هناك سر يقف وراء التفوق الذي حققه الفريق المغربي لكرة القدم في مونديال قطر، هو نفسه السر الذي يقف وراء كل تفوق.
ولكنه ليس إلا سرٌ مُعلن. ويعرفه كل مدرب مثقف. ووليد الركراكي لم يبخل على أحد به في لقاءاته الصحفية التي أعقبت كل مباراة لفريقه. إنه الدافع. ذلك لأنه هو المحرك الذي يستخرج القدرات. وكلما كان عميقا، كلما كانت قدراته أقوى.
لا شك أن التدريب الشاق يلعب دورا مهما في صقل الموهبة. ولكن حتى هذا التدريب يتطلب أن يتحرك بدافع.
دَعْ شابين يهويان الركض لألف متر. يتدربان تحت يد المدرب نفسه، في النادي ذاته، ولمدة متساوية. سوف يفوز الذي يملك دافعا أقوى. يصنع العزيمة، ويصنع القدرة على التحمل، كما يصنع إرادة الفوز. حتى الفشل، مع وجود الدافع، هو نجاح مضمر.
لاعبو المنتخب المغربي، ناجحون حيث هم. فهم يلعبون لأندية أوروبية، في الغالب، اكتسبوا خلالها من الخبرات ما اكتسبه غيرهم. ولكنهم، عندما اجتمع لهم وفيما بينهم الدافع، تفوقوا على كل الفرق التي واجهوها حتى بلغوا النتيجة التي أسعدت مئات الملايين.
فرق مرموقة مثل الكندي والبلجيكي والاسباني والبرتغالي، كانت مؤهلة للفوز بكأس العالم. ولكنها سقطت أمام زخم الدافع الذي جعل المغاربة يهاجمون بقوة ويدافعون بقوة، ويصدون دوافع غيرهم.
الهواية هي الأساس المشترك بين الجميع. وهي التي تصنع الشغف الأول، وترسي قاعدته. ومن بعدها يظهر تأثير الدوافع.
الكثيرون منا يهوون رياضات وفنونا وحرفا مختلفة، ويمارسونها على سبيل الهواية المجردة. ولكن فقط القلة النادرة هي التي تقلب الهواية الى نوع من "نمط حياة" لا يعرف الإنسان نفسه إلا من خلالها، فتكون هوية له، وليس مجرد هواية.
تكون صحافيا أو أديبا أو معماريا أو لاعب تنس ماهرا، عندما لا تعرف من أنت إلا من خلال ما تحب وتهوى. فيصبح هوية تحدد للإنسان معالمه وتضاريسه الثقافية أو العضلية أو الروحية.
هذا هو الأساس، الذي يمكن أن تتراكم من فوقه الدوافع.
المال والشهرة وإبراز المهارات الفردية، هي ديدن الكثير من لاعبي كرة القدم المرموقين. وهي تكفل في الكثير من الأحيان أن تحقق لهم ما يبتغون تحقيقه. إلا أنها لا تكفي لتحقيق الفوز إذا توفر للطرف الآخر دافع إضافي.
مباراة مثل التي جرت بين منتخبي فرنسا وإنجلترا كانت نموذجا، غير فريد، على التنافس في إطار دوافع متماثلة. والفوز تحقق فيها لأحدهما، لأسباب "تقنية". هندسة اللعب، من حيث تناقل الكرات، ومحاولات الاختراق، وغيرها، كانت مدفوعة بالحرفية الخام. وهي مملة في بعض الأحيان. لأن المرء، حتى وأن كان يجهل كل شيء في كرة القدم، يستطيع أن يرى كيف تتحرك الأمور، وفقا لقوالب، ذهابا وإيابا.
امتلك الفريق المغربي كل المهارات الهندسية اللازمة. واتبعوا، كما أكد اللاعبون، المخططات التي وضعها لهم الركراكي. ولكنهم كانوا لاعبين من جنس آخر.
ـ يلعبون كأسرة واحدة. كنت تستطيع أن ترى كيف يبقى الحب بين اللاعبين قائما، حتى عندما يفشل أحدهم في تمرير الكرة أو إصابة الهدف.
ـ ظلوا يحترمون أحدهم الآخر ويثق الظهير بالظهير حتى آخر لحظة.
ـ لم يتهاونوا في السعي وراء كل كرة. ركضوا في أول كل مباراة مثلما ركضوا في آخرها. وكأن التعب لم يفرض عليهم شروطه.
ـ لم يهابوا الخصوم. حتى أخرجوا رونالدو باكيا. قالوا لأنفسهم، الكرة التي يلعبون هي ذاتها الكرة التي يلعب بها الآخرون. لا أحد أكبر من أحد. فارفع رأسك، واصنع مجدك.
ـ تماسكوا كجدار صلد. ليجسدوا وحدتهم كفريق. وأبقوا اليقظة فيما بينهم تتقد.
هذه أشياء كان من السهل أن تراها تنقص أو تختفي بين فرق "المحترفين" الأخرى. ولكنها لم تكن هي وحدها "المحرك". كانت وقودا له فقط.
لا شك أن الدوافع الفردية تتفاوت بين لاعب وآخر. ولكن الدافع الجامع هو أنهم أرادوا أن يثبوا للعالم بأسره، ولأنديتهم الأوروبية نفسها، أنهم ليسوا أقل شأنا، ولا أقل كفاءة من أي أحد. رفعوا راية بلدهم، ليسعدوا عشرات الملايين، كما ابتهلوا وصلوا وسجدوا ليسعدوا مئات الملايين. كانوا يعرفون أن بلدهم يفخر بهم. كما تفخر بهم أمة كاملة. وظل هناك بينهم من يريد أن تفخر به أمه أو يجني أبوه قبلات المحبة.
بعضهم نشأ في ظروف من الفقر والحرمان، فانتقم منها. وبعضهم عانى من التمييز فسحقه وردّه الى أعناق من صنعوه.
فريق قال إنه فريق وطن، لديه الكثير مما يجعله أكبر من مجرد فريق لاعبين مهرة.
لا المال، ولا الشهرة ولا إبراز المهارات الفردية، كان هو الدافع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة