القدرات الشبحية لا تعفي المقاتلات من الحاجة للسرعة
شهدت العقود الماضية تحولاً جوهرياً في معايير التفوق الجوي للطائرات المقاتلة، إذ تراجعت الأولوية المطلقة للسرعة الخالصة لصالح تقنيات التخفي المتقدمة وأجهزة الاستشعار والحرب الإلكترونية.
رغم ذلك، تثبت التجارب العسكرية الحديثة أن القدرة على التحليق بأسرع من الصوت لا تزال تلعب دوراً حيوياً في ترسانة القوات الجوية الرائدة، وإن اختلفت طبيعة هذا الدور مقارنة بعصر الحرب الباردة، وفقا لمجلة "ناشيونال إنترست".
تعود جذور أهمية السرعة إلى أكتوبر/ تشرين الأول 1947، حين اخترق الطيار تشاك ييجر حاجز الصوت بطائرته التجريبية "بيل إكس-1"، محققاً إنجازاً تاريخياً لم يقتصر أثره على المجال المدني فحسب، بل امتد مباشرة إلى المجال العسكري.
وسرعان ما تحولت هذه القدرة إلى ميزة استراتيجية حاسمة، جعلت السرعات فوق الصوت معياراً أساسياً لمقاتلات الاعتراض والقاذفات، بينما أصبحت الطائرات المروحية تدريجياً أقل ملاءمة في المعارك الحديثة.
وقد مثّلت السرعة آنذاك ثورة في إدارة العمليات الجوية، ومكنت القوات من تنفيذ مهام اعتراض وضرب سريع كان مستحيلاً على الطائرات الأبطأ، وأحدثت تغييراً جذرياً في طبيعة الحروب الجوية خلال الحرب الباردة.
وحتى في عصر هيمنة تقنيات التخفي والصواريخ بعيدة المدى، تحتفظ السرعة العالية بعدة مزايا تكتيكية واستراتيجية هامة. فهي تمنح الطائرات القدرة على الاعتراض السريع وحماية المجال الجوي من التهديدات المفاجئة، مثل الطائرات المتسللة أو حاملات الصواريخ.
وتكتسب هذه القدرة أهمية خاصة للدول ذات المساحات الجوية الشاسعة، مثل الولايات المتحدة وكندا وروسيا، أو للدول العاملة في مناطق متوترة، حيث تقلل السرعة وقت الاستجابة وتوسع نطاق الاشتباك الفعال، ما يمنح الدفاعات الجوية هامشاً أكبر لمواجهة التهديدات.
وتلعب السرعة دوراً حاسماً أيضاً في تنفيذ الضربات الحساسة للوقت، إذ تمكن المقاتلات من الوصول إلى أهداف عالية القيمة، مثل منصات إطلاق الصواريخ المتنقلة أو مراكز القيادة، قبل أن تتمكن من الاختفاء أو التحصن. وهذه القدرة تضغط على جداول العدو الزمنية وتدعم تنسيق العمليات المشتركة المعقدة، ما يعزز فاعلية الهجوم ويحد من فرص الخصم في المناورة.
علاوة على ذلك، تساهم السرعة في تعزيز فرص بقاء الطائرة على قيد الحياة، إذ يقل الوقت الذي تتعرض فيه لأنظمة الدفاع الجوي المعادية، بما في ذلك الرادارات والصواريخ. وتظل عمليات الاندفاع الأسرع من الصوت قياسية حتى في حزم الضربات التي تشارك فيها المقاتلات الشبحية، حيث يتيح تقليل فترة البقاء في منطقة الخطر تحسين فرص النجاة وزيادة الكفاءة القتالية للطائرة.
كما تنعكس فوائد السرعة أيضاً في تعزيز فعالية التسليح، إذ تمنح السرعة العالية للطائرة عند إطلاق الصواريخ دفعة طاقة إضافية تزيد من مدى الصاروخ وقوته التدميرية ودقته، ما يمنح المقاتلة تفوقاً واضحاً على غيرها في الاشتباكات بعيدة المدى.
وحتى في القتال الجوي القريب، داخل نطاق الرؤية البصرية، توفر السرعة التفوق الموقعي، إذ تمكن الطيار من فرض شروط الاشتباك، أو كسب موقع تكتيكي أفضل، أو الإفلات من خصمه عند الحاجة.