الراديو في جنوب السودان يهزم التليفزيون والإنترنت.. ما السبب؟
يحظى الراديو بمكانة خاصة في دولة جنوب السودان، حيث تحتل محطات الإذاعة المحلية المرتبة الأولى بين مختلف وسائل الإعلام هناك.
ويرجع ذلك بالأساس إلى اعتبارها أكثر وسيلة إعلام متاحة يمكن من خلالها متابعة ما يدور في الدولة الناشئة من أخبار وتغطيات.
كما تمثل تلك الإذاعات بالنسبة للمواطنين هناك المتنفس الوحيد الذي يعبرون من خلالها عن همومهم وقضاياهم.
وبسبب انتشار الأمية في جزء كبير من البلاد، إلى جانب غياب البنية التحتية والخدمات الضرورية مثل الكهرباء بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، يعتمد الناس على الراديو أكثر من التليفزيون والصحف المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي.
ويرى لوار نيوك، وهو قانوني ومقدم برنامج بإذاعة هيئة البث الاستوائي بالعاصمة جوبا، أن أهمية الراديو تكمن في أنه يتيح لرجل الشارع العادي متابعة ما يدور في البلد، كما أنه يساهم بدرجة كبيرة في التثقيف و التعليم.
ويضيف لـ"العين الإخبارية": "بجانب التثقيف والتعليم، هناك أهمية للراديو في نشر ثقافة السلام، حيث أن الإذاعات متاحة في متناول اليد، ويمكن متابعتها عبر أرخص هاتف محمول، ما جعل تأثير الراديو أكبر من التليفزيون والصحف السيارة نسبة لقلة تكلفة الراديو".
وتوجد في جنوب السودان أكثر من 100 محطة إذاعية معتمدة رسميا لدى سلطة الإعلام، أغلبها إذاعات مجتمع أنشئت بتمويل من بعض المنظمات الدولية، وأغلبها منتشر في ولايات البلاد العشرة.
وهناك بعض الإذاعات الأخرى التي تعد الأوسع انتشارا بالبلاد مثل إذاعة راديو مرايا التابعة لبعثة الأمم المتحدة بجنوب السودان، وإذاعة آي راديو الممولة من منظمة انترنيوز.
وهناك أيضا محطات إذاعية مملوكة لشبكة الإذاعات الكاثوليكية، مثل (إذاعة بخيتة) في جوبا، وبعض المحطات الأخرى في واو وملكال ويامبيور ورومبيك.
وتمتلك الحكومة محطة إذاعية واحدة تبث على الموجتين القصيرة والطويلة، لكن نطاق بثها لا يكاد يصل لعدد كبير من الولايات في البلاد.
وبالنسبة للمواطنين تعتبر الإذاعة بمثابة برلمان الشعب حيث يتنفسون فيه ويبثون شكاواهم، ويعلقون من خلال برامجها التفاعلية على مجريات الأحوال بالبلاد.
يقول كلمنت ناصر، وهو أحد المهتمين بمتابعة البرامج الحوارية في الإذاعات المحلية، لـ"العين الإخبارية": "تعتبر الإذاعات بالنسبة لي واحدة من أهم المنابر، التي نتفاعل فيها مع القضايا المطروحة، ولدينا شبكة من أصدقاء الإذاعات المحلية المشهورة، نهتم بمتابعة البرامج، كما نقوم بمداخلات عبر الهاتف، فالإذاعات تتيح لنا فرصة التعبير عن الهموم التي نواجهها في البلاد، وتساعد في كشف الحقائق وتقليل مساحة الشائعات".
وتهتم الإذاعات المحلية في جنوب السودان بالبرامج ذات الطابع التوعوي ونشر رسائل السلام ومحاربة خطاب الكراهية، التوعية بالأمراض وسبل الوقاية منها وتقديم الإرشادات الصحية، خاصة عبر البرامج المدعومة من المنظمات الدولية مثل اليونيسيف وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية، إلى جانب الرسائل المترجمة إلى اللغات المحلية وعربي جوبا، والتي تتخذ في غالب الأحيان قالبا دراميا يتفاعل معه الجمهور بنسبة كبيرة.
وبالنسبة لربيكا فاسكو ،وهي ربة منزل مقيمة بالعاصمة جوبا تبلغ من العمر 34 عاما، فإن الإذاعة هي المصدر الرئيسي للمعلومات بالنسبة لديها، فهي تستخدم هاتفها المحمول في متابعة الراديو أثناء قيامها بالأعمال المنزلية.
وتضيف لـ"العين الإخبارية": "أتابع الإذاعات المحلية منذ الصباح الباكر وحتى نهاية اليوم، فهناك عدد كبير من برامج التوعية والإرشاد خاصة بالنسبة لنا كأمهات، وأنا أشكر إذاعة مرايا وآي راديو وبخيتة على الاهتمام بالبرامج الأسرية الاجتماعية، واهتمامهم أيضا بتوعية الناس عن مخاطر فيروس كورونا".
وخلال فترة إغلاق المدارس بسبب انتشار جائحة كورونا، قامت إذاعة مرايا التابعة لبعثة الأمم المتحدة بجنوب السودان، وبالتعاون مع منظمة اليونسكو ببث الدروس المدرسية حتى يتمكن التلاميذ من متابعتها من منازلهم وعدم الانقطاع عن الدراسة.
وقال ديفيد شيرر، رئيس البعثة الأممية، إن تقديم الدروس عبر إذاعة مرايا، التي تغطي كافة أنحاء البلاد: "الراديو يقرب الأسر من بعضها البعض، لأن الجميع سيتابع تلك البرامج، وسيكون في مقدور الأطفال مواصلة التعلم والحفاظ على حماسهم على الرغم من الإغلاق".
وتولي المحطات الإذاعية في جنوب السودان اهتماما كبيرا باللغات المحلية (الوطنية) مثل الباريا، الشلك، النوير، الدينكا والاشولي، حيث تخصص لها العديد من البرامج التي تهدف إلى مخاطبة قضايا تلك المجتمعات مثل قضايا العنف المجتمعي، الزواج البكر، وتنظيم الأسرة.
كما تقدم النشرات الإخبارية باللغات العربية والإنجليزية بجانب "عربي جوبا"، وهو مزيج من المفردات العربية ولغة الباريا وقليل من الإنجليزية.
وبرغم التحديات والقيود الحكومية الصارمة المفروضة عليها، إلا أن الإذاعات المحلية في جنوب السودان حافظت على ريادتها بالبلاد لكونها الوسيلة الأسرع في نقل الخبر وتبسيط المعلومة دون عناء أو تكاليف كبيرة تذكر.
وأقرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" في نوفمبر 2011 يوما عالميا هو 13 فبراير للاحتفاء بدور الإذاعة في كل عام، وقد صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2012.