جنوب السودان 2019.. متاريس تعوق السلام وآمال معلقة بـ2020
الأطراف المتصارعة في جنوب السودان ظلت طوال 2019 حريصة على عدم خرق اتفاقية وقف العدائيات بمساعدة من مجلس الأمن ورعاة السلام الإقليميين.
شهد عام 2019 في دولة جنوب السودان تجدد مساعي السلام لتفعيل اتفاق السلام المنشط في سبتمبر/أيلول 2018، الذي وقعت عليه أطراف النزاع وكانت آمال كثيرين من بناء جنوب السودان معقودة على هذا الاتفاق.
الاتفاق كان محاولة لإعادة الأمل بعد معارك ضارية في جوبا بين الجيش وقوات المعارضة بقيادة ريك مشار في يوليو/تموز 2016 اندلعت عقب توقيع الأطراف اتفاق سلام في أغسطس/آب 2015.
ويسود جنوب السودان حالياً سلام يشوبه حذر وترقب، لاسيما أن المتصارعين في هذه الدولة الناشئة لا يزالون يخطون خطوات بطيئة نحو سلام دائم ومستقر طال انتظاره لأكثر من 4 أعوام من حرب أهلية استنزفت طاقات كبيرة.
حصاد السلام
مضت على عملية السلام في جنوب السودان ما يربو على عام ونصف العام دون تشكيل الحكومة الانتقالية بين الأطراف، إلا أن الجانب الآخر الذي يخرج منه وميض ضوء للآمال المعقودة على عملية السلام هو الوقف الدائم لإطلاق النار بين قوات الحكومة بقيادة الرئيس سلفاكير ميارديت، وقوات المعارضة بقيادة ريك مشار زعيم الحركة الشعبية في المعارضة.
ظلت الأطراف طوال 2019 حريصة على عدم خرق اتفاقية وقف العدائيات بمساعدة من مجلس الأمن الدولي ورعاة السلام الإقليميين، خاصة وساطة "الإيغاد" جنباً إلى جنب مع دولتي السودان وأوغندا الضامنتين لمعاهدة السلام.
ورغم ذلك تم تمديد الفترة الانتقالية مرتين على التوالي آخرها مخرجات قمة "عنتيبي" الأوغندية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بين الرئيس الأوغندي يواري موسفيني والسوداني عبدالفتاح البرهان، حيث جمعت القمة أيضاً كلا من رئيس البلاد سلفاكير ميارديت وغريمه المعارض ريك مشار، واتفق الطرفان على تمديد بداية الفترة الانتقالية إلى 3 أشهر إضافية تنتهي في 12 من فبراير/شباط المقبل، وذلك بعد أن فشلت الأطراف في تشكيل الحكومة الانتقالية للمرة الثانية منذ عام من توقيع الاتفاق.
جهود الفاتيكان
قاد البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، جهود مصالحة بين رئيس دولة جنوب السودان وزعيم المعارضة ريك مشار، ووجه الدعوة للرئيس سلفاكير ونائبه الأول تعبان دينق وزعيم المعارضة ريك مشار وآخرين إلى الفاتيكان في أبريل/نيسان 2019 لعقد المصالحة بينهم والعمل من أجل السلام في بلادهم.
ويرى خبراء ومحللون أن جهود الفاتيكان تصب في مصلحة العملية السلمية في البلاد.
ويرى المحلل السياسي، أندريا ماج، في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "مقصد الفاتيكان هو أن يسود السلام في جنوب السودان عام 2020".
ويحذر "ماج" من أن انعدام الثقة بين الأطراف المتصارعة في جنوب السودان تمثل عائقا، مشيرا إلى أن الحرب انتهت بتوقيع الاتفاق على الورق لكنها ما زالت في القلوب، على حد تعبيره.
ويمثل تمديد الفترة الانتقالية 6 أشهر في مايو/أيار الماضي مسكنا مؤقتا لمعالجة القضايا العالقة في الاتفاق الذي يمثل حجر عثرة في المضي إلى الأمام خاصة الملفات الأمنية والسياسية في البلاد التي شردت الحرب الأهلية نصف سكانها، ويواجه النصف الآخر شبح المجاعة، بحسب وكالات الأمم المتحدة.
الترتيبات الأمنية
الأمل معقود على عام 2020 كفرصة يتمكن خلالها أطراف السلام في جنوب السودان من تحقيق اختراق حقيقي على الأرض، فهناك عشرات المناطق لتجميع القوات المشتركة لا تزال غير مجهزة.
