نساء جبل كجور.. البحث عن لقمة عيش بين صخور جنوب السودان
"ماريا الفريد" سيدة من جنوب السودان أجبرتها ظروف الحياة أن تشق طريقها وحيدة بعد فقدان زوجها في الحروب العبثية التي شهدتها البلاد.
وتجسد "ماريا" بحكايتها معاناة شعبها والكثير من نساء بلادها وهي تبحث عن لقمة عيش لصغارها بين صخور جبل يطل على حارتها، حسب روايتها لـ"العين الإخبارية".
"لم يكن أمامي طريقا لأسلكه في البحث عن لقمة عيش لأطفالي بعد فقدان زوجي في الحرب الأخيرة سوى الحفر في هذه الصخور".. بهذه العبارات بدأت ماريا الفريد، أم لثلاثة أطفال، حديثها، موضحة أنها اضطرت إلى التوجه لجبل كجور المجاور لسكنها (غربي العاصمة جوبا)، بعد فقدان زوجها في الحرب الأخيرة التي شهدتها جنوب السودان في العام 2013.
وأضافت: "أخرج كل صباح إلى هذا الجبل كغيري من عشرات النسوة اللائي اخترن العيش على تكسير وبيع الصخور".
وتابعت ماريا حديثها وهي تحمل آلة تكسير الأحجار بيديها بعد أن حول التعب ملامح وجهها وبدت وكأنها في العقد السادس من عمرها: "نبيع هذه الأحجار بعد تكسيرها بأسعار قليلة لا تساوي ثمن التعب لكنها تقينا شر الحوجة والسؤال".
تقول: "لا أملك أي خبرة أو رأس مال لأبدأ به أي نشاط تجاري آخر، وترك لي زوجي 3 أطفال، فلجأت للجبل لأوفر قوت يومي من بيع الحجر".
وفي شئ من الرضا برغم قساوة عملها، قالت ماريا: "لم يكن أمامي أي خيار آخر، فهناك ظروف ومسؤوليات تركها لي زوجي الراحل".
وأضافت: "إنها الحرب التي اضطرتني للعمل في مهنة لا تشبه النساء، لكن الحمد لله أنني أستطيع شراء احتياجاتي البسيطة من بيع الحجارة، فالعمل ليس عيبا".
ولم تكن حكاية واسوك أندريا (48 عاما) بعيدة عن قصة ماريا في قساوتها، فهي الأخرى تعيش حكاية مأساوية بعد أن هجرها زوجها العاطل عن العمل، وتركها مع طفلتيها التوأم بسبب عجزه عن توفير مستلزمات الحياة، إلى جانب الخلافات المتكررة بينه وأسرتها، وهو ما دفعها أن تلتحق بجارتها في مهنة تكسير الصخور وبيع الأحجار، وفق إفادتها لـ"العين الإخبارية".
وتقول أندريا وهي تمسح دمعها بيديها المتربتين بعد وضع المطرقة جانبا: "ليس لدي شخص يقوم بتوفير احتياجاتي، فزوجي اختفى تماما بسبب عدم قدرته على توفير احتياجاتنا ومعاقرته للخمر، لذلك قلت إنه من الأفضل لي أن أواصل مشوار الحياة وحدي".
وأضافت: "أسرتي لا تقف معي بسبب زواجي الخاطئ على حد قولها، الآن كما ترى أعمل هنا في تكسير الحجارة لأقوم ببيعها في الطريق، ليس لدي خيار آخر في هذه الحياة".
وبالنسبة للنسوة العاملات في بيع الحجارة أسفل جبل كجور الواقع غربي العاصمة جوبا، فإنه يكفيهن فقط الحصول على ما يمكنهن من العودة لأطفالهن وهن محملات بثمن الوجبة واللبن، فالحجارة تباع في شكل "أكوام"، لا يتجاوز ثمن الكوم الواحد منها في أغلب الاحول نحو 5 آلاف جنيه جنوب سوداني، وهو ما يعادل تقريبا 9 دولارات أمريكية.
وتقول ماما سيسليا، وهي أكبرهن، إذ تبلغ من العمر 55 عاما، إنها بدأت تعمل في تكسير وبيع الصخور منذ ما يقارب الـ10 أعوام، لتساعد أسرتها المكونة من 5 أبناء إلى جانب زوجها الذي أصيب بشلل نتيجة تعرضه لحادث مروري.
وقالت: "لم يعد في مقدور زوجي الذي أقعده الشلل مواصلة العمل كسائق مركبات عامة، وأعمل لتوفير قوت الأسرة ومتطلبات زوجي العاجز بمساعدة أحد أولادي البالغ من العمر 15 عاما".
وتتابع سيسليا حديثها: "أعمل لأنني أريد توفير مصروفاتي الأسرية، أعود للبيت أحمل معي في أسوأ الفروض 5 آلاف جنيه جنوب سوداني، أقسمها على جزأين لشراء الاحتياجات وجزء لتقديمه لابني الذي بدأ نشاطا تجاريا صغيرا أمام البيت من خلال بيع الفحم أيضا".
ورغم قساوة الحرفة وصعوبتها، لكن بين ثنايا هذا العمل الشاق تتولد أفكار اجتماعية تعبر عن التكاتف بين السيدات اللاتي أجربتهن ظروف الحياة إلى شق طريقهن بين الجبال والصخور تحت وطأة حرارة الشمس التي لا تعرف فارق العمر، وهو ما كشفت عنه السيدة "ماما سيسليا"، صاحبة الـ50 عاما.
وأشارت سيسليا إلى أنها بدأت مع 30 من النسوة العاملات معها في تكسير وبيع الصخور في التفكير بشكل جاد في برنامج (صندوق) يجمعن فيه مبالغ محددة لمساعدة أي واحدة منهن حال المرض والإصابة.
وقالت: "في كثير من الأحيان تتعرض الواحدة منا لإصابة بسبب انزلاقها أو سقوطها أو في حالة المرض، حيث تعجز عن توفير متطلباتها الأسرية، لذلك اقترحنا أن نقوم بعمل (صندوق توفير) لمساعدة أي واحدة منا في حال تعرضها لأي ظرف، فنحن يجب أن نتعاون لمواجهة الحياة".
أما نورا نيجو، وهي ربة منزل مطلقة تعيش مع والدتها الكبيرة في السن وطفلتها البالغة من العمر 3 سنوات، فتقول لـ"العين الإخبارية": "نحن موجودات هنا لأننا أصبحنا المسؤولات عن تربية أطفالنا بسبب ظروف الحرب والأوضاع الصعبة، لذلك أصبحنا أقرب للأسرة الواحدة، نتقاسم معاناتنا، ونتعاون بصورة جيدة، فإذا لم ترزق الواحدة منا بزبون يقوم بشراء حجارتها، نقوم بتسليفها لحين أن يرزقها الله".
والجمعة الماضي، أكدت آلية "مراقبة وقف إطلاق النار بدولة جنوب السودان" على أن استمرار الانشقاقات في صفوف الأطراف الموقعة على اتفاق السلام وما يترتب عليها من أعمال عنف مسلحة تمثل واحدة من التحديات التي تعيق تنفيذ اتفاق السلام المنشط".
وشهدت الأشهر الـ3 الماضية وقوع مواجهات عسكرية متفرقة بين قوات المعارضة المسلحة الموالية لريك مشار والجيش الحكومي بعد انشقاق أحد جنرالات المعارضة وانضمامه للحكومة في إقليم الاستوائية.