مؤتمر الصومال التشاوري.. خطوة على طريق التوافق تواجه تحديات

اختتم المؤتمر التشاوري الصومالي أعماله، في خطوة على طريق التوافق السياسي، لكن التحديات لا تزال قائمة.
المؤتمر، الذي استمر 4 أيام وأنهى أعماله أمس الخميس، لاقى ترحيبًا من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، الذي اعتبره "إنجازًا بارزًا" على طريق بناء الدولة وترسيخ الاستقرار.
لكن المشهد لا يخلو من التحديات والتجاذبات، وسط غياب بعض الأطراف الفاعلة، وعلى رأسها ولايتا بونتلاند وجوبالاند، وقوى معارضة.
وانعقد المؤتمر التشاوري في ظرف سياسي حساس، إذ لا يزال الصومال يبحث عن صيغة مستقرة للحكم بعد عقود من الصراع والتفكك المؤسسي.
وجمع المؤتمر قيادات من الحكومة الفيدرالية والولايات، وزعماء سياسيين ودينيين، ومنظمات مجتمع مدني، في محاولة لبناء أرضية مشتركة حول قضايا مفصلية شملت الأمن، والإصلاح الدستوري، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.
الرئيس حسن شيخ محمود، الذي دعا إلى المنتدى وافتتحه رسميًا، أكّد أن "المؤتمر يعكس الإرادة الجماعية للشعب الصومالي".
وقال إنه ملتزم بمواصلة الحوار مع جميع الأطراف، بغية الوصول إلى خارطة طريق تُترجم مخرجات اللقاء، الذي تضمّن في بيانه الختامي مجموعة من القرارات الطموحة تمثلت في: استكمال مسار صياغة الدستور باعتباره أولوية وطنية، الانتقال إلى نظام انتخابي مباشر، تعزيز دعم القوات المسلحة في محاربة الجماعات الإرهابية، إطلاق مشاريع تنموية لتحفيز الاقتصاد وجذب الاستثمارات، والتأكيد على وحدة وسيادة أراضي الصومال.
وفيما أشاد المؤتمر التشاوري بانتصارات الجيش الصومالي الأخيرة ضد "حركة الشباب" وتنظيم "داعش"، خاصة في شبيلي الوسطى وبونتلاند، أقرّ في الوقت ذاته بأن الإرهاب لا يزال يمثّل التهديد الأكبر.
ورغم الأجواء الإيجابية التي أحاطت بالمؤتمر، إلا أن غياب لاعبين رئيسيين مثل بونتلاند وجوبالاند، وعدد من المعارضين السياسيين، أثار تساؤلات حول إمكانية تنفيذ هذه المخرجات دون شمول حقيقي.
ويرى محللون أن عدم إشراك هذه الأطراف يحدّ من فاعلية المخرجات، ويضع علامات استفهام حول آلية بناء التوافق الوطني، في ظلّ انقسامات قائمة حول توزيع السلطة، وملف الدستور، وتقاسم الموارد.
في المقابل، تعتبر الحكومة الفيدرالية أن المؤتمر التشاوري يمثّل "مرحلة تأسيسية لتوافق أوسع"، وأن الباب لا يزال مفتوحًا أمام بقية الشركاء للالتحاق بالحوار.
ويرى عدد من المحللين السياسيين والمهتمين بالشأن الصومالي أن التوصيات الصادرة عن المؤتمر التشاوري الوطني، الذي انعقد في مقديشو، تمثّل خطوة طموحة نحو إعادة ضبط شكل الحكم وضمان الاستقرار السياسي، لكنها في الوقت ذاته تواجه تحديات عميقة قد تعيق تنفيذها على أرض الواقع.
وقال الدكتور هاشم علي حامد، الباحث في شؤون القرن الأفريقي، إن نجاح هذه التوصيات التي خرج بها المؤتمر التشاوري الصومالي يجب أن يمرّ عبر مسارين متوازيين: مسار سياسي توافقي، ومسار قانوني.
وأضاف في حديث لـ"العين الإخبارية" أن المسار السياسي يجب أن يضمن شراكة كل الفاعلين الأساسيين، على أن يقوم المسار القانوني بإصلاح دستوري شامل يُترجم التوصيات إلى نصوص ملزمة وقابلة للتطبيق.
وبحسب حامد، فإن التوصيات تعكس رغبة واضحة في إعادة هيكلة النظام السياسي الصومالي، غير أن نجاح هذه الخطوة يظلّ مرهونًا بإجماع وطني شامل، خاصة في ظلّ غياب ولايات فاعلة عن المشاورات.
من جهته، رأى الخبير والباحث في الشأن الصومالي، عبدي علي، أن التحديات قد تعيق نجاح تطبيق هذه التوصيات في ظل غياب بعض الولايات الفيدرالية، لا سيما بونتلاند.
وقال في حديث لـ"العين الإخبارية" إن غياب بونتلاند وجوبالاند وفاعلين رئيسيين من المعارضة عن مؤتمر مصيري حول مستقبل الصومال السياسي، يجعل تنفيذ التوصيات والمخرجات مرهونًا إما بحوار لاحق لتوسيع قاعدة التوافق، أو بمواجهة سياسية بين المركز والأقاليم، وهو السيناريو الذي قد يُعيد إنتاج الأزمات بدلًا من تجاوزها.
وتابع: "هناك فوارق واضحة بين طموح المؤتمر وإمكانيات التطبيق؛ فعلى الرغم من أنه اقترح مراجعة الدستور واعتماد نظام رئاسي قائم على الاقتراع المباشر، فإنه لم يذكر بوضوح آلية تعديل الدستور، لذلك، فمن دون مشاركة المؤسسات التشريعية والولايات الفيدرالية، فإن هذه المبادرات قد تبقى مجرد مقترحات معلّقة".
ويجمع عدد من المراقبين على أنه، برغم ما تحمله توصيات المؤتمر التشاوري من مؤشرات إيجابية نحو إصلاح النظام السياسي وبناء دولة أكثر تماسكًا، إلا أن غياب التوافق الوطني وشروط التنفيذ الواقعية تضع هذه المخرجات أمام اختبار حقيقي؛ فنجاحها مرهون بمدى قدرة القيادة الصومالية على تحويل التوصيات إلى مسار جامع، يوازن بين طموحات التغيير ومقتضيات الاستقرار.