مؤتمر علماء الصومال.. مواجهة التطرف ومصالحة للمؤسسة الدينية
في وقت يعاني الصومال من آفة التطرف، سلح الرئيس حسن شيخ محمود بلاده بـ"مؤتمر العلماء" لحصار الإرهاب ووأده.
ويعيش الصومال تحت رئاسة عقدت العزم على الضرب بكل ما أوتيت بقوة وأسلحة مختلفة للقضاء على الإرهاب بشكل تام.
ومن هنا كانت انطلاقة مؤتمر علماء الصومال، الممتد منذ الإثنين وحتى الخميس المقبل، بعد نجاح وزارة الأوقاف في جمع أكثر من 300 عالم دين.
وفور وصوله إلى سدة الحكم في 15 مايو/أيار 2022، أعلن الرئيس الصومالي حربا شاملة على الإرهاب، لكن كان من الضروري تغيير قواعد الصراع وطرح استراتيجية جديدة ما إن دخلت حيز التنفيذ وكسبت الرهان بالفعل خلال ثمانية شهور.
استراتيجية تضمنت محاربة الإرهاب فكريا واقتصاديا وعسكريا، والتي بدت ملامحها مع اهتمام شيخ محمود في جميع خطاباته داخليا وخارجيا على تجييش الإعلام ضد التنظيمات المتطرفة.
وفي المجال العسكري، حقق الجيش الصومالي تقدما كبيرا، وحرر عشرات المناطق ونزع المئات من رؤوس الإرهاب وقاب قوسين في الانتهاء من المرحلة الأولى من العملية العسكرية.
أما اقتصاديا، فالجهود الحكومية متواصلة وأغلقت عشرات الحسابات المصرفية التابعة للتنظيم المتطرف، وقامت بشن تشريعات جديدة للحد من تمويل الجماعات المتشددة.
وبين الضربات العسكرية والاقتصادية، ظهرت الحرب الفكرية باعتبارها "بيت القصيد" في معركة تحرير الصومال من الإرهاب، حيث كان العلماء هم المطلوبون في هذه المعركه أكثر من رجال الساسة، إذ لجأ إليهم "شيخ محمود".
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اجتمع الرئيس الصومالي مع بعض العلماء وأصدروا فتوى دينية اعتبرت حركة الشباب الإرهابية "خوارج يجب قتالهم"، واتفقوا على عقد مؤتمر كبير لعلماء البلاد.
وعلى أرض الواقع، جرى توجيه دعوة إلى جميع علماء الصومال في الداخل والخارج للتوافد إلى مقديشو من أجل توحيد الموقف وتوحيد كلمة العلماء.
سر 23 يناير
يتزامن مؤتمر علماء الصومال، بعد مرور 48 عاما من العداء المنصوب بين العلماء والدولة، وقضية إعدام العلماء، وتحديدا في عام 1975 حين طرحت الحكومة العسكرية "قانون 11".
كان قانون 11 معنيا بالأسرة والأحوال الشخصية، ونص على مفاهيم مخالفة لتعاليم الشريعة في قضية الميراث، فثار العلماء، واعترضوا عليه ودعوا بإلغائه.
آنذاك، اعتقلت السلطات الصومالية أكثر من 33 عالم دين، وأعدمت عشرة منهم في 23 يناير/كانون الثاني عام 1975، بينما قضت على الآخرين بأحكام بالسجن تتراوح بين 20 و30 عامًا.
بعد تلك القضية كانت العلاقة بين الدولة والمؤسسة الدينية في الصومال على شفا نقيض، وشهد ذلك ولادة التطرف الديني في الصومال، وشهدت الأفكار الواردة عزها منذ ذلك التاريخ إلى أن انسلخ هذا البلد الأفريقي من ثوب الاستقرار وانحسر الاعتدال الديني.
رئيس الصومال حسن شيخ محمود أدرك الأمر وقام بردم الهوة في المصالحة مع الأوساط الدينية لكسر شوكة الإرهاب في فترة الحكم الأولى بين عامي 2012-2017، ونجح جزئيا بذلك، وعاد إلى حكم الصومال لتوظيف الدين في هزيمة الإرهاب.
تاريخ المؤتمر
عقد مؤتمر علماء الصومال ثلاث مرات خلال العقد الأخير، كانت جميعها بالعاصمة مقديشو، لعل أولها في نسخة عام 2013 بمشاركة 250 عالم دين، ناقشوا مشكلة التطرف ومعالجة مشاكله وتعزيز الخطاب الديني المعتدل.
وفي عام 2019، وتحديدا شهر أبريل/نيسان، احتضنت مقديشو النسخة الثانية للمؤتمر، بحضور 40 عالم دين، وبحثوا "ردم الهوة" بين المؤسسة الدينية والدولة في الصومال وتعزيز الخطاب الديني واقتراح هيئة جامعة لعلماء البلاد.
