"ماما ريبيكا" في جوبا.. ممارسة السياسة بـ"الحب" لا المصالح
لا تتوانى ريبيكا نياندينغ قرنق عن إثبات إمكانيات النساء في العمل السياسي، منذ تعيينها كأول نائبة لرئيس جنوب السودان العام الماضي.
وفي مقابلة مع صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية، تشير أرملة جون قرنق دي مابيور، البطل القومي الذي ناضل من أجل الاستقلال بعد عقود من الحرب بين شمال وجنوب السودان، إلى أن المساواة بين الجنسين ما زالت حلما بعيد المنال في أصغر دولة في أفريقيا.
لكنها تأمل في أن تكون مثالاً يحتذى به، حيث تؤكد على قدرة النساء على تقديم منظور مختلف عن الرجال في القيادة السياسية.
وقالت في مقابلة حصرية من مكتبها في جوبا عاصمة جنوب السودان "الطريقة التي أنظر بها إلى الأشياء كامرأة ليست مثل الرجل.. هناك شيء أسميه لمسة المرأة.. هناك لمسة نسائية في القيادة.. لأنني أنظر للأمور من كل الأوجه، وأطرح الأسئلة: لماذا لا نفعل هذا؟ لماذا لا نفعل ذلك؟".
لكنها برغم ذلك ترى أن عمل المرأة يعتبره البعض "شوكة في خاصرتهم"، لكنها تهدف إلى "التعاون مع الرجال لتحقيق أهداف الأمة".
واقتحمت السيدة المعروفة باسم ماما ريبيكا "65 عاما" السياسة بزواجها عام 1975 من جون قرنق، الرجل الذي أصبح معروفًا للأجيال المقبلة كزعيم وضع الأسس لإعلان استقلال جنوب السودان عام 2011.
وكانت ريبيكا رفيقة حياة قرنق، ورافقته في سنواته الأربع التي قضاها في الدراسة في الولايات المتحدة في السبعينيات وكذلك في الغابات والجبال كمقاتلة.
وعندما اندلعت الحرب الأهلية الثانية في ولاية بور 1983، سارع قرنق إلى اصطحاب زوجته وابنيه واقتيادهم إلى مكان آمن في ولاية جونقلي. واستمرت الأسرة في التنقل حتى وصلوا إلى ملكال في ولاية أعالي النيل.
وفي عام 1986، سافرت ماما ريبيكا إلى كوبا لتتدرب كجندية. وصعدت السلم العسكري في الحركة الشعبية لتحرير السودان من ملازم أول إلى نقيب ثم في نهاية المطاف إلى جنرال.
وكان على ريبيكا أن تعتمر العديد من القبعات. وإلى جانب مسؤولياتها العسكرية، كانت طاهية للجنود، وممرضة وزوجة للقائد العام وأم لعائلتها الكبيرة.
وفي عام 1999، كلفت ريبيكا بمهمة إنشاء منظمة غير حكومية تقدم التدريب المهني للمتضررين من النضال، والتي أصبحت تُعرف باسم وودرانز (جمعية الأرامل والأيتام والمعاقين وإعادة التأهيل في السودان الجديد)، حيث يتلقى المستفيدون من هذه المؤسسة تدريبًا للعمل في أعمال الحدادة والسباكة والنجارة.
وأنجبت ريبيكا ستة أطفال ولم يتزوج قرنق بزوجة أخرى، رغم ما كانت تمليه عليه الأعراف الاجتماعية من أن يكون لديه عدة زوجات.
وتوفي قرنق في حادث تحطم طائرة عام 2005، بعد ستة أشهر من توقيعه اتفاقية السلام الشامل مع النظام السابق في السودان، إيذانا بنهاية عقدين من الحرب التي قسمت البلاد.
وبعد ست سنوات، صوتت البلاد لصالح الاستقلال بأغلبية ساحقة في الاستفتاء. لكن الفرحة لم تدم طويلا. ففي عام 2013، اندلع قتال عنيف، بسبب الصراع السياسي والقبلي في الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة.
