«ملف المصريين بالخارج».. وزيرة سابقة تكشف أسرار التجربة وتدعو لإحياء المبادرات

في وقت تواجه فيه الدولة المصرية تحديات اقتصادية تظل ملفات المصريين بالخارج من أبرز الأدوات الناعمة القادرة على دعم الاقتصاد.
وسط التحولات الجيوسياسية المتسارعة في محيط مصر الإقليمي والدولي، تبرز ملفات المصريين بالخارج كدبلوماسية اقتصادية داعمة للاقتصاد الوطني وتعزيز الاستقرار، وهو ما تؤكده التجربة العملية للسفيرة سها جندي، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج السابقة.
في حوار خاص لـ"العين الإخبارية"، تحدثت السفيرة جندي عن رؤية الدولة المصرية لدمج ملف الهجرة ضمن السياسة الخارجية، وتفاصيل المبادرات التي قادتها الوزارة في وقت سابق، مثل "سيارات المصريين بالخارج" و"التسوية التجنيدية"، وفرص إعادة طرحها، إلى جانب تقييمها لفكرة ضم وزارة الهجرة إلى الخارجية، ومستقبل العاملين في هذا القطاع الحيوي.
هل ترين أن ضم وزارة الهجرة إلى وزارة الخارجية خطوة إيجابية؟
في الحقيقة خطوة ضم الوزارة وتوقيتها كان غير مفهوم خاصة أن القرار جاء في وقت كانت الوزارة تجذب ملايين الدولارات من خلال مباردات عملنا عليها في وقت كانت تكلفتها على الموازنة العامة للدولة، ولكن من المهم الإشارة إلى أن وزارة الهجرة منذ إنشائها تأرجحت بين الاستقلال والضم، لأسباب تتعلق بترشيد النفقات أحيانًا، وبإعادة هيكلة الأولويات أحيانًا أخرى.
رغم ذلك، أؤكد أن مردود الوزارة على الدولة والمصريين في الخارج كان دائمًا أكبر من تكلفة استمرارها، فالوزارة لعبت دورًا حيويًا في الأزمات الاقتصادية من خلال مبادرات نوعية ساهمت في تعزيز تحويلات المصريين بالخارج وفتح مسارات بديلة لدعم الاقتصاد الوطني.
وماذا عن مصير العاملين في قطاع الهجرة بعد الدمج؟
بعض العاملين تم دمجهم في قطاعات مختلفة داخل وزارة الخارجية، لكن بأعداد محدودة، في حين تم الاستغناء عن آخرين.. وهذه المسألة تحتاج إلى مراجعة شاملة تضمن الاستفادة من الخبرات المتراكمة في هذا الملف، خاصة أن الوزارة كانت تعتمد على كوادر مدربة ومؤهلة على التعامل مع قضايا الجاليات وتحديات الهجرة، ومع إلغاء وزارة الهجرة وتقليص العمالة المدربة أدت إلى التعامل مع بعض الملفات بشكل أقل خاصة في ظل التوترات السياسية في المنطقة.
هل هناك نية لإعادة مبادرات مثل "سيارات المصريين بالخارج" و"التسوية التجنيدية"؟
بالفعل، تلقيت خلال الأشهر الماضية طلبات من عدد كبير من المصريين في الخارج، خاصة من خلال جروبات مخصصة لهم، تطالب بإعادة إطلاق تلك المبادرات.. وقمت بإرسال هذه المطالب بشكل رسمي إلى رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، وتلقيت ردودًا تؤكد أنه سيتم مناقشة الأمر خلال مؤتمر المصريين بالخارج وهناك تجاوب واضح، ونأمل أن تكون هناك خطوات عملية قريبة.
كيف تقيّمين تجربة مبادرة "سيارات المصريين بالخارج"؟
هي واحدة من أنجح المبادرات، وحققت هدفا مزدوجا، حيث مكنت المصري في الخارج من إدخال سيارة دون أعباء جمركية مرهقة، ومن ناحية أخرى، ساهمت في ضخ أكثر من 1.8 مليار دولار في خزينة الدولة عبر الودائع الدولارية، التي استردت بعد 5 سنوات، وفقا لشروط محددة.. المبادرة مثلت نموذجا للتفاوض الناجح الذي يحقق مصلحة المواطن والدولة معا، وأعتقد أن هناك فرصة حقيقية لإحيائها مع بعض التعديلات الفنية.
ما تقييمك لدور وزارة الهجرة في تعزيز موارد الدولة؟
الوزارة عملت خلال فترة عملي على 18 مبادرة رئيسية تخدم المصريين بالخارج وتدعم الاقتصاد الوطني، ليس فقط عبر تحويلات مالية، وإنما من خلال تعظيم الاستفادة من الكفاءات المصرية في الخارج وربطهم بالمبادرات التنموية، فضلا عن التعاون مع منظمات دولية مثل منظمة الهجرة الدولية لتدريب وتأهيل المصريين للعمل في الأسواق الخارجية، وهو ما توج بإنشاء "المركز المصري للهجرة والتدريب".
كيف ترين مستقبل الدبلوماسية الاقتصادية لمصر في ظل التغيرات العالمية؟
مصر تمتلك أدوات متعددة في هذا الملف، بداية من موقعها الجغرافي ومكانتها الإقليمية، مرورا بقوة الشباب في سوق العمل، وصولا إلى استقرار سياسي ومبادرات تنموية كبرى، وأعتقد أن تحويل هذه الإمكانيات إلى أوراق ضغط إيجابية هو مسؤولية الدولة عبر سياسات مرنة، تستوعب المتغيرات العالمية، مثل أزمة اللاجئين، ورسوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتحولات الاقتصادية في أوروبا وأفريقيا، ويمكن استغلال كل ذلك ليتحول إلى فرص وليس ضغوطا
وماذا عن ملف أفريقيا؟ هل لدى مصر رؤية واضحة للعودة بقوة؟
أفريقيا دائما في قلب السياسة الخارجية المصرية، ولدينا شركات وطنية أثبتت جدارتها في السوق الأفريقي مثل السويدي وأوراسكوم، وهناك فرص هائلة في قطاعات مثل الدواء، خاصة بعد إنشاء وكالة الدواء الأفريقية في رواندا خلال عملي كمساعد لوزير الخارجية للشؤون الأفريقية، سعينا إلى استضافة مقرات منظمات إقليمية تعزز التكامل الاقتصادي، خاصة في الدول الخارجة من النزاعات، والتنمية هي المفتاح، ومتى وصلت لمجتمع معين يحدث فيه تحول نوعي.
هل يمكن لمصر تصدير الحرفيين إلى الأسواق العالمية؟
نعم، لدينا كنز حقيقي في هذا القطاع فالحرف اليدوية المصرية مطلوبة عالميا، وخلال زياراتي للولايات المتحدة لاحظت اهتماما كبيرا من منظمات المرأة وشركات صغيرة بالحصول على منتجات مصرية تراثية.. التحدي يكمن في هيكلة المنظومة، وتسهيل الإجراءات، وتدريب الكوادر الشابة بدلا من الهجرة غير الشرعية التي كثيرا ما تكون بالعدوى دون وعي كاف بمخاطرها.
في حال طرح عليك منصب في مجلس الشيوخ.. هل ستقبلين؟
أي منصب يطلب مني لخدمة الدولة لن أتردد في قبوله، سواء كان تنفيذيا أو تشريعيا. أنا أؤمن بالعمل العام كرسالة، ويشرفني دائما أن أكون في موقع يمكنني من خدمة المصريين، سواء في الداخل أو الخارج.
هل تكتبين كتابا عن تجربتك في العمل العام؟
نعم، لدي نية قوية لتوثيق مسيرتي في كتاب تحت عنوان "أيام في محبة مصر"، ليس من باب السرد الشخصي، بل لتقديم نموذج عملي يستفيد منه كل من يعمل في المجال العام، خاصة فيما يتعلق بملف المصريين بالخارج والدبلوماسية التنفيذية.
كلمة أخيرة؟
ملف المصريين بالخارج ليس رفاهية، بل أولوية وطنية وهم شريك حقيقي في التنمية، ولا بد من أن تبقى القنوات مفتوحة معهم، بسياسات مرنة، واستماع دائم، ومبادرات ذكية تضمن مصالحهم وتخدم الدولة المصرية في آنٍ واحد.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTAg جزيرة ام اند امز