أما الدورة الثالثة وهي الحالية، يناقش المؤتمر تأسيس هيئة علماء الصومال، وتنصيب مفتي للبلاد، وتأسيس ديوان الزكاة الوطني، وتأسيس القاضي الشرعي، وكل هذا الملفات تأتي في إطار استحداثي لم يكن قائما في البلاد سابقا.
كما يناقش المؤتمر تأسيس مجلس تنفيذي للعلماء، ومساندة الدولة في الحرب على الإرهاب وتعزيز الوحدة بين رجال الدين وراء المصالح الوطنية وإنشاء طور جديد من العلاقة بين الدولة والمؤسسة الدينية تتمتع بالتناغم بعيدا عن التنافر.
المؤتمر يطرح أيضا تقليص الفجوة المذهبية بين العلماء وتحقيق التوافق بينهم والمصالحة مع الدولة للعمل على هزيمة الإرهاب.
مظلة العلماء للصوماليات
كان هناك تواجد نسائي لافت، ولم يعد هذا المؤتمر حكرا على الرجال من العلماء، فكان للصوماليات مساحة واسعة لهم وحضور لافت كان لأول مرة.
فاطمة علي عادلي، رئيسة المظلة، قالت إن العنصر النسائي كان فعالا في تاريخ الإسلام، واستشهدت بدور أم سلمة في تنفيذ صلح الحديبية.
كما أوضحت عادلي أن علماء الصومال كان لهم دور تاريخي في جميع الجهود التي كسرت الاستعمار الأجنبي والأزمات التي شهدها الصومال، موضحة أن أبرز المناضلين كانوا من العلماء.
ولم تكتف بذلك؛ بل دعت المشاركين في مؤتمر العلماء للعب دور تاريخي مشرف لهزيمة الإرهاب وتمكين الفكر المعتدل في ربوع البلاد، مؤكدة أن هناك صوماليات عالمات في الشريعة الإسلامية كما في جميع المجالات الأخرى، وضرورة إيجاد منصة لتوصيل صوتهم وعدم تهميشهم.
من جهته، قال الشيخ آدم صوفي إن هذا المؤتمر هو مفتاح النصر للصوماليين، وتولد عن رؤية ثاقبة لرئيس البلاد، ويعتبر خطوة تاريخية للتغلب على الإرهاب والتطرف.
ويعتبر الشيخ صوفي المؤتمر نقطة التقاء المصالحة بين الدولة وعلماء الدين، وسبيل لكسب رهان الحرب على الجماعات المسلحة.
ودعا العلماء إلى الوحدة "في استئصال الفكر التكفيري للخوارج، الذي يقتل أهل القبلة في المساجد ويغلق مراكز تحفيظ القرآن".
من جانبه، اعتبر الشيخ محيي الدين شيخ عمر، رئيس علماء ولاية غلمدغ، أن "الدولة تعمل بجد من أجل لعب العلماء دورهم بتنظيم صفوفهم ونصب قيادة موحدة".
وأضاف رئيس علماء غلمدغ: "ما نشهده اليوم من معاناة التطرف أفكار واردة من الخارج، والواجب على العلماء تجفيف مصادر التطرف واقتلاع جذورها، كل الجهود ستذهب هباء ما لم نأخذ هذه السياسة".
ثلاثة مطالب رئاسية
الرئيس حسن شيخ ألقى خطابا مطولا، استمر نحو ساعة كاملة، في افتتاح المؤتمر وحمل ثلاثة مطالب تشكل أهداف المؤتمر.
لعل أول المطالب، تركز في قول الشيخ محمود للعلماء: "نريد منكم إصدار فتوى موحدة من الحكم الشرعي لحركة الشباب الإرهابية من أفكارهم وأفعالهم، ذكرناها سابقا بشكل متفرق، ونريد أن يتصدر ذلك نقاشاتكم خلال الجلسات".
أما الثاني فهو بيان يؤكد أن الدولة هي حامي الدين والمسؤولة عنه "فالدولة هي الوكيل الحصري لحماية الدين، لا يخضع المحاصصة العشائرية ولا لنظام الحكم الفيدرالي، ويتصدر الدين الأمور التي تمس جميع الصوماليين في كل مكان، وتحتل أيضا صدارة مجالات الإصلاح الاجتماعي".
الهدف الثالث من المؤتمر، فهو بحسب الرئيس الصومالي، "إقامة كيان هيئة العلماء، وطرح آليات وتوصيات التشكيل، وسنقوم بتأسيس كيان توافقي في أقرب وقت ممكن دون مزيد من التأخير".
وحذر شيخ محمود من المشاركين التمذهب والخلافات الفردية، لافتا إلى ضرورة التركيز على مواطن الاتفاق والخروج بما يخدم البلاد، واضعين المصلحة الوطنية نصب أعيننا.