الصومال 2017.. أكبر نشاط عسكري أمريكي منذ 23 عاما
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسّع تفويض قواته لتنفيذ هجمات جوية أو برية في الصومال، دعما للحكومة الوطنية.
بعد عقدين وأكثر من انسحاب القوات الأمريكية من الصومال، تحت وطأة مقاومة شعبية، يُعد 2017 عام عودتها العسكرية بامتياز، وهي تكثّف غاراتها الجوية ضد الإرهابيين، في هذا البلد المتمتع بموقع جيوسياسي فريد.
لطالما كان الصومال مهما في جدول الأعمال الأمريكي، سواء إبان نظامه الماركسي، بزعامة محمد سياد بري، أو بعد سقوطه في 1991، وما تلاه من فوضى، تمددت معها جماعات متطرفة.
فسقوط الحكومة الشيوعية كان محل ترحيب عند الولايات المتحدة، لكنها لم تستفد بشكل إيجابي من ذلك، حيث ظهرت فصائل تجاهر بالعداء للإمبريالية الأمريكية، لكن بمرجعية دينية مفتعلة؛ ما أعطاها المبرر للعودة العسكرية مجددا للبلد الممزق.
وما غذّى هذه النزعة العدائية، التدخل الأمريكي، تحت غطاء البعثة الأممية التي نُشِرت في 1993، لاحتواء الانفلات الأمني والوضع الإنساني المذري.
في البدء، رحب قسم كبير من الصوماليين بالبعثة الأممية، غير أن إعادة تشكيلها تحت قيادة أمريكية، لمنحها الديناميكية اللازمة التي كانت تفتقر إليها البعثة السابقة، صرف عنها لاحقا، الزخم الشعبي.
وشيئا فشئيا، وجدت القوات الأمريكية نفسها، خلافا لبقية قوات الدول المشكلة للبعثة، في مواجهة أعمال انتقامية.
وكان محور هذه المواجهات، الجنرال محمد فرح عيديد، الذي كان يتزعم واحدة من أكثر الفصائل نفوذا في البلاد.
وفي خطوة فاصلة، استطاعت قوات عيديد اسقاط مروحيتين أمريكيتين، خلّفتا 19 قتيلا، سحل بعضهم بشوارع مقديشو، في حادثة صدمت الرأي العام الأمريكي.
وتحت الضغط الشعبي، أمر الرئيس الأسبق بيل كلينتون بسحب قواته من الصومال في 1994، ما اضطر الأمم المتحدة أيضا إلى سحب بعثتها.
وبعدها، غرقت الصومال في حرب متعددة الأطراف والأيدلوجيات، دون أن يتمكن أي فصيل من بسط سيطرته على البلاد، ودون أن تحاول واشنطن أو الأمم المتحدة التدخل على الأرض.
ووسط متغيرات محلية وإقليمية، نشر الاتحاد الأفريقي قوة حفظ سلام، بدعم أممي، في 2007، العام الذي شهد عودة التدخل العسكري الأمريكي، لكن هذه المرة مستهدفا تنظيم القاعدة.
ومنح اضطراب الأوضاع التنظيم الإرهابي موطئ قدم في الصومال، إذ حظي تنظيم القاعدة في 2010 بمبايعة حركة الشباب الإرهابية، وهي بالأساس فصيل منشق من قوات المحاكم الإسلامية التي تمتعت بسطوة كبيرة آنذاك، قبل أن تعصف بها الانشقاقات.
ومع تزايد نفوذ حركة الشباب، اتسعت رقعة الغارات الأمريكية، لكن دون وجود يذكر على الأرض، معتمدة في ذلك على البعثة الأفريقية.
وأسفرت إحدى الغارات عن مقتل زعيم الحركة، معلم آدن حاشي ايرو، في 2008.
وتلى ذلك، تشكيل أول حكومة مدعومة دوليا، نشطت اتصالاتها مع الولايات المتحدة، لدحر حركة الشباب التي كانت تسيطر على غالبية الأراضي الصومالية.
وأثمر هذا التنسيق عن طرد الحركة الإرهابية من العاصمة مقديشو، في 2011.
تكثيف الغارات في 2017
لكن التحول الأكبر طرأ في مارس/ آذار الماضي، عندما وسع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تفويض قواته، لتنفيذ هجمات جوية أو برية، دعما للحكومة الوطنية.
وينشر الجيش الأمريكي 400 عسكري على الأرض، لتقديم المشورة وتدريب القوات الحكومية، بجانب المساعدة اللوجستية.
وفي 30 يوليو/ تموز شاركت الولايات المتحدة، بجانب القوات الحكومية، في هجوم أسفر عن مقتل قيادي بارز في الجماعة المتطرفة.
وما بين 16 و17 أغسطس/ آب، خلّفت 3 ضربات أمريكية 7 قتلى وسط الإرهابيين، وذلك بعد أسبوع من غارتين أعلن عنهما البنتاجون، لكن دون تفاصيل.
وفي 13 سبتمبر/ أيلول، أسفرت 3 هجمات أمريكية عن 6 قتلى من حركة الشباب. وقبل ذلك بأسبوع، لقي 3 إرهابيين مصرعهم في غارة مماثلة.
وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، نُفذت أضخم الغارات، مخلّفة أكثر من 100 قتيل وسط الإرهابيين.
وقبل هذه الضربة بأسبوع، أعلنت واشنطن مقتل 36 من حركة الشباب و 4 من تنظيم داعش، في خمس ضربات جوية، نفذت بين التاسع والثاني عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني.
وكان تنظيم داعش قد أعلن مؤخرا عن فرع صومالي، منشق عن حركة الشباب، تبنى أول عملية انتحارية في مايو/ أيار الماضي، لكن تأثيره لا يضاهي الحركة الأم.
وفي 3 نوفمبر/ تشرين الثاني، نفذ سلاح الجو الأمريكي أول غارة ضد تنظيم داعش في الصومال، أسفرت عن مقتل عدد من مقاتليه.
وفي 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، نفذ الجيش الأمريكي ثاني ضربة جوية ضد داعش، أفضت لمقتل أحد عناصرها.
وبالمقابل، لقي جندي أمريكي مصرعه، مع إصابة اثنين، عندما كانت قوة أمريكية "تقدم النصائح والمساعدة" للجيش الوطني، خلال عملية ضد حركة الشباب، في 4 مايو/ أيار.
وقاربت مجمل الهجمات الأمريكية، منذ توسيع التفويض العسكري، الثلاثين ضربة جوية، مقابل 13 غارة في 2016.