وذكر تقرير نشرته كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة في عام 2018 بتمويل من وزارة الخارجية الأمريكية، أن الحرب الأهلية تسببت في مقتل ما يقرب من 400 ألف شخص وتشريد ما يصل إلى أربعة ملايين شخص. وواجهت النساء على وجه الخصوص وطأة سنوات من العنف والانتهاكات والأعراف القمعية.
وبعد اندلاع الحرب الأهلية، توجهت ريبيكا إلى كينيا في منفى اختياري وعادت في عام 2018، عندما وقع الرئيس سلفاكير ميارديت اتفاقية سلام مع الفصائل المتمردة لإنهاء الحرب.
وفي فبراير/ شباط العام الماضي، تم تعيينها كواحدة من خمسة نواب للرئيس في إطار جهود الوحدة الوطنية لإعادة بناء البلاد وإنهاء الانقسامات العرقية.
وتسعى ريبيكا إلى تغيير الصور النمطية التقليدية بعد توليها منصبًا قياديًا.
وتقول "كانت هناك مشاعر مختلطة تجاه تعييني. لم ينظروا إلي على أنني مدام ريبيكا، لكنهم كانوا ينظرون إلي كزوجة جون قرنق. لذلك، كانوا يعتقدون أنها قد تقوم بعمل جيد لأنها كانت زوجة جون قرنق".
وردا على سؤال عما إذا كانت المرأة تعمل بشكل مختلف في إدارة بلد ما، قالت إن الرجال جشعون وأنانيون.
وتابعت "نحن نحمل الناس في قلوبنا كنساء. لكن الرجال يحملون مصالحهم"، مضيفة "إنهم يفكرون في الانتخابات المقبلة".
وتعمل ريبيكا، المسؤولة عن المساواة بين الجنسين والأطفال والرعاية الاجتماعية في البلاد، على معالجة التفاوت بين الجنسين الذي يؤثر على العديد من جوانب حياة المرأة في جنوب السودان، بما في ذلك التعليم والصحة والعنف الجنسي.
وتقول عن ذلك في جنوب السودان، تزيد نسبة النساء عن 50 بالمائة. لذلك، أردت أن أشهد مشاركة النساء في بناء الأمة. إذا قمنا بتمكين المرأة اقتصاديًا، فإن هذا البلد سيعمل بسلاسة.
ويهدف جنوب السودان إلى مشاركة النساء بنسبة 35 في المائة في مؤسسات الدولة، وهو ما تم ترسيخه في اتفاقية السلام عام 2018.
ريبيكا ترى أن الحفاظ على السلام الذي تم تحقيقه بشق الأنفس بعد الحرب الأهلية وتعزيز ديناميكيات تقاسم السلطة يشكل أهمية قصوى لسن سياسات طموحة وتحقيق التقدم في البلاد.
وتضيف "نحتاج إلى إصلاح الفوضى التي أحدثناها أولاً ، بشكل أساسي لتحقيق الأمن لشعب جنوب السودان ، ولإصلاح اقتصاد هذا البلد".
وتعترف السيدة قرنق بأن هناك "ثقافة خوف" بين الشباب، الذين يخشون الحديث حول كيفية إدارة البلاد.
وحول إمكانية تولي سيدة رئاسة جنوب السودان قالت "ريبيكا" إن الأمر لا يتعلق بالمنصب بل بما يقدمه الشخص للشعب.
وقالت "أريد أن أبذل قصارى جهدي في هذه الوظيفة لشعب جنوب السودان.. النساء والأطفال يتوقون إلى عمل جيد.. آذانهم تتوق للكلمات الطيبة.. وأعينهم تتوق لرؤية الإنجازات في بلدهم، بلد غني مثل جنوب السودان، لا يستطيع الناس فيه الحصول على أي شيء".