الشرق الأوسط على حافة الانفجار.. هل تستطيع أمريكا نزع الفتيل؟
في خضم التصعيد بين جماعة حزب الله وإسرائيل، جاء الهجوم الصاروخي الإيراني على الدولة العبرية ليصب الزيت على النار، مثيرًا مخاوف من اندلاع حرب شاملة بالشرق الأوسط.
تلك المخاوف طرحت تساؤلات حول قدرة النفوذ الأمريكي على منع ذلك التصعيد من ذروة الانفجار، فهل تستطيع أمريكا الحول دون ذلك؟
كانت دوامة التصعيد قد بدأت مع تفجير إسرائيل الآلاف من أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكية لعملاء حزب الله في مختلف أنحاء لبنان ثم كثفت من غاراتها الجوية على لبنان وقتلت الأمين العام للحزب حسن نصر الله وتواصل الجماعة الشيعية إطلاق الصواريخ على إسرائيل وصولا لإطلاق إيران نحو 200 صاروخ باليستي فيما تستعد تل أبيب للانتقام ويبدو أن دوامة العنف لم تنته بعد.
وتؤكد هذه الأحداث الانهيار شبه الكامل للردع في الشرق الأوسط كان من الممكن أن يشير تفجير أجهزة النداء إلى رغبة إسرائيل إجبار حزب الله على خفض التصعيد لكن قتل نصر الله وتكثيف الضربات والتوغل البري في لبنان تشير إلى احتمال أكثر قتامة وهو أن تفجير أجهزة الاتصال كان يهدف لوضع حزب الله في موقف دفاعي كمقدمة لتدخل عسكري إسرائيلي أكثر توسعا وذلك وفقا لما ذكرته
قالت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، إنه بعد عقدين من الهدوء النسبي على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، كشف التصعيد الأخير أن المنطقة أصبحت أكثر خطورة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول فلم يعد الشرق الأوسط ملزما بقواعد الاشتباك وأساليب الردع الراسخة.
وأوضحت المجلة الأمريكية، أن الافتراضات التي تدعم سلوك وحسابات المخاطر لدى الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية أصبحت عتيقة في حين غابت الخطوط الحمراء الواضحة وقواعد اللعبة المقبولة من الطرفين.
وأشارت إلى أن انهيار الردع أدى إلى مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل كان أحدث حلقاتها الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل ردا على اغتيال نصر الله.
وفي أبريل/نيسان الماضي، أطلقت طهران أكثر من 300 صاروخ ومسيرة على إسرائيل، ردا على استهداف تل أبيب لقنصليتها في سوريا، ما اعتبرا تغييرا في قواعد القائمة منذ فترة طويلة والتي حكمت "الحرب الخفية" بين البلدين.
ورغم تصنيفه على أنه من النوع الذي يتجنب المخاطرة، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبدو الآن أكثر استعداداً لتحمل مخاطر أكبر، والمقامرة بأن مضاعفة القوة العسكرية لاستعادة الردع وتعطيل التهديد الذي يشكله محور المقاومة تفوق مخاطر إثارة حرب إقليمية.
لحظة خطيرة
ويواجه الشرق الأوسط -الآن- لحظة خطيرة بعد التخلي عن الاتفاقيات القديمة التي تحكم التصعيد وظهور جهات فاعلة جديدة تتنافس على الهيمنة، مما جعل هوامش منع الحرب الشاملة أضيق من أي وقت مضى.
الأمر الأكثر خطورة، هو أن جهود إعادة بناء الردع تقتصر إلى حد كبير على استخدام القوة، مما قد يؤدي إلى المزيد من التصعيد بشكل لا يمكن السيطرة عليه.
هل لا تزال أمريكا قادرة على الردع؟
ورغم ذلك، إلا أنه لا تزال الولايات المتحدة قادرة على إعادة بناء نفوذها المتضائل ولعب دور حاسم في استعادة الردع بالمنطقة، لكن يتعين:
- عليها أولا أن تدرك أن سياساتها الحالية غير كافية وعفا عليها الزمن
- عليها -كذلك- أن تساعد جميع الأطراف على تقليل احتمالات سوء التقدير
- عليها العمل على وقف تآكل الردع الذي أشعل العنف.
- إعادة تقييم نهجها في التعامل مع المنطقة، فلم تتمكن حاملات طائراتها المتمركزة في المنطقة من ردع حزب الله، ولم تتمكن واشنطن من منع نتنياهو من رفع الرهانات.
- على واشنطن تطوير نهج جديد يستخدم جميع ادوات القوة الامريكية لمعالجة الواقع الجديد الاكثر خطورة بالشرق الأوسط ولتجنب وقوع الكارثة.
- عليها تعزيز وتنظيم آليات القنوات الخلفية التي يمكن ان تخفف من خطر سوء التقدير وسوء الفهم ويمكن للولايات المتحدة أن تدعم الوساطة الهادئة مع الدول والفاعلين في المنطقة.
