذه الحماقة. سوف يتأنق، ويحسن التصرف خلال حفلات العشاء الرسمية، وسوف يكون مرحًا عندما يدعو الأمر. وكذلك سيدعو الإعلام إلى حفل العطلات في البيت الأبيض. ولن يضرب إيران بالسلاح النووي بسبب لفتاتها الوقحة، ولن يعتدي على النساء. سوف يكره هو وفلاديمير بوتين بعضهما بعضًا بكل احترام.
في حال فوز هيلاري كلينتون، لن تصبح فجأة معتوهة. لقد أبلت جيدًا في التعامل مع الحزبين حين كانت عضوًا في مجلس الشيوخ، وحظيت بإعجاب زملائها. وسوف تدير أمر الجيش، لأنها، مثل ترامب، تحترم وتوقر القوات المسلحة وهم يعلمون ذلك جيدًا. وسوف تحرص على أن يحمي من ستعينهم في المحكمة العليا قرار «رو في ويد» الخاص بالإجهاض، ولا يزال كل ما عدا ذلك غامضًا. يعد كل من القاضي ديفيد سوتر، المتقاعد حاليًا، ورئيس القضاة جون روبرتس، دليلاً على قاعدة صندوق الشوكولاته، وهي أنك لن تعلم (تحديدًا) ما ستحصل عليه.
للأسف يمكن قول ذلك عن كل من هيلاري كلينتون وترامب. أيًا كان ما وعدوا به، فلن تتم ترجمته على أرض الواقع أثناء الفترة الرئاسية.
*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط خدمة «واشنطن بوست»
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة