كيف يبدو العالم بسرعة الضوء؟ فيزيائيون ينجحون في تصوير الوهم المستحيل

تخيل أنك تقف على الرصيف وتشاهد سيارة تنطلق أمامك بسرعة هائلة، ستراها كما هي في السرعات العادية، لكن ماذا لو كانت تسير بسرعة الضوء.
حسب النسبية الخاصة لأينشتاين، سيبدو طول السيارة أقصر في اتجاه حركتها (أي "منكمشة")، لكن الفيزيائيين جيمس تيريل وروجر بنروز وضعا قبل 60 عاما نظرية تقول إن عينيك لن تريانها منكمشة فقط، بل ستبدو وكأنها قد دارت قليلًا أو التفتت نحوك، وهو خداع بصري غريب ينتج عن اختلاف زمن وصول الضوء من كل جزء من السيارة إلى عينيك.
هذا المشهد المذهل لم يعد مجرد فكرة في كتب الفيزياء، بل أصبح الآن ظاهرة يمكن رؤيتها فعلاً في المختبر، ففي إنجاز علمي لافت، تمكن فريق من الفيزيائيين من إعادة إنتاج هذا الوهم البصري، المعروف باسم تأثير "تيريل–بنروز"، محولين إحدى أكثر أفكار النسبية الخاصة تجريدًا إلى تجربة مرئية، وقد نُشرت نتائج الدراسة في دورية" كوميونيكيشنز فيزِكس" التابعة لمجموعة "نيتشر".
من النظرية إلى الواقع
وخلال الدراسة تمكن باحثون من جامعة فيينا للتكنولوجيا من تجسيد نظرية "تيريل–بنروز"، في المختبر باستخدام نبضات ليزر فائق السرعة وكاميرات عالية الحساسية، دون الحاجة لتحريك أي جسم فعلي بهذه السرعة المستحيلة.
يقول دومينيك هورنوف ، الفيزيائي الكمي وقائد فريق الدراسة: "ما يدهشني هو البساطة. بفكرة ذكية فقط، يمكننا إعادة خلق تأثيرات النسبية في مختبر صغير. هذا يثبت أن تنبؤات عمرها قرن يمكن جعلها مرئية بطريقة بديهية للغاية."
كيف تمت التجربة؟
بدأ الفريق بمكعب يبلغ طوله نحو متر، وأطلقوا عليه نبضات ليزر قصيرة للغاية لا تتجاوز 300 بيكوثانية (أي عُشر المليار من الثانية).
في كل نبضة، سجلت الكاميرا الضوء المنعكس خلال لحظة خاطفة، لتكوّن "شريحة ضوئية" دقيقة من سطح الجسم، ثم حرّك الباحثون المكعب للأمام مسافة 4.8 سنتيمتر بعد كل نبضة، وهي المسافة التي كان سيقطعها لو كان يتحرك بسرعة 80% من سرعة الضوء خلال ذلك الزمن الوجيز.
بعد تجميع مئات هذه الشرائح في صورة واحدة، ظهرت النتيجة المذهلة: المكعب بدا وكأنه يدور أثناء حركته بسرعات خيالية، رغم أنه لم يتحرك فعليا على الإطلاق.
كرر الفريق التجربة مع كرة، حركوها مسافة أكبر (6 سنتيمترات) لمحاكاة سرعة 99.9% من سرعة الضوء، وعند تجميع الصور، بدت الكرة وكأن المراقب يستطيع رؤية جزء من جانبها الخلفي، تماما كما تنبأ به تيريل وبنروز منذ ستينيات القرن الماضي.
خداع بصري لا يناقض أينشتاين
يوضح هورنو: "الالتفاف الذي نراه ليس دورانا حقيقيا. إنه وهم بصري ناتج عن الطريقة التي يصل بها الضوء إلينا من أجزاء الجسم المختلفة."
بمعنى آخر، نظرية أينشتاين ما زالت صحيحة: الأجسام فعلًا تتقلص في اتجاه حركتها، لكن الكاميرا لا تلتقط هذا الانكماش مباشرة.
لأن الضوء من الجهة الخلفية يستغرق وقتا أطول ليصل إلينا، لذلك فإن الصورة الناتجة تبدو وكأن الجسم قد انحرف بصريا.
ويضيف هورنوف: "عندما أجرينا الحسابات، اندهشنا من مدى دقة عمل الهندسة البصرية. رؤية هذا التأثير يتحقق أمامنا كانت تجربة مثيرة للغاية".
نافذة تعليمية على عالم النسبية
تُعد هذه التجربة أكثر من مجرد عرض بصري مذهل، فهي أداة تعليمية قوية تساعد على تبسيط مفاهيم النسبية الخاصة المعقدة وجعلها مفهومة لعامة الناس والطلاب.
فبفضل هذا الإنجاز، أصبح بالإمكان رؤية كيف يبدو الكون عندما تتحرك الأجسام بسرعات قريبة من الضوء (حوالي 300 ألف كيلومتر في الثانية). ، فعالم غريب لا يمكننا الوصول إليه فعليا، يمكننا الآن مشاهدته بوضوح على شاشة مختبر.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز