"الجذور" لتمكين المرأة بجنوب السودان.. شمعة تضيء عتمة الفضاء الثقافي
ربما كانت أنيث دي أوول، تطمح إلى إقامة مشروع منظمة تهدف لمساعدة النساء في جنوب السودان لتطوير مهاراتهن في الأعمال اليدوية المعبرة عن الثقافة المادية في جنوب السودان.
لكن أنيث لم تكن تتخيل في بداية سعيها أن تتحول المنظمة التي أسستها عام 2011 إلى أكبر مؤسسة لجمع وتوثيق التراث الثقافي المادي لمجتمعات جنوب السودان، بغرض الحصول على عائد مجزي تستفيد منه النساء المبدعات، بعد أن كن بعيدات عن الأنظار يشتغلن في حدود البيت .
تقوم فلسفة المشروع الذي يحمل اسم (ذا رووتس بروجكت)، بمعنى الجذور، على الحرف اليدوية في صناعة مشغولات الخرز "السكسك"، والتي تتنوع بحسب الثقافة التي تلعبها كأحد أدوات الزينة لدي مختلف المجموعات الثقافية التي يزخر بها جنوب السودان.
تقول أنييث دي أوول مديرة مشروع رووتس، إن المركز استطاع خلال سنوات عمله الماضية توظيف (80) من النساء من مختلف أرجاء جنوب السودان، فهناك أكثر من 24 قبيلة ممثلة في عضوية المشروع، بينهن (30) امرأة موجودة داخل معسكر حماية المدنيين التابع لبعثة الأمم المتحدة بجوبا.
وأضافت في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "يتم بيع المنتجات في المعارض داخل البلاد وخارجها، كما قمنا بتعليم أكثر من 27 من النساء أسس القراءة والكتابة ضمن فصول محو الأمية".
وخلال سنوات عمله، استطاع مشروع الجذور بسط شبكة عضويته التي وصلت إلى أكثر من 80 امرأة يعملن بمعدل دخل يكفيهن لإعالة أسرهن الصغيرة، كناتج من تسويق تلك الأعمال والمشغولات فائقة الجمال، والعالية في زوقها الفني الرفيع، لأنها ناتجة من تفاعل علاقات التبادل الثقافي بين مختلف أعضاء المجموعة التي تسعى أيضا للحفاظ على المهن والفنون الشعبية.
تقول إليزابيث جونغ، البالغة من العمر 40 عاما، إنها التحقت بمشروع (الجذور) بعد استقلال البلاد عام 2011، وانتقلت إلى منطقة البيبور التابعة لولاية (بوما) الواقعة في شرقي البلاد، بعد أن كانت تعيش مع أسرتها في العاصمة السودانية الخرطوم.
وأثناء وجودهم في المنطقة اندلعت مواجهات مسلحة بين قوات الحكومة وبعض الجماعات المسلحة، قتل على إثرها زوجها، لتفر مع أطفالها الثلاثة إلى العاصمة جوبا، وهناك تعرفت على المركز، حيث التحقت به لتعليم الفتيات كيفية صناعة الخرز الذي تتزين به الفتيات في مناطق قبيلتها (المورلي).
وتضيف لـ"العين الإخبارية": "لقد ساعدني مشروع الجذور كثيرا، فمن خلال عملي في مجال تعليم المتدربات على كيفية صناعة الخرز، استطعت إعالة أطفالي الثلاثة، كما تعلمت القراءة والكتابة".ويوجد للمركز معرض لمنتجاته بصالة مطار جوبا الدولي، كما يوجد له فرع آخر في حي بلوك الواقع وسط العاصمة جوبا، وهي واجهات لتسويق تلك المنتجات للجمهور.
لا يكتفي مشروع الجذور بتطوير المعرفة الإبداعية لعضوات المشروع فقط، وإنما يتبني برنامجا لمحو الأمية بين النساء أطلق عليه "التعلم أثناء الكسب"، من خلال تدريس أسس الكتابة والحساب.
كما يعمل المركز على تقديم مساعدات في الحالات الاضطرارية من عائد الأرباح الذي يحققه المشروع من خلال بيع المنتجات التي يتم تصنيعها في جوبا وفي العديد من البلدان في الخارج.
بجانب جميع تلك البرامج، اعتاد مركز (ذا رووتس) إقامة العديد من الأنشطة الثقافية والفنية باعتباره مركزا للإشعاع الثقافي والتنوير، حيث استضاف منذ تأسيسه العديد من المعارض التشكيلية، والكونسيرتات الموسيقية لمجموعة من الفنانين إلى جانب استضافة الأنشطة الخيرية مثل حملات استقطاب الدعم والتضامن، وعروض الموضة والأزياء، والعروض المسرحية المفتوحة للجمهور.
يقول نيانق بيتر، وهو باحث مهتم بالتراث المادي بوزارة الثقافة بدولة جنوب السودان لـ"العين الإخبارية": "هذا الجهد الذي يقوم به مشروع الجذور في جوبا يحتاج إلى تشجيعه بصورة أكبر باعتباره مشروعا متداخل من حيث الأهداف والنتائج التي يطمح إلى تحقيقها، لأن مثل تلك المبادرات ينبغي أن تتواجد في أي مشاركة لجنوب السودان في المستقبل في ظل انعدام متاحف التراث المادي التقليدي، وغياب صالات العرض الفني والإبداعي، وانعدام الواجهات الإبداعية والثقافية المتكاملة، ليظل مشروع رووتس بمثابة شمعة وحيدة تضئ عتمة الفضاء الثقافي المظلم، وتقاوم هوج رياح الإهمال في صمت بالغ وزهيد".
aXA6IDMuMjIuNDIuMTg5IA== جزيرة ام اند امز