- قبل فرض عقوبات جديدة، ينبغي أن تجد الولايات المتحدة طريقة لفرض العقوبات القائمة بشكل أفضل.
وحذرت من أنه إذا لم تفعل الولايات المتحدة -ذلك- فستخاطر بالانجرار إلى صراع إقليمي له عواقب عالمية، مشيرة إلى أن تآكل الردع في الشرق الأوسط تسارع، بسبب التصور بأن الهيمنة الأمريكية آخذة في التضاؤل؛ ففي الوقت الذي حاول فيه صناع القرار الأمريكي الابتعاد عن المنطقة، سعت الجهات الفاعلة غير الحكومية إلى الاستفادة من ذلك، والتحرك بحرية لتحقيق أهدافها، الأمر الذي عززه سهولة الوصول إلى المسيرات والصواريخ.
استراتيجية جديدة:
وبحسب المجلة الأمريكية، فإن الولايات المتحدة قادرة على ردع العنف من خلال:
- تعزيز قدراتها العسكرية
- استخدام الذكاء الاصطناعي
- إتاحة الفرصة للدبلوماسية للعب الدور الأساسي في بناء الردع ليس فقط من خلال التهديد وإكراه الآخرين، بل أيضاً من خلال خلق حوافز إيجابية.
- المساعدة في بناء بنية أمنية إقليمية لحل النزاعات سلميا.
لكن السؤال الآن بالنسبة للولايات المتحدة، هو ما إذا كان الرئيس جو بايدن ونائبته المرشحة الديمقراطية للسباق الرئاسي كامالا هاريس، يمكنهما منع مثل هذا التصعيد السياسي الخطير قبل نحو شهر من الانتخابات الأمريكية، وفقا لما ذكرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
وقالت المجلة إن الكثيرين في إسرائيل يشعرون بالثقة بعد عام من المعركة الوجودية ضد إيران وكلائها، ويرغب هؤلاء في حرب أوسع نطاقا مع طهران.
وقال رويل مارك جيريشت، ضابط وكالة المخابرات المركزية السابق "بالنسبة لإسرائيل، فقد وصل يوم القيامة"، مضيفا: "إذا لم يقم الإسرائيليون بشن هجوم كبير الآن فذلك يعني قبولهم بالقنبلة النووية الإيرانية".
ويؤمن العديد من «صقور» إسرائيل بضرورة شن رد حاسم على إيران يقضي على أي خطر استراتيجي من جانبها. وكتب رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت على منصة إكس: "لدى إسرائيل الآن أعظم فرصة لها منذ 50 عامًا لتغيير وجه الشرق الأوسط.. لدينا المبرر والأدوات.. أصبحت إيران مكشوفة".
"وإذا استهدفت إسرائيل صناعة النفط أو المنشآت العليا أو القيادات العليا بما في ذلك المرشد الأعلى آية الله على خامنئي فسيلحق ذلك أضرارا بإيران، لكن عدم استهداف البنية التحتية النووية يعني ترك السلاح الوحيد الذي يمكن أن يردع تل أبيب"، بحسب المجلة الأمريكية.
وأعرب بهنام بن تاليبلو، زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات عن اعتقاده أن الإيرانيين يعتمدون على الولايات المتحدة لمنع حرب شاملة.
وأثبتت الشهور الأخيرة أنه لا أمل في أن تتمكن الدبلوماسية الأمريكية من إحراز تقدم خاصة منذ أصبح بايدن «بطة عرجاء»، بانسحابه في يوليو/تموز من السباق الرئاسي وحتى قبل ذلك، كان نتنياهو يتجاهل علنا النداءات الأمريكية لضبط النفس في غزة.
لكن نتنياهو بدا وكأنه يرضخ لمطالب واشنطن بعدم فتح جبهة جديدة في لبنان وهو ما انتهى في سبتمبر/أيلول بعد تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية ومقتل حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، دون إبلاغ الولايات المتحدة.
بالنسبة لبايدن، فإن المشكلة الأكبر هي أن "واشنطن محاصرة في الزاوية"، وفقا نمرود نوفيك، المستشار الكبير السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز الذي قال إن إظهار الخلاف مع إسرائيل قد يشجع أعداءها بما في ذلك إيران لذا يتعين عليها تأكيد الدعم لإسرائيل.
ومع ذلك، قد يكون لإدارة بايدن نفوذ أكبر لأن الحرب الأوسع مع طهران تتطلب تعاونًا عسكريًا واستخباراتيًا أمريكيًا أكبر بكثير كما أن أجهزة الأمن القومي الإسرائيلية حذرة من الإفراط في الثقة والغرور خاصة وأن الحرب ضد حماس وحزب الله لم تنته بعد.
aXA6IDMuMTM3LjE2NC4yMjkg جزيرة ام اند امز