وينتظر أكثر من 80 ألف جندي من الوحدات المدمجة الموحدة أوامر التحرك إلى مناطق التدريب، فيما لم تف الحكومة بوعدها بدفع مبلغ يقدر بـ100 مليون دولار لعملية التجميع والتدريب والدمج، حيث تشكو من انعدام الأموال اللازمة لتلك الترتيبات الأمنية.
وبحسب محللين، فإن ملف الترتيبات الأمنية هو الأكثر تعقيداً في مستقبل السلام في جنوب السودان.
ويرى الدكتور، جيمس أوكوك، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة جوبا، أن الترتيبات الأمنية كشفت عن حقيقة المعلومات التي تم تداولها أثناء التوقيع على اتفاقية السلام، ومفادها أن الأطراف ليست على دراية بالحقائق العسكرية في الميدان، حيث غياب الرابط بين القيادة السياسية والعسكرية.
وقال أوكوك، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن المعضلة الكبيرة في الترتيبات الأمنية هي فقدان القادة السياسيين السيطرة على القوات في الأرض، ما أفرزت حالة من عدم التنسيق الذي بدوره أثر سلباً على الفترة الانتقالية وتكوين الحكومة.
واقترح الأكاديمي بجامعة جوبا على الوسطاء التحدث مع القادة الميدانيين بصورة مباشرة والاستغناء عن اللقاءات المباشرة بين الرئيس سلفاكير وزعيم المعارضة ريك مشار لعدم جدية ذلك.
الولايات والحل السياسي
على غرار الملف الأمني يحتدم النقاش بين الحكومة وقوى المعارضة برعاية "الإيغاد" حول عدد حدود الولايات، ففي الوقت الذي تتمسك فيها الحكومة باثنين وثلاثين ولاية، ترفض قوى المعارضة ذلك وتعتبر الأمر مخالفة لاتفاقية السلام التي نصت صراحة على 10 ولايات بحدودها الإدارية القديمة.
وفي السياق نفسه، خاض نائب رئيس جنوب أفريقيا، ديفيد مابوزا، خلال 2019 جهوداً استمرت لمدة 3 أيام في جوبا مع أطراف السلام إلا أن تلك الجهود لم تفض إلى نتيجة نهائية غير أن قوى المعارضة اقترحت 24 ولاية خلافاً لـ32 التي تتمسك بها الحكومة، الأمر الذي أدى إلى إرجاء المشاورات إلى نهاية ديسمبر/كانون الأول الجاري.
ومن المتوقع أن تقترح الوساطة حلا وسطا ومرضيا للأطراف، ومع ذلك يقول الخبير السياسي "البينو أكول" في تصريحات لـ"للعين الإخبارية": إن الفرضية المتاحة الآن هو الحل السياسي، وذلك لاستحالة إجراء الاستفتاء بسبب انعدام الأموال.
ومع استشراف العام الجديد، يلوح في الأفق بوادر مواجهة جديدة بين جنوب السودان والمجتمع الدولي، حيث أكد مجلس الأمن فشل الأطراف في تشكيل الحكومة في موعدها، واستدعت الولايات المتحدة سفيرها في جوبا احتجاجاً على ما أسمته بسوء الأوضاع الأمنية.
كما أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في تصريحات له في 12 من الشهر الجاري أن الولايات المتحدة الأمريكية ستفرض عقوبات على التأشيرات ضد أي شخص يعرقل عملية السلام في جنوب السودان.
ودعا بومبيو، جميع الأطراف بالالتزام بقواعد وشروط العملية السياسية في جنوب السودان.
وفرضت الولايات المتحدة الأمريكية، في الـ11 من ديسمبر/كانون الأول الجاري، عقوبات على 5 مسؤولين من جنوب السودان، تقول إنهم مسؤولون عن مقتل 2 من نشطاء حقوق الإنسان عام 2017.
وتوقع، أنقوك مليك، رئيس تحرير صحيفة "صوت جنوب السودان" في تصريح لـ"العين الإخبارية"، إن العام الجديد سيكون أكثر سخونة نسبة لعدم تنفيذ بنود مهمة في اتفاقية السلام التي أوقفت حربا أهلية اندلعت في ديسمبر/كانون الأول 2013، أودت بحياة 400 ألف شخص، طبقاً لإحصاءات منظمات دولية.
aXA6IDMuMTM3LjE4MS42OSA= جزيرة ام اند امز