داعش يتحول إلى آسيا.. محاولة للفهم
سلسلة الهجمات الأخيرة في سريلانكا تشير إلى احتمال تحول "جماعة التوحيد الوطنية" إلى الولاء لتنظيم "داعش" الذي تحول إلى آسيا.
تعد سلسلة التفجيرات الانتحارية التي شهدتها العاصمة السريلانكية يوم الأحد 21 أبريل 2019 والتي أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسئوليته عنها بعد مرور حوالي 48 ساعة من تنفيذها، نقطة تحول مهمة، ليس فقط في حجم النشاط الإرهابي في سريلانكا، كونها أولى العمليات التي تتم بهذا الحجم، والتي شملت استهداف 3 كنائس وأربعة فنادق كبيرة، وخلفت حوالي 350 قتيلا وحوالي 650 مصابا وفقا للبيان الصادر عن داعش، لكنها ستمثل -وذلك هو الأهم- نقطة تحول في خريطة الانتشار الجغرافي للتنظيم الإرهابي والتنظيمات الموالية له، في اتجاه إعطاء التنظيم وزنا أكبر للأقاليم الآسيوية، خاصة إقليمي جنوب وجنوب شرقي آسيا، عقب انهيار "دولته" في العراق وسوريا.
لقد أثير سؤال عقب وقوع التفجيرات حول الجهة المسئولة عن تنفيذ سلسلة من الهجمات بهذا الحجم، وكان التركيب العرقي والديني للمجتمع السريلانكي، فضلا عن خبرة الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد خلال الفترة (1983- 1999)، حافزا كافيا لطرح العديد من السيناريوهات حول هوية هذه الجهة، لكن قراءة سريعة لطبيعة الهجمات كانت كافية لإدراجها ضمن ما يوصف بنموذج "الإرهاب الداعشي"، سواء من حيث استخدام تكتيك العمليات الانتحارية، أو استهداف دور العبادة (المسيحية أو الإسلامية على السواء) ومناطق تركز رعايا الدول الغربية، وعلى رأسها الفنادق الكبرى، أو استخدام تكتيك العمليات المتزامنة، أو الميل إلى توظيف عامل "التوقيت" من خلال تنفيذ مثل بعض هذه العمليات في المناسبات الدينية (أعياد الميلاد أو عيد الفصح، شهر رمضان...إلخ).
لقد جمعت سلسلة تفجيرات 21 أبريل/نيسان في العاصمة كولومبو بين هذه السمات الأربع، بشكل رجح منذ البداية سيناريو تورط "داعش"، وهو ما تأكد لاحقا مع إعلان "داعش" مسئوليته عن الهجمات ونشر فيديو مصور لمنفذيها.
المكون الآسيوي في داعش
لا توجد تقديرات محددة لعدد العناصر الآسيوية التي اندمجت في عمليات داعش في العراق وسوريا، لكن وفقا لتقرير "من داعش إلى الشتات: تتبع المرأة والقصر في الدولة الإسلامية" الصادر عن "المركز الدولي لدراسة الراديكالية "ICSR في 2018، فإنه من بين 41490 عنصرا هم إجمالي عدد المقاتلين داخل صفوف داعش في سوريا والعراق حتى يونيو/حزيران 2018، جاء 8485 من هؤلاء من مختلف الأقاليم الآسيوية غير العربية (شرق، وجنوب، وجنوب شرق، ووسط آسيا، أي بنسبة 20.5% تقريبا من الإجمالي، و5965 عنصرا منهم من وسط آسيا، بواقع 1010 عناصر من شرق آسيا، و1000 من الصين، و9 من اليابان، وعنصر واحد من كوريا الجنوبية، وحوالي 1063 من جنوب شرقي آسيا، بواقع 800 عنصر من إندونيسيا، 154 من ماليزيا، 100 من الفلبين، 8 من سنغافورة، عنصر واحد من كمبوديا، وحوالي 447 عنصر من جنوبي آسيا 200 من جزر المالديف، 100 من باكستان، 75 من الهند، 40 من بنغلاديش، 32 من سريلانكا).
ويمثل المكون الآسيوي في تنظيم "داعش" الترتيب الثالث بعد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأوروبا، ورغم أن نسبة محدودة من هذه العناصر هي التي عادت إلى موطنها الأصلي حتى يونيو/حزيران 2018، حيث بلغ عدد من عادوا إلى دولهم في وسط آسيا 338 عنصرا (طاجكستان 147، كازخستان 128، قيرغيزستان 63)، وعاد إلى جنوب شرقي آسيا 308 عناصر (إندونيسيا 300، ماليزيا 8)، مقابل 156 إلى جنوب ٍآسيا (أفغانستان 120، بنجلادش 25، المالديف 11)، بينما لم يعد أي عنصر إلى شرقي آسيا، لكن رغم ذلك فإن الدلالة الأساسية لهذه النسبة المهمة للمكون الآسيوي في "داعش" هي وجود ميول قوية نسبيا لدى الأقلية المسلمة في آسيا للانضمام إلى السلفية الجهادية.
