الاقتتال القبلي.. عنف يهدد سلام جنوب السودان
استقرار هش في دولة جنوب السودان، تهدده حوادث نهب المواشي والعنف القبلي، وسط تعثر سياسي أرجأ استكمال هياكل الحكومة الانتقالية.
حوادث متفرقة ترفع منسوب الضبابية في ظل تأخر التوصل إلى توافقات بين الحكومة وأحزاب المعارضة السياسية التي تعاني بدورها من صراعات داخلية.
اقتتال قبلي
رغم الهدوء النسبي وانخفاض حدة التوتر بين الحكومة والمعارضة، فإن ارتفاع منسوب العنف القبلي بالسنوات الخمس الأخيرة، على خلفية عمليات نهب الأبقار، شكل تهديدا حقيقيا لاستقرار البلاد.
اقتتال عشائري رفع معدلات النزوح والتشريد القسريين، وتسبب في تدمير البنية التحتية وانعدام الخدمات، وتعطيل المنظمات عن تقديم المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى تفشي المجاعة والمزيد من الأمراض.
وتعاني مناطق ولاية "جونقلي" الواقعة شرقي البلاد، وغيرها من المناطق بولاية البحيرات (وسط)، من حالات العنف بسبب الغارات التي يشنها الرعاة المسلحون على معسكرات الأبقار المنتشرة في تلك المناطق.
ومع أن تلك الغارات تهدف أساسا لسرقة الأبقار، إلا أنها عادة ما تترافق مع أعمال تخريب واسعة، مثل حرق القرى واختطاف النساء والأطفال، وقتل شباب من الرعاة المسلحين.
ووفق تقارير لمنظمات مختصة، فإن أعمال العنف المسلح التي وقعت بين المجتمعات المحلية لأسباب عشائرية وقبلية، أودت، في 2020، بحياة نحو ألفين و400 مدني في دولة جنوب السودان، وفق حصيلة غير رسمية.
وقال أدموند ياكاني، المدير التنفيذي لمنظمة تمكين المجتمع للتنمية (محلية مستقلة)، إن موجة الاقتتال القبلي والعشائري ارتفعت بدرجة غير مسبوقة خلال الأعوام الثلاثة الماضية (2017-2020)، بسبب "التسييس وانعدام فرص العمل أمام الشباب في المجتمعات القروية."
وتتعدد الأسباب الكامنة وراء تزايد غارات نهب الأبقار والعنف القبلي في جنوب السودان، أبرزها الانتشار الكثيف للسلاح بصفوف المواطنين بالمناطق الريفية التي تقطنها عرقيات "الدينكا" و"النوير" و"المورلي"، دون أي رقابة حكومية، فضلا عن قلة الموارد الطبيعية، وخاصة المراعي التي تتسبب في حالات الاقتتال بين المجتمعات الرعوية، خصوصا بموسم الجفاف.
كما مثل غلاء مهور الزواج التي تدفع في شكل أبقار، عاملا رئيسيا لتزايد عملية نهبها.
هيبة الدولة بالقوة
سايمون دينق، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، يرى أن القاسم المشترك بين غارات نهب المواشي والنزاعات المتصاعدة في جونقلي والبحيرات، يعود لما تمثله الأبقار من مصدر أساسي للثروة بتلك المناطق.
وقال دينق، في حديث لـ"العين الإخبارية": "من الطبيعي أن تبرز هذه المشكلة في ظل ضعف السلطة التنفيذية وغياب سيادة القانون، حيث تحكم العشائر قبضتها على مفاصل الحياة، وتقوم بفرض سيادتها وتتقاتل فيما بينها دون مساءلة".
وأوضح أن "الصراع العشائري في جنوب السودان ضارب في القدم، وكان يتمحور حول الأرض والمراعي والبقر والنهب المتبادل بين القبائل والعشائر".
واستدرك: "لكن الخسائر البشرية لم تكن بهذا الحجم المخيف"، مرجعا ارتفاع الخسائر لاستخدام الأسلحة الحديثة.
واستعرض دينق الحلول التي يجب أن تستخدم من قبل الدولة، معتبرا أن الحل العاجل لتلك الصراعات يكمن في أن "تفرض الدولة هيبتها بالقوة في مرحلة أولى، وتعمل على نزع سلاح العشائر تدريجيا لفرض سيادة القانون، وسن قوانين رادعة، خاصة بعد فشل استراتيجية المصالحات العشائرية التي لم تحقق أي نتائج مرجوة".
انتشار السلاح
فشلت الحكومة في السيطرة على غارات نهب الأبقار بسبب المقاومة المسلحة التي تواجه حملات نزع السلاح الحكومية.
ورغم إعلان الحكومة، في 2020، حالة الطوارئ في ولايات جونقلي والبحيرات وواراب، فإن معدلات الموت تشهد ارتفاعا غير مسبوق في تلك المناطق.
وأرجع اتينج ويك اتينج، السكرتير الصحفي لرئيس دولة جنوب السودان، تواتر غارات نهب الأبقار بشكل واسع مؤخرا، إلى امتلاك المواطنين للأسلحة الحديثة وحصولهم على الذخائر بصورة سهلة، مشددا على أن السلطات الحكومية ستتعامل مع ناهبي الأبقار الذين يتسببون في أعمال العنف بين العشائر بشكل حازم وجاد.
وأضاف، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن الأوضاع الأمنية باتت في تحسن مستمر بعد تشكيل الحكومة الانتقالية، وبدء تنفيذ اتفاق السلام الموقع مع المعارضة.
وسبق أن حذرت بعثة الأمم المتحدة بدولة جنوب السودان من تفاقم موجات العنف والاقتتال العشائري وغارات نهب الأبقار.
وقالت، في بيان، إن هذه الأعمال قد تقود لتقويض العملية السلمية التي تشهدها جنوب السودان حاليا، مطالبة الحكومة الانتقالية بضرورة التدخل الفوري للسيطرة على الأوضاع الأمنية المنفلتة في تلك المناطق.
من جانبه، اعتبر دينق مكواج، أحد القيادات الشبابية بولاية البحيرات، أن ارتفاع وتيرة الاقتتال العشائري وغارات نهب الأبقار يعود لغياب الحكومة.
وقال، لـ"العين الإخبارية"، إن هذا الغياب قاد العشائر والأفراد إلى امتلاك السلاح لحماية أنفسهم وأبقارهم في المعسكرات من هجمات الغزاة.
وتابع: "نحن نشتري السلاح مقايضة بأبقارنا، ونستخدمه في الدفاع عن أنفسنا وحماية قطعاننا واسترداد الأبقار المنهوبة".
وأردف: "الأبقار تعني كل شيء في حياتنا، نعم هي تسبب لنا المشاكل، لكننا لن نتخلى عنها، فقط نطلب من الحكومة توفير الحماية قبل التفكير في نزع أسلحتنا".
ومنتصف العام الماضي، نفذت السلطات الحكومية بجنوب السودان حملة لنزع السلاح من أيدي المواطنين في مناطق واراب ومقاطعة تونج، بعد تزايد أعمال العنف وتنامي غارات نهب الأبقار.
إلا أن الحملة لم تستمر بسبب حالة المقاومة الواسعة التي واجهتها من قبل مجموعات الشباب المسلح وارتفاع أعداد القتلى.