مباراة الـ"عسكرة الفضائية".. روسيا تسجل هدفا جديدا
لم يعد سباق التسلح بين الدول يعتمد على أسلحة أو أماكن تقليدية، وبات ما كان يطلق عليه أفلام الخيال العلمي وحروب المستقبل واقعا ملموسا.
وانتقل هذا السباق المحموم من الأرض والبحر إلى الفضاء، وباتت سماء العالم أشبه بخريطة عسكرية لـ"الأسلحة الفضائية" تسعى فيه كل دولة إلى منطقة نفوذ، سواء عبر الأقمار الاصطناعية العسكرية، أو عبر الصورايخ الباليستية التي تستخدم لتدمير تلك الأقمار.
ضربة البداية
وجاءت ضربة البداية في سباق التسلح الفضائي من أمريكا، التي أوعز رئيسها آنذاك دونالد ترامب، في 18 يونيو/حزيران 2018، لوزارة الدفاع بإنشاء "قوة فضائية".
تلاها ترامب بأمر في 18 ديسمبر/كانون الأول من نفس العام بإنشاء "قيادة عسكرية للفضاء" كهيكل تنظيمي جديد داخل البنتاغون يسيطر كليا على العمليات العسكرية الفضائية.
وقال حينها، من مقر البنتاغون: "إن حياتنا كأمريكيين ليست مسألة هوية وطنية، ولكنه أمن قومي، وهو أمر مهم عسكريا ولا يتحدث عنه أحد".
وكان هدف ترامب المعلن هو "هيمنة أمريكا على الفضاء"، مؤكدا حينها أنه "عند الحديث عن تعريف أمريكا لا يكفي الإشارة إلى وجودها في الفضاء، ولكن يجب أن تكون لها الهيمنة عليه، وهذا هو المهم".
وبحسب مذكرة ترامب لوزير الدفاع آنذاك جيم ماتيس، فإن إنشاء تلك القيادة "يتماشى مع قوانين الولايات المتحدة"، ويشدد على أن تكون قيادة الولايات المتحدة الفضائية "قتالية موحدة وفعالة".
وخصصت الولايات المتحدة ميزانيةً ضخمةً لنشر أسلحة "الضربة الفضائية"، وبناء هيكلٍ قتاليٍ يمكنه تطهير الفضاء الخارجي من الممتلكات المدارية حال نشوب صراع مع تلك الدولة.
وحينها أبدت الصين معارضتها لـ"عسكرة الفضاء"، كما أبدت روسيا معارضتها لكن الولايات المتحدة لم تتراجع عن خطواتها.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في 2 نوفمبر/تشرين الثاني، إن "الولايات المتحدة بمفردها ترفض بدء محادثة حول الاقتراح الذي تقدمت به موسكو وبكين لمؤتمر نزع السلاح، لمنع سباق التسلح في الفضاء الخارجي".
جاء ذلك بعد مؤتمر الأمم المتحدة لنزع السلاح الذي انعقد في مايو/أيار 2019 بجنيف، حول "سباق التسلح في الفضاء الخارجي"، بهدف استكشاف الأدوات الحالية والفرص والخيارات المتاحة التي تحول دون عسكرة الفضاء الخارجي، لكن الولايات المتحدة انسحبت احتجاجا على تولي فنزويلا الرئاسة الدورية للمنتدى الذي تشرف عليه الأمم المتحدة.
كما انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ الباليستية المضادة في عام 2002، الذي أعطاها حرية التصرف والمضي قدما في الدفاعات الصاروخية، وهو ما يشكل تهديدا كبيرا.
وفي مارس/آذار 2019، خصصت وزارة الدفاع الأمريكية 304 ملايين دولار لإنشاء كوكبة مدارية من أقمار اصطناعية وبناء واختبار أسلحة "نيوترونية" تدور حول الأرض لاعتراض الصواريخ الباليستية وتدميرها.
مخاطر "عسكرة الفضاء"
وتؤثر الأسلحة الفضائية على التوازن والاستقرار الاستراتيجي، وتفاقم الازدحام الفضائي نتيجة نشر الأسلحة الفضائية بكثرة في المدار الأرضي المنخفض، إضافة إلى تقويض الأمن الدولي.
كما أن إطلاق الأسلحة واختبارها من شأنه زيادة الحطام الفضائي، الذي قد يحول دون تمركز الأقمار الصناعية مستقبلا في الفضاء.
ومن شأن الحرب الفضائية أن تُخلِّف كثيرا من ذلك الحطام، كما أن تسليح الفضاء يعد تهديدا بيئيا جنبا إلى جنب مع كونه مشكلة أمنية.
وقد تستخدم الحرب الفضائية في الابتزاز السياسي والاستراتيجي، كما أنها ستحول الفضاء إلى ساحةٍ معركة لن يربح فيها أحد.
ويحد تسليح الفضاء من الأنشطة الفضائية المدنية والتجارية على حدٍّ سواء، كما يؤثر سلبا في التنمية الاقتصادية للدول.
وفي أعقاب المحاولات الروسية الصينية والرفض الأمريكي، بدأت موسكو وعدة دول بشكل جدي تجاربها الصاروخية الباليستية في الفضاء، وأطلقت منذ ذلك الحين الكثير من الأقمار الاصطناعية العسكرية.
روسيا تسرع الوتيرة
وفي إطار سباق التسلح الفضائي أعلنت روسيا، الخميس، إطلاق قمر اصطناعي عسكري إلى الفضاء من قاعدة بليسيتسك الفضائية.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن "فرقا قتالية تابعة للقوات الفضائية أطلقت مركبة سويوز-2.1إيه من الفئة المتوسطة تحمل مركبة فضائية تابعة لوزارة الدفاع من موقع الإطلاق بقاعدة بليسيتسك في منطقة أرخانغيلسك".
وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أقرت روسيا بإجراء تجربة صاروخية دمرت أحد أقدم أقمارها الاصطناعية في الفضاء، بصاروخ أطلق من الأرض على قمر اصطناعي سوفياتي قديم.
وأكدت وزارة الدفاع الروسية أنها أجرت "بنجاح تجربة دمر بنتيجتها الجسم الفضائي تسيلينا-د الموضوع في المدار منذ 1982 وهو غير نشط"، دون أن توضح السلاح المستخدم في العملية.
وقالت واشنطن، حينها، إن التجربة ولّدت "سحابة من قطع الحطام يمكن أن تهدد سلامة طاقم محطة الفضاء الدولية، وأن تشكل خطرا على العديد من الأقمار الاصطناعية".
لكن وزارة الدفاع الروسية نددت بالاتهامات الأمريكية ووصفتها بـ"الخبيثة"، مؤكدة أن "الولايات المتحدة على يقين بأن أجزاء الحطام هذه لن تشكل أي خطر".
وندد حينها الأمين العام للحلف الأطلسي" الناتو" ينس ستولتنبرغ بـ"عمل غير مسؤول" يثبت من جانب آخر أن روسيا تطور أسلحة جديدة قادرة على تدمير أنظمة اتصالات وملاحة أرضية أو أنظمة إنذار مضادة للصواريخ في الفضاء.
وسبق أن أجرت 3 دول فقط هي الولايات المتحدة والصين والهند مثل هذه التجارب على استهداف قمر صناعيّ، فيما كانت موسكو تشدد على أنها تكافح أي محاولة لعسكرة الفضاء.
الصين و"الفرط صوتية"
وتعتبر بكين الفضاء الخارجي "تراثا مشتركا للبشرية"، ومنذ عام 2002 تقترح إجراء محادثاتٍ لمنع التسلح في الفضاء الخارجي.
وأكدت الصين كذلك في كتابها الأبيض للدفاع لعام 2004 رغبتها في "إبرام المجتمع الدولي لصكٍ قانوني دولي يمنع التسلح في الفضاء لضمان الاستخدام السلمي له".
لكن الصين اختبرت قدرة فضائية جديدة في أغسطس/آب 2021 بإطلاق صاروخ فرط صوتي في المدار.
وأكدت مصادر حينها أن الصاروخ قادر على حمل رأس نووي وحلق حول الأرض على مدار منخفض قبل الهبوط صوب هدفه.
وأوضحت المصادر أن الصاروخ الفرط صوتي أطلق بواسطة صاروخ من طراز "لونغ مارش"، وهو تقدم "فاجأ الاستخبارات الأمريكية".
الهند تدخل السباق
ولم تكن الهند، القوة النووية، بعيدة عن هذا السباق، فقد أعلنت في 27 مارس/آذار 2019، إسقاط قمر اصطناعي بصاروخ.
وقال رئيس وزراء الهندي ناريندرا مودي إن "نيودلهي أسقطت القمر الاصطناعي بصاروخ مضاد للأقمار الاصطناعية"، مشيدا بالاختبار باعتباره "انطلاقة كبيرة في برنامج الفضاء".
وأعلن مودي عن التجربة في كلمة للأمة بثها التلفزيون، وقال إن الهند ستكون "رابع دولة فقط في العالم تستخدم هذه الصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين".
وأضاف مودي أن "الهند حققت إنجازا غير مسبوق اليوم.. الهند سجلت اسمها كقوة فضائية".
aXA6IDMuMTM3LjIxOS42OCA= جزيرة ام اند امز