الصومال 2022.. حرب ناجحة على الإرهاب بدعم دولي
ظلت حركة الشباب الإرهابية ترتع في الصومال لسنوات، وهو المشهد الذي بدأ يتغير منذ وصول الرئيس حسن شيخ محمد إلى السلطة في مايو/أيار 2022.
وبعد أكثر من 15 عاما من الحضور القوي في الصومال، بدأت وتيرة عمليات حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة في الخفوت، بعد أن كانت أخطر ذراع لتنظيم القاعدة الإرهابي وفق تصنيف أمريكي عام 2008.
وتجمع الحركة سنويا أكثر من 100 مليون دولار لتمويل أنشطتها بل حتى إرسالها إلى تنظيمات إرهابية خارج الصومال وفق تصريحات للرئيس الصومالي.
إلا أنه ومع انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود رئيسا للصومال في مايو/أيار الماضي، تغير الوضع تماما، مع الحرب التي أعلن عنها شيخ محمود للقضاء على الحركة الإرهابية التي مزقت البلاد.
استراتيجية جديدة
واعتمد الرئيس شيخ محمود على بلورة استراتيجية جديدة ثلاثية الأبعاد تعتمد على الحرب الاقتصادية، والعسكرية والفكرية، لتحقيق هدفه بتكوين دولة صومالية قوية، وهو ما يستحيل الوصول إليه في ظل وجود التنظيم الإرهابي يرتع كما يشاء في أرض الصومال.
ونجح الرئيس الصومالي في تسويق الاستراتيجية وإقناع الحلفاء الإقليميين والدوليين بها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي، ليبدأ حربه على الإرهاب فور وصوله للسلطة.
استراتيجية الرئيس حسن شيخ محمود اعتمدت بالدرجة الأولى على إثارة الشعب ضد حركة الشباب وتقديم الذخائر ونقل التركيز من الاقتتال العشائري إلى جبهة موحدة هي مكافحة الإرهاب.
واستطاعت القوات الصومالية توجيه ضربات موجعة لحركة الشباب، أدت إلى مقتل وإصابة نحو 2000 من عنصرها الإرهابية، وتحرير عشرات البلدات والقرى والمواقع الاستراتيجية جنوب ووسط البلاد خلال 6 أشهر فقط.
وإلى جانب الضربات الميدانية والعسكرية المتتالية، تمكنت الاستراتيجية الجديدة من بناء خطاب إعلامي قوي تجاه التنظيم يخدم استراتيجية الحكومة، وفرض حظر على نشر أخبار الحركة الإرهابية.
واقتصاديا، طرحت الحكومة قوانين تؤدي إلى فرض عقوبات على ممولي الحركة لأول مرة، وتجريم دفع الإتاوات لهم تحت أي ظرف أو مبرر.
هجمات مضادة فاشلة
ولم تقف الحركة الإرهابية ساكنة أمام الحرب الحكومية عليها، بل حاولت شن هجمات مضادة استهدفت الفنادق والهجمات المفاجئة على قواعد الجيش بالإضافة إلى الاغتيالات واستهداف مواقع حساسة، إلا أن تلك المحاولات لم تمنع من الحكومة مواصلة نهجها في الحرب الذي يعتبر المقاومة الشعبية والعزيمة السياسية أقوى سلاح تمتلك إدارة الرئيس الصومالي.
وسرعان ما حققت الحرب على الإرهاب نتائج سريعة ولم تستطع حركة الشباب وقف الزحف الحكومي نحو المناطق التي تخضع لسيطرتها وأثارت تلك التطورات وضع تساؤلات بقدرة حركة الشباب على الصمود والتماسك.
هل تصمد الحركة الإرهابية أمام الضربات الموجعة؟
بحسب المحلل الأمني الصومالي عبدالرحمن حاشي فإن استمرار النسق الحالي للحرب الشاملة على الإرهاب في ظل إدارة الرئيس حسن شيخ محمود يطرح التساؤلات حول قدرة حركة الشباب على البقاء.
وقال حاشي لـ"العين الإخبارية" إن حركة الشباب تواجه سؤال الوجود في ظل الرغبة والإصرار للرئيس حسن شيخ محمود على هزيمتها.
وأضاف أنه في حال توفر الاستمرارية واتخاذ المقاومة الشعبية منحى تصاعديا في ولايتي جنوب غرب الصومال وحوبالاند، ووجود دعم دولي جدي، فلن تستطيع حركة الشباب التماسك والبقاء.
وأكد حاشي خسارة المدن الكبرى، والمنافذ البحرية وتشديد سياسات مواجهة الإرهاب وحظر كافة أشكال التعاون مع الحركة الإرهابية، سيكتب نهايتها الحتمية.
دعم أمريكي
وإلى جانب الجهود الداخلية لمكافحة الإرهاب لا يمكن إغفال دور الدعم الخارجي لدعم حكومة مقديشيو، في مواجهة الإرهاب، وفي مقدمته الدعم الأمريكي، الذي يعد ضروريا لهزيمة تنظيمي داعش والشباب في البلاد.
وبالتزامن مع انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود أعاد الرئيس الأمريكي جو بايدن في 17 مايو/أيار الماضي، نشر قواتها في الصومال، بعد أن سحبها سلفه دونالد ترامب في يناير/كانون الثاني 2021 قبيل 5 أيام من مغادرته البيت الأبيض.
ويبلغ عدد القوات الأمريكية في الصومال ما بين 750-800 عنصر، يتمركزون في 5 قواعد، بهدف تدريب الجيش الصومالي وتقديم المشورة والمعدات والمعلومات الاستخباراتية.
ورغم أن دورها ليس القتال، فإن القوات الأمريكية لها مشاركات نادرة في بعض العمليات المعقدة التي تستهدف رؤوس الإرهاب مع قوات صومالية خاصة تعرف "دنب"، تتلقى تدريبات عسكرية بمعايير دولية على يد القوات الأمريكية.
وبعد إعادة انتشارها أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اتصالا هاتفيا بالرئيس شيخ محمود أكد خلاله وقوف واشنطن إلى جانب إدارته في الحرب على الإرهاب.
وخلال 2022، قامت واشنطن بتغيير قائد القيادة العسكرية في أفريقيا هذا العام من أجل دفع جهود الحرب على الإرهاب، وزار الجنرال ستيفن تاونسند القائد الجديد الصومال والتقى المسؤولين هناك، متعهدا بالعمل معهم عن قرب.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، زار الرئيس شيخ محمود واشنطن، حيث التقى عدة مسؤولين من بينهم وزيرا الدفاع والخارجية، بالإضافة إلى مستشار الأمن القومي، واستعرض معهم وجهة نظره وخططه في الحرب على الإرهاب.
واشنطن تدعم الاستقرار في الصومال
وقال المحلل العسكري الصومالي أحمد عبدالله إن إعادة انتشار القوات الأمريكية في الصومال هي خطوة كبيرة نحو السلام والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، واعتراف أمريكي فعلي بأهمية الصومال في أمن المنطقة.
عبدالله أوضح لـ"العين الإخبارية" أن دور القوات الأمريكية يتمثل المساهمة في الحرب الشاملة ضد حركة الشباب، بالتدريب والمشورة وتقديم معلومات استخباراتية، لا يستطيع الأمن الصومالي الوصول إليها.
وقال إن "قيام واشنطن بإعادة نشر قواتها خطوة تعكس قناعة أمريكية بشخص الرئيس الصومالي وخطته الأمنية، كما أنها رسالة دعم له في الوقت نفسه في مواجهة الإرهاب"، معتبرا أنها ضربة موجعة لحركة الشباب الإرهابية واعتراف أمريكي فعلي بأهمية الصومال لأمن المنطقة.
من جهته، قال المحلل الاستراتيجي حسن حاجي إن "الولايات المتحدة قوة ضاربة ضد الإرهاب بسبب ترسانتها في المسيرات وتنفيذ الضربات الجوية بدقة عالية، كما أن القصف الجوي يتمتع بفعالية كبيرة في الميدان".
وأضاف حاجي أنه من شأن هذه الخطوة تعزيز ثقة الجيش الصومالي على وقع الدعم الدولي، ورفع معنوياته ما يدفع تحقيق نتائج إيجابية وهو ما حدث بالفعل حتى الآن.
وعلى الرغم من فرض البيت الأبيض قيود شديدة لتنفيذ الضربات الجوية في الصومال، إلا أنها استمرت وأسفرت في هذا العام عن تصفية الخليفة المحتمل للتنظيم الإرهابي عبدالله نذير.
وقال حاجي إن إعادة نشر القوات الأمريكية في الصومال يساهم بسهولة في اتخاذ القرارات المهمة حول الأمن والدفاع بشكل أسرع بين مقديشو وواشنطن، مؤكدا أن الصومال حققت مكسبا آخر من تلك الخطوة الأمريكية وهو وأد المخاوف من توجه الصومال نحو سيناريو "أفغانستان-طالبان" الذي كان مطروحا وبشكل متزايد وفق خبراء أمنيين.
aXA6IDE4LjIyNy4wLjI1NSA= جزيرة ام اند امز