العلاقة بين أردوغان وصويلو علاقة قديمة تعود إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي، عندما كان أردوغان رئيسا لبلدية إسطنبول
سارعت أقطاب المعارضة التركية لا سيما حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية إلى القول إن استقالة وزير الداخلية التركي سليمان صويلو مجرد مسرحية من ترتيب القصر الجمهوري وتحديدا من الرئيس رجب طيب أردوغان. لكن قراءة دقيقة في طبيعة الصراع السياسي القائم داخل بنيان نظام الرئيس أردوغان، وحسابات الأطراف المتصارعة، تضعنا أمام أبعاد هذه الاستقالة ودلالاتها السياسية، في وقت يتفكك فيه حزب العدالة والتنمية الحاكم، ويجابه النظام الرئاسي الذي منح أردوغان صلاحيات شبه مطلقة مزيدا من الانتقادات في ظل تزايد الدعوات للعودة إلى النظام البرلماني.
العلاقة بين أردوغان وصويلو علاقة قديمة تعود إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي، عندما كان أردوغان رئيسا لبلدية إسطنبول العامة وصويلو رئيسا لبلدية غازي عثمان التابعة لبلدية إسطنبول
العلاقة بين أردوغان وصويلو علاقة قديمة تعود إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي، عندما كان أردوغان رئيسا لبلدية إسطنبول العامة وصويلو رئيسا لبلدية غازي عثمان التابعة لبلدية إسطنبول، وقد تعمقت هذه العلاقة مع مرور الزمن، حيث تسلم صويلو رئاسة الحزب الديمقراطي عام 2008 فيما كان أردوغان رئيسا لحزب العدالة والتنمية، لينضم صويلو لاحقا إلى حزب العدالة والتنمية على وقع صفقة بين الرجلين، لوحظ خلالها بداية التحالف الذي نشأ بين أردوغان وما تسمى بالدولة العميقة في تركيا التي تتحكم بالمفاصل الأساسية للدولة التركية.
ومع انضمام صويلو لفريق أردوغان نائبا لرئيس حزب العدالة والتنمية ووزيرا للداخلية عام 2016، شكل الرجل سيفا أمنيا متشددا لأردوغان في مواجهة التيارات السياسية الأخرى، إذ أصبح صويلو يمثل تيارا قوميا يزايد على تيار حزب الحركة القومية المتطرفة دولت ياهجلي حليف أردوغان الدائم في الانتخابات وتمرير مشاريع القوانين في البرلمان.
حجة صويلو في تقديم استقالته، هي الانتقادات التي وجهت له على خلفية فرض حظر تجوال شامل في 31 ولاية تركية مع أن القرار صدر عن الرئيس أردوغان وليس صويلو الذي سبق أن قدم استقالته على خليفة صراعه مع صهر أردوغان ووزير ماليته براءات البيرق الذي يعده أردوغان لخلافته، وهو ما يؤكد هشاشة حجة صويلو في التذرع بالانتقادات الشعبية التي وجهت له، خاصة أن نظام أردوغان لا يأبه للانتقادات الشعبية لقراراته وممارساته السلطوية.
الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن البال، هي اشتداد الصراع في بنية نظام أردوغان لا بسبب خروج الرفاق القدماء من حزب العدالة والتنمية، أمثال أحمد داود أوغلو وعلي باجان وغيرهما، وتأسيس هؤلاء لأحزاب جديدة من رحم حزب العدالة والتنمية، وإنما من الصراع الناشب بين صويلو والبيرق على خلافة أردوغان وسلطاته، في ظل التقارير التي تتحدث عن مرض أردوغان وتفاقمه في الفترة الأخيرة، فصويلو بدأ يحس بجدية محاولة أردوغان ترتيب الوضع لخلافة صهره، في وقت يحس صويلو بأنه الرجل القوي القادر على قلب الطاولة على أردوغان وتغيير المشهد السياسي لصالحه، إذ إن صويلو فضلا عن كتلته القوية داخل حزب العدالة والتنمية على علاقة جيدة مع حزب الحركة القومية وسط حديث عن احتمال انضمامه للأخير، تمهيدا لزعامته في ظل تدهور الحالة الصحية لزعيمه دولت باهجلي، ولعل ما يشجع صويلو على السير في هذا الطريق هو التراجع الكبير في شعبية حزب العدالة والتنمية وتفككه، ولعل ما يؤخر الكشف عن هذه الوقائع هو انشغال الجميع بأزمة تفشي كورونا.
الثابت أن أردوغان سيتمسك بصويلو حتى النهاية، كيف لا وهو الرجل الأمني القوي الذي شهر سيف إجراءاته ضد جميع المناهضين لحكم أردوغان من أنصار جماعة غولن إلى الحركة القومية الكردية، وصولا إلى المنظمات اليسارية. كيف لا وقد تحول صويلو بعد أوغلو إلى منظر للطموحات أردوغان التوسعية، ولعل الجميع يتذكر ما قاله صويلو قبل أشهر عندما صرح بأن معظم سكان شمال سوريا هم من الأراضي الواقعة في حدود الميثاق الملي الذي يعد مناطق واسعة من شمال سوريا والعراق هي أراضٍ تركية، اقتطعت منها بموجب اتفاقية لوزان، كما أن صويلو نفسه هو مهندس تجنيس عشرات آلاف اللاجئين السوريين في تركيا والداعي إلى منح الجنسبة التركية لقرابة مليون طفل سوري في تركيا.
ربما أراد صويلو بتقديم استقالته تخفيف حدة الانتقادات الموجهة لأردوغان، بسبب سياسته الشعوبية والارتجالية في مواجهة تفشي وباء كورونا، ولكن الثابت أن هذه الاستقالة تعبير عن صراع يستعر مع القطب الذي يقوده البيرق داخل البيت الأردوغاني وعلى خلافته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة