البابا في جنوب السودان.. أمل السلام يضمد ألم العنف
في عام 2019 جثا البابا فرنسيس على ركبتيه وقبّل أقدام زعماء جنوب السودان المتنافسين، وناشدهم بالسلام إنهاء الحرب المدمرة.
واليوم الجمعة، يتوقع أن يكرر بابا الفاتيكان جوهر هذا النداء إن لم يكن شكله في رحلة سلام إلى جنوب السودان، في إطار جولة قادته أيضا إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة.
رحلة طال انتظارها في الدولة الوليدة ذات الأغلبية المسيحية الواقعة في شرق أفريقيا، والتي نالت استقلالها في عام 2011 بعد عقود من الصراع مع السودان ذي الأغلبية المسلمة.
لكن استقلال أصغر دولة في العالم لم يجلب السلام في بلد مزقته سنوات من الصراع.
وكانت القوات الحكومية الموالية للرئيس سلفا كير ميارديت، وقوات المعارضة التي تدعم نائبه الأول ريك مشار، قد وقعت اتفاقا عام 2018 ألزم الجانبين بتقاسم السلطة وتشكيل جيش موحد للبلاد.
بيْد أن تنفيذ هذا الاتفاق سار بوتيرة بطيئة واستمر العنف في التفجر بين الأطراف المتناحرة في هذا البلد الأفريقي.
وفيما يلي تستعرض "العين الإخبارية" مراحل الصراع وجهود حله
عام 2013، غرقت البلاد في حرب أهلية دامية استمرت خمس سنوات بين سلفا كير وريك مشار، خلفت 380 ألف قتيل وملايين النازحين، وسط اتهامات دولية للجانبين "بارتكاب جرائم حرب".
صراعٌ فجّره وقتها اقتتال داخلي اندلع بعد قرار الرئيس سلفا كير، عزل مشار من منصب نائب الرئيس.
والحرب التي اندلعت بين الجانبين في ذلك العام وما تلاه من سنوات كانت على أسس عرقية إلى حد كبير، حيث ينحدر الرئيس سلفا كير من قبيلة "الدينكا" أكبر مجموعة عرقية في جنوب السودان، بينما نائبه مشار فينحدر من ثاني أكبر مجموعة وهي "النوير".
وفي تقديرات أممية، فإن هناك 2.2 مليون نازح في جنوب السودان، إضافة إلى 2.3 مليون فروا من البلاد ولجأوا إلى دول أخرى.
وفضلا عن ذلك، تم إعلان المجاعة في بعض مناطق جنوب السودان في 2017، وسط تقارير حقوقية تحدثت عن أن أكثر من ثلثي السكان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية نتيجة الصراع والكوارث الطبيعية.
في سبتمبر/أيلول عام 2018، وقعت الأطراف المتناحرة اتفاق سلام في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ووصف ذلك بأنه "إحياء" لاتفاق تم توقيعه سنة 2015 لكنه انهار في العام التالي.
ودعا اتفاق 2018 إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، ودمج قوات مشار في الجيش الوطني، والمحاسبة على الجرائم التي تم ارتكابها أثناء الحرب.
قبلات السلام
في عام 2019، بعد عام من اتفاق السلام، استقبل البابا فرنسيس سلفا كير ومشار في الفاتيكان.
وفي لفتة تركت بصمة في الذاكرة السياسية والإنسانية، جثا بابا الفاتيكان على ركبتيه وقبّل أقدام الزعيمين الموجودين الآن في السلطة كجزء من حكومة وحدة وطنية، وناشدهما بأن يحترما ذلك الاتفاق.
وقال لهما حينها "شعبكما يتطلع الآن إلى مستقبل أفضل لا يمكن تحقيقه إلا من خلال المصالحة والسلام".
ومنذ ذلك الحين، تقول الأمم المتحدة إن أعمال العنف المسلحة تراجعت من قبل الأطراف الموقعة على الاتفاق بشكل كبير، مع النجاح في تنفيذ بعض بنود الاتفاق.
لكن في المقابل، اشتكى المانحون الدوليون من بطء ما اعتبروه "تحرك الحكومة صوب إنشاء كيان موحد يضم الفصائل المختلفة في الجيش، وكتابة دستور جديد، وتخصيص محكمة للمحاسبة على جرائم الحرب".
وفي أغسطس/آب من العام الماضي، أعلنت جوبا عن تأجيل انتخابات كانت مقررة في 2022 لعامين.
حينها، كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان اختارت سلفا كير مرشحا لهذه الانتخابات، وصوتت لإلغاء عضوية مشار.
في ذلك الوقت، شهدت البلاد بشكل متكرر أعمال عنف بين مجموعات مسلحة أصغر، تتناحر فيما بينها على مناطق الرعي ومصادر المياه وموارد أخرى.
يقول فيرينك ديفيد ماركو، الباحث في مجموعة الأزمات الدولية "لا يزال الناس يُقتلون في جميع أنحاء البلاد"، مشيرا إلى أنه مع العنف المستشري الحالي "الأمور أسوأ مما كانت عليه في ذروة الصراع".
آمال معلقة على "حاج السلام"
في جنوب السودان، يأمل الناس والمجتمع الدولي الذي يخشى أن تنهار المرحلة الانتقالية الهشة والممتدة في البلاد هذا العام، في أن تؤدي زيارة البابا البالغ من العمر 86 عاما إلى دفع عملية السلام، وأن يحظى الضيف بفرصة أفضل لتوصيل الرسالة.
وسيرافق بابا الفاتيكان في زيارته هذه جوستين ويلبي رئيس أساقفة كانتربري والزعيم الروحي للكنيسة الأنجليكانية، وإيان جرينشيلدز أكبر شخصية في كنيسة اسكتلندا.
سلطة أخلاقية
ويقول مختصون بالشأن الأفريقي إن الزعماء الدينيين يتمتعون "بمصداقية هائلة وسلطة أخلاقية" في جنوب السودان.
ففي ذروة القتال من أجل الاستقلال توسطت الكنيسة في إحلال السلام وإطعام المدنيين وحمايتهم وشفائهم من جميع الأطراف، في ظل الغياب التام للحكومة أو المساعدات الدولية.
وعندما اندلعت الحرب الأهلية عام 2013 دافع رجال الدين مرة أخرى عن المدنيين، ونددوا بـ"الجرائم".
aXA6IDMuMTcuMTY2LjE1NyA= جزيرة ام اند امز