الصومال.. مركز استراتيجي للأطماع الإيرانية
تقرير يسلط الضوء على الصومال كمركز استراتيجي وحائط صد ضد الأطماع الإيرانية لو كان اصطف وراء التحالف العربي بقيادة السعودية.
ماذا لو كان الوضع في الصومال مختلفاً عما هو عليه اليوم؟ أو بالأحرى، ماذا لو كان الصومال ينعم بالاستقرار والرخاء، أو لم يكن ليكون شوكة بحلق إيران؟ أو لم يكن ليكون مضاداً استراتيجياً يدمر جميع أطماعها بالمنطقة العربية؟
محللون يجزمون بصحة فرضية أكدتها تطورات الأحداث في السنوات الأخيرة، وكشفها بشكل خاص انقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن.
فلو كان الوضع في الصومال مختلفاً عما هو عليه اليوم من أزمات وحروب أهلية وقلة إمكانيات، للعب دورا محوريا في كبح جماح المشروع الإيراني في المنطقة، ولأصبح سنداً قوياً للتحالف العربي بقيادة السعودية، الذي يقاتل من أجل دحر الحوثيين وعودة الحكومة الشرعية اليمنية إلى العاصمة صنعاء.
وضع كان سيختلف كثيراً لو اختارت حكومة البلد الأفريقي الاصطفاف وراء داعميها ممن يمدون لها أياديهم من أجل البناء والاستقرار، ولاستثمار أهميتها الاستراتيجية في معاضدة الجهود لإجهاض المشروع الإيراني المار عبر البوابة القطرية.
موقع استراتيجي
يمتلك الصومال أكبر إطلالة مباشرة على المياه الإقليمية في خليج عدن، حيث يناهز طول سواحله البحرية الـ1193 ميلا مربعا، ما يمنحه موقعا استراتيجيا بمنطقة تمتد من مدينة بندر زيادة إلى رأس غردافوي، ثم تتجه جنوبا إلى رأس ديك على الحدود مع كينيا.
ومن هناك، من تلك السواحل، تمر السفن التجارية العملاقة المتنقلة بين قارات العالم، لتجعل منها نقطة استراتيجية تمنح المسيطر عليها مقاليد التحكم في طرق التجارة الدولية، وهذا ما جعل أنظار العالم تتوجه دفعة واحدة نحو منطقة القرن الأفريقي.
أهمية وجهت الأنظار إلى البحر الأحمر المرتبط بمنطقة القرن الأفريقي جنوبا، ليصبح هذا البحر بجميع خصائصه الجيوبوليتيكية محور أطماع القوى الباحثة عن موقع يضمن لها إطلالة استراتيجية تسمح لها بتفعيل أجنداتها السوداء، وهذا تماما ما يجزم مراقبون بأن قطر تسعى لتنفيذه، تمهيدا لتمكين إيران من مشروعها التخريبي.
ويستمد البحر الأحمر أهميته المحورية من وقوعه ضمن الإطار الجيويولتيكي لمنطقة الخليج الاستراتيجية، ما يجعله نقطة ارتكاز بالنسبة للأمن القومي العربي والأفريقي والدولي.
كما يعد أيضا قناة وصل بين البحار والمحيطات المفتوحة، وهو الطريق الرئيسي الذي يمر من خلاله نفط الخليج العربي وإيران نحو الأسواق العالمية، ما يفسر تكالب نظام الملالي من أجل وضع يده على المنطقة، للتحكم في مسارات الأمن العربي بشكل خاص.
الأخطبوط الإيراني
أطماع إيران في القارة الأفريقية قديمة، بل تعود إلى نحو 40 عاما، وتحديدا عقب قيام الثورة الإيرانية عام 1979، حيث أعطى النظام الجديد بالبلاد أولوية للقارة السمراء، لنشر التشيع عبر استراتيجية توسعية مشحونة بالأطماع التدميرية.
وفي ثنايا ما عرف حينها بتصدير الثورة إلى الخارج، استبطن التوجه الإيراني أطماعاً ترمي لوضع اليد على منطقـة القـرن الأفريـقي بثـرواتها وإمكـانياتها وموقـعها الاستـراتيجي الفريد.
تلك الأطماع جاءت في إطار سياسة تخريبية تخطط لبسط السيطـرة على المناطق الاستراتيجية والحيـوية في أفريقيا والعالم الإسلامي، غير أن الوجود الغربي بالقارة السمراء أربك نظام الملالي الذي رأى فيه تهديداً حقيقياً لأمنه ومخططاته، فكان أن اتجه نحـو تكثيـف وجـوده العسكري الاستخباراتي في إريتـريا والعديد من بلدان المنطقـة.
مخطط مسموم يفسر مساعي طهران الدائمة لتوطيد علاقاتها السيـاسية والاقتصـادية والتجـارية مع دول القـرن الأفريـقي، خصوصا المطـلة منها على البحـر الأحمر أو المحيط الهندي، لتستخدمها منصات تقفز من فوقها إلى العمق الخليجي والعربي، ضمن أجندة سوداء ترنو لتحقيق المشروع الإيراني الكبير.
معطيات خلص محللون من خلالها إلى أن المساعي التخريبية التي تقوم بها قطر اليوم في الصومال، إنما تشكل أولى محطات المشروع الإيراني، لأن رخاء الصومال واستقراره يمضيان عكس تيار الملالي، ويقفان حجر عثرة بوجه أطماعه.
فاستقرار الصومال يعني انخراطه في جهود التحالف العربي لاستعادة الشرعية باليمن، وإنهاء انقلاب الميليشيا الإيرانية فيه، وهذا ما لا يستقيم مع أطماع إيران ولا قطر الباحثة عن أي حليف يضمن لها تفتيت المنطقة العربية وإعادة تقسيمها.
استقرار كان سيعم البلاد بفضل الأيادي البيضاء الممتدة إليها من دولة الإمارات على مدى عقود، لتكسرها سياسة مقديشو الراهنة، والخاضعة لسيطرة الدوحة، ضمن معادلة خاسرة حرمت الشعب الصومالي فرصة الإفلات من ثقل الحروب والأزمات.