الشلوخ بجنوب السودان.. ممارسة عتيقة يُعاقب عليها القانون
في العديد من المدن والمناطق بجنوب السودان، يحمل الناس علامات على وجوههم وجباههم.
بالنسبة للرجال تعتبر الشلوخ أو الوسم واحدة من العلامات الرئيسية لبلوغ مرحلة الرجولة وتحمل الصعاب والمسؤوليات، وحتى الآن لا تزال بعض المجموعات في المناطق الريفية تنظر إلى الشخص الذي لا يحمل تلك العلامات على وجهه باعتباره صبيا أو ولدا صغيرا مهما بلغ من العمر.
وتمارس مجموعات: "الدينكا، الشلك، النوير، المنداري، واللاتوكا" في مناطق أعالي النيل الاستوائية وبحر الغزال عادة الشلوخ أو الوسم كجزء من طقوس التكريس والانتقال إلى مرحلة حياتية جديدة، حيث تقام احتفالات كبيرة في القرى، يحضر فيها الشباب من مواليد العام الواحد تلك الممارسة، وتستخدم الآلات الحادة مثل الحراب والسكاكين في فصد الجباه وتقطيعها، لكن الشباب يتحملونها بصبر وجلد كبيرين إثباتا لرجولتهم وحتى لا يكونوا مصدرا للاستهزاء وسط الأسرة، أو العشيرة أو وسط أقرانهم من أبناء الجيل الواحد.
وأما عند الفتيات فتعني أن الواحدة منهن أصبحت مؤهلة للزواج، وإنجاب الأبناء بعد خضوعهن لعملية التشليخ.
قال جيمس لوال دينق، البالغ من العمر 25 عاما، من مقاطعة قوقريال التابعة لولاية واراب، إنه يشعر بارتياح كبير بعد التشليخ، لأنه كان يتعرض للابتزاز من قبل أصدقائه وأقرانه الذين كانوا يصفونه بالولد الصغير والشخص الجبان، لكنه الآن أصبح يتحرك بارتياح ويتحدث مع الفتيات اللائي كن يرفضن الجلوس معه أو التحدث إليه في السابق لأنه ولد صغير.
وأضاف في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "في قبيلة الدينكا يُنظر إليك كفتى صغير إذا كنت غير مشلخ حتى وإن كنت كبيرا في العمر، وهذا ما جعلني أخضع للتشليخ، لأنني سأواجه عدة صعوبات وسط أقراني، من بينها مقاطعة الفتيات، والتحقير".
ويرى العديد من المهتمين والباحثين في التراث الشعبي لجنوب السودان أن عادة الشلوخ جاءت مع الاستعمار الإنجليزي في بدايات القرن الماضي، والذي استخدمها للتمييز بين مختلف القبائل في جنوب السودان، وقامت تلك المجموعات باعتمادها كنمط وممارسة بلا دراية منها.
وقال فيليب توماس لاكو، الباحث والمهتم بالتراث و الفلكلور، إن عادت التشليخ انحسرت في المدن وباتت تمارس فقط في المناطق الريفية، بسبب التعليم والانفتاح على المجتمعات الأخرى إلى جانب وجود مخاطر صحية كبيرة في تلك الممارسة التقليدية.
وكانت العديد من المجتمعات تستخدم الشلوخ والفصود لأغراض صحية إذ يعتقدون أنها تعالج أمراض العيون والصداع المزمن، لكنها أصبحت بالنسبة للكثيرين في الوقت الحالي عبارة عن تشويه للوجه بعد أن كانت علامة للشجاعة، والجمال.
وعبر مكوير أجاك شول، وهو شاب من منطقة جونقلي، عن بالغ ندمه لموافقته على التشليخ عندما كان صغيرا في قريته، مشيرا إلى أن الصورة التي نقلت إليه عن مزايا الشلوخ لم تعد موجودة في واقع مجتمع المدينة الذي انتقل للعيش فيه قبل سنوات.
وأضاف لـ"العين الإخبارية": بعد أن أصبحت راشدا وبسبب انتقالي للمدينة شعرت بالندم على الشلوخ التي أحملها على وجهي، فأنا في نظر الكثير من الشباب والشابات قروي متخلف.
وتختلف الشلوخ بين مجموعة وأخرى في جنوب السودان، فالبنسبة لقبيلة النوير التي تتواجد بشكل رئيسي في ولايات أعالي النيل "جونقلي والوحدة"، يتم الشلوخ في شكل خطوط أفقية على الجبهة تتراوح مابين الستة والسبعة، فيما تجدها لدى قبيلة المنداري المقيمة في مناطق تركيكا وتالي التابعة للولاية الاستوائية الوسطى تأخذ الشلوخ شكل ثلاث سبعات على الجبهة، أما قبيلة الشلك في أعالي النيل فلديهم نوع مختلف من الشلوخ تأخذ شكل الندوب البارزة أسفل الجبهة، تعرف لديهم باسم (طاي).
وسنت السلطات الحكومية بدولة جنوب السودان بعد استقلال البلاد في العام 2011، تشريعات تحظر عملية "الشلوخ" حظرا تاما باعتباره جريمة يعاقب عليها القانون، إذ ينص قانون الطفل بشكل واضح على حماية الأطفال من جميع الممارسات الثقافية والاجتماعية المؤذية مثل القرابين والوشم ووسم الرؤوس، وخلع الأسنان.
وتحاول العديد من المنظمات المجتمعية المحلية القيام بحملات توعية بين المواطنين عن أضرار ومخاطر التشليخ أوالشلوخ الذي لاتزال المجتمعات تمارسه بصورة سرية في المناطق الريفية والقرى البعيدة، كدليل على تمسكهم بها باعتبارها جزءا من القيم والممارسات والتقاليد الثقافية التي لايصح التخلي عنها بسهولة.