"كونجو كونجو".. سر عمره 80 عاما في جنوب السودان
لم تعد سوق "كونجو كونجو" الذي يتوسط مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، مجرد مكان يقدم عليه الناس للتسوق وشراء البضائع.
السوق العتيقة أصبحت من أهم المزارات السياحية التي يقصدها الأجانب كواجهة ثقافية تراثية وموقع تتعايش داخله العديد من الجنسيات الأفريقية والآسيوية بشكل مدهش ومثير للاستغراب.
واشتق اسم السوق من عبارة (ماذا.. وماذا) بلغة مجموعة الباري التي تقطن مدينة جوبا وضواحيها.
أسست السوق في أربعينيات القرن الماضي، خلال العهود التي سبقت استقلال جمهورية جنوب السودان في 2011.
وتعد السوق ذاكرة للمدينة تحمل تاريخها البعيد والقريب، وتوضح التقلبات التي شهدتها البلاد كشاهد على العصر بأحداثه المختلفة.
السوق المشيدة في أجزاء منها بالمواد المحلية كالزنك والأخشاب والطين، مقسمة حسب نوعية البضائع، فهناك أماكن بيع الأزياء والزينة التقليدية للنساء والإكسسوارات المتعارف عليها لدي سكان البلد الأفريقي.
وتضم سوق "كونجو كونجو" أيضا محلات لتجار محليين، ومن دول أفريقيا أخرى مثل السودان، الصومال، أوغندا، وكينيا، جاءوا إلى السوق من بلدانهم المختلفة بسبب الانتعاش الاقتصادي الكبير الذي شهدته جنوب السودان بعد التوقيع على اتفاق السلام الشامل وتوقف الحرب الأهلية في عام 2005 ، ولم يعودوا إلى بلدانهم حتى بعد أن نال الجنوب استقلاله عن السودان.
وأصبحت اللغة المتداولة في (كونجو كونجو) هي (عربي جوبا) وهي لغة هجينة تضم مفردات عربية وبعض المفردات المقتبسة من لغة الباريا والإنجليزية.
آدم النور، تاجر سوداني يعمل في مجال بيع الأقمشة الأفريقية المعروفة باسم (الكانغا) أو (الكيتينغا)، وهي أقمشة ملونة تستخدم من قبل الرجال والنساء.
آدم أخبر "العين الإخبارية" أنه جاء إلى جوبا بعد توقيع اتفاق السلام، ووجد أن سوق "كونجو كونجو" تمثل نموذجا مصغرا للقارة الأفريقية، فيها تعلم عدة لغات وتعرف على عادات شعوب ومجتمعات لم يزرها من قبل في حياته.
وأضاف: حينما حضرت إلى جوبا من السودان كانت معرفتي بجنوب السودان وثقافاتها ضيئلة وكذلك الحال بالنسبة لبقية دول الجوار، لكن الصورة تغيرت تماما الآن.
وقال: "تعرفت على عاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم، واستفدت من الناحية الاقتصادية، لكن الأهم هو أن معرفتي قد توسعت كثيرا بأفريقيا المجاورة وهذا اكتشاف عظيم بفضل عملي في سوق كونجو كونجو".
وأكد حسن الصومالي، الذي يعمل في مجال البقالة واستجلاب البضائع بسعر الجملة من الخارج، أنه يعتبر أن وجوده في "كونجو كونجو" من الإضافات الكبيرة التي حدثت له في حياته حيث استطاع أن يتعرف على جنوب السودان بصورة كبيرة.
وأضاف في تصريح لـ"العين الاخبارية" :"الآن أنا أتحدث عربي جوبا، وهذه واحدة من الفوائد الكبيرة التي وجدتها هنا، كما عرفت بأن جنوب السودان تتكون من مجموعة كبيرة من الثقافات، فالسوق أصبحت بالنسبة لنا كالمتحف".
وفي الفترة الأخيرة تحولت سوق (كونجو كونجو) لمزار سياحي وأحد المعالم التراثية لمدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، بعد أن أصبح الأجانب يقصدونها بالاسم للتجول فيها وشراء الإكسسوارت والهدايا التراثية.
تقول فرانسيسكا دانيال، وهي موظفة تعمل ببعثة الأمم المتحدة بدولة جنوب السودان (أونمس)، إن سوق "كونجو كونجو" لا تمثل لها مجرد مكان للتسوق، بل هذه السوق تعكس الهوية الثقافية لشعب دولة جنوب السودان، مبينة أنها تقصد السوق منذ عامين لشراء الإكسسورات والأزياء الأفريقية الجميلة".
وأكدت دانيال في تصريحات لـ"العين الإخبارية" :"دائما أزور السوق من أجل التسوق، ومن خلال هذه السوق تعرفت على جنوب السودان عبر الحرف والصناعات التقليدية الخاصة بمختلف المجموعات".
ويطالب مثيانق شريلو، الصحفي المهتم بالثقافة في جنوب السودان، السلطات الحكومية الرسمية ممثلة في وزارة الثقافة بالاهتمام بهذه السوق وتنظيمها لتشكل واجهة حضارية للبلاد.
وأوضح في تصريح لـ"العين الاخبارية": "السوق تحولت لمعلم سياحي، فهي تمثل الوجدان الثقافي لشعب جنوب السودان، ويجب أن تحظى بالرعاية والاهتمام من وزارة الثقافة الاتحادية وكذلك وزارة السياحة".