لماذا التحول إلى آسيا؟
لم تكن هناك علاقة ارتباط واضحة بين انهيار تنظيم "داعش" في سوريا والعراق وتحول التنظيم إلى آسيا، فقد بدأ هذا التحول قبل انهيار التنظيم، لكن هذا الانهيار ساهم- وسيساهم بشكل أكثر وضوحا خلال الفترة القادمة- في التركيز على آسيا، ويلاحظ في هذا الإطار تركيز التنظيم بشكل أكبر على إقليمي جنوب آسيا (أفغانستان، الهند، باكستان، بنجلادش، سريلانكا)، وجنوب شرقي آسيا (إندونيسيا، ماليزيا، الفليبين)، وهناك عدد من الظواهر الآسيوية التي تفسر استهداف التنظيم هذين الإقليمين، نناقشها فيما يلي.
1- انقسامات مجتمعية على أسس عرقية ودينية
إحدى الظواهر الأساسية التي تجمع بين معظم دول جنوب وجنوب شرقي آسيا هو ما تعانيه من انقسامات على أسس إثنية ودينية وطائفية ولغوية، وتتسم هذه الانقسامات بعدد من السمات التي ضاعفت من تأثيراتها السلبية على درجة الاستقرار الاجتماعي، وجعلت منها بيئة ملائمة لانتشار تنظيمات السلفية الجهادية (المحلية)، من ناحية، وتحولها إلى وجهة مناسبة لتنظيم "داعش"، من ناحية أخرى.
السمة الأولى، هي تطابق خطوط الانقسام الديني والعرقي واللغوي في العديد من المجتمعات؛ ففي ماليزيا، على سبيل المثال، يتوزع المجتمع عرقيا بين أكثرية من المالاويين يدينون بالإسلام، مقابل أقليتين من ذوي الأصول الصينية والهندية يتوزعون على البوذية والهندوسية والمسيحية، وفي سريلانكا -ووفقًا للتعداد الذي أُجري في عام 2011- يتوزع السكان عرقيا بين السنهاليين والتاميل، حيث يدين السنهاليين بالبوذية (حوالي 70.2% من السكان) بينما يدين معظم التاميل بالهندوسية (حوالي 12.6%).
السمة الثانية، هي وجود أقليات مسلمة تعاني من بعض المشكلات التاريخية، ما أدى إلى ظهور تنظيمات دينية عملت على استغلال هذه "المشكلات" لتحقيق أهدافها من خلال السعي إلى تحقيق أهداف تراوحت بين "الحكم الذاتي" والانفصال وتأسيس دولها المستقلة، أو تأسيس دولة إسلامية تضم أكثر من دولة، كما هو الحالة بالنسبة للجماعة الإسلامية في إندونيسيا التي سعت بدورها إلى تأسيس دولة إسلامية تضم إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وبروناي وجنوب الفيليبين، ونشير هنا إلى نموذجين على سبيل المثال. النموذج الأول، هو الأقلية المسلمة في منطقة "مينداناو" بجنوب الفيليبين، وما ارتبط بها من ظهور العديد من التنظيمات الإسلامية، بدءا من "جبهة تحرير مورو الوطنية" Moro National Liberation Front (MNLF)، ثم "جبهة تحرير مورو الإسلامية" Moro Islamic Liberation Front (MILF) التي سعت إلى انفصال المسلمين وتأسيس دولتهم المستقلة، لكنها تحولت لاحقا إلى القبول ببديل "الحكم الذاتي"، وهو ما تحقق بالفعل بإقرار "قانون بانغسامورو" الذي صدق عليه الرئيس الفليبيني "رودريغو دوتيرتي" في يوليو/تموز 2018، وتمريره في الاستفتاء الشعبي الذي أجري في "مينداناو" في يناير/كانون الثاني 2019، وبموجب القانون يتمتع مسلمو " مينداناو" بحكم ذاتي موسع [يشمل تخصيص موارد مالية لإدارة الحكم الذاتي، وتقاسم الضرائب المحلية بين الحكومة والمنطقة على أن يبقى الجزء الأكبر منها في المنطقة، والتمتع بحرية إدارة الشئون المحلية بما في ذلك إنشاء القضاء والمحاكم المحلية التي تستند إلى الشريعة الإسلامية] مقابل تسليم "الجبهة الإسلامية لتحرير مورو" أسلحتها تدريجياً وبشكل كامل بحلول عام 2022 تمهيدا لتحولها إلى حزب سياسي.
لكن رغم ذلك، لم تنته هذه المشكلة تماما فلا تزال هناك تنظيمات دينية ترفض قبول "الجبهة الإسلامية لتحرير مورو" بفكرة "الحكم الذاتي" وتنازلها عن فكرة تأسيس الدولة المستقلة، كما عارضت بشدة نتيجة الاستفتاء، ويأتي على رأس هذه التنظيمات جماعة "أبو سياف".
النموذج الثاني -الأكثر خطورة- هو نموذج الأقلية المسلمة في ميانمار (الروهينجيا) التي تتركز في إقليم أراكان (راخين)، والتي تتعرض لعمليات "تطهير عرقي" وفقا للتكييف القانوني الذي قدمه المندوب السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين، في 11 سبتمبر/أيلول 2017 أثناء افتتاح الدورة السادسة والثلاثين لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وتهجير قسري إلى خارج البلاد بسبب ممارسات التنظيمات البوذية المتطرفة، ورفض الدولة الاعتراف بهم كمواطنين. وقد تأسس في هذا الإطار "جيش إنقاذ الروهنجيا- أراكان" Arakan- Rohingya Salvation Army (ARSA) (أو حركة اليقين) الذي تأسس في سنة 2013، بهدف حماية وإنقاذ الروهنجيا (وفق ما عبر عنه البيان الصادر عن التنظيم في 29 مارس/آذار 2017). وفي مناسبات أخرى تبنى التنظيم السعي إلى "تقرير مصير" الروهنجيا، وفق ما جاء في أحد الفيديوهات الصادرة عن التنظيم في عام 2016 [جاء فيه: "نحن أبناء أرض أراكان، اضطرتنا الظروف إلى تحديد مصيرنا من خلال انتفاضة، وتقرير مصيرنا والدفاع عن أنفسنا... نقول بصورة قاطعة إن شعبنا اختار أن يحرر نفسه من مضطهديه"].
السمة الثالثة، هي وجود خبرة صراعية بين المكونات العرقية والدينية داخل المجتمعات الآسيوية، حيث يمكن إحياء هذه الخبرة في أي لحظة ممكنة. يصدق ذلك على سريلانكا وعلى الفليبين وعلى ميانمار أيضا. فقد شهدت سريلانكا حربا أهلية بين الأغلبية البوذية و"نمور تحرير إيلام تاميل" The Liberation Tigers of Tamil Eelam (LTTE) استمرت خلال الفترة (1983- 1999). لكن رغم انتهاء هذه الحرب، تظل هناك احتمالات كبيرة لعودتها إذا ما توفرت شروط كافية لذلك. ونشير هنا إلى نقطتين مهمتين؛ الأولى، أن الطريقة التي انتهت بها هذه الحرب قد لا تعني انتهاء المشكلة الطائفية بين الأغلبية البوذية والأقلية الهندوسية (التاميل)، ذلك أن الحرب قد انتهت بإعلان الدولة هزيمة "نمور تحرير إيلام تاميل"، وقد عمدت الدولة خلال السنوات الأخيرة من الحرب الأهلية تقديم التنظيم باعتباره تنظيما إرهابية وجماعة انفصالية، ونجحت في عام 1996 في إقناع الولايات المتحدة في وضع التنظيم على قائمة التنظيمات الإرهابية. كما نجحت في هذا الإطار أيضا في الحصول على الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لمواجهة التنظيم، ما أدى إلى إضعاف الأخير بشكل كبير انتهى بهزيمته، بمعنى آخر، فإنه رغم انتهاء الحرب وإعلان هزيمة التاميل، إلا أن ذلك لم يرتبط بعملية سياسية تضمن احتواء واستيعاب الهندوس والتاميل في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما أدى إلى استمرار مشكلة الهندوس التاميل بدون تسوية تاريخية. ولم ينته الاهتمام الدولي بالقضية على نحو ما عبر عنه إصدار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في مارس/آذار 2014 قرار طالب فيه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بإجراء تحقيق دولي في جرائم الحرب المتورط فيها الجيش والتاميل خلال الفترة من فبراير/شباط 2002 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2011.
النقطة الثانية، تتعلق بوجود العديد من التنظيمات السنهالية البوذية المتطرفة، أبرزها منظمة "بودو بالاسينا" (القوة البوذية) (BBS)"Bodu Bala Sena"، والتي تنصب نفسها المسئول الوحيد عن حماية الهوية السنهالية- البوذية للمجتمع السريلانكي، أو ما تصفه بحماية "البلاد والعرق والدين". كما تعطي لنفسها سلطة إنفاذ القانون. ولا تزال المنظمة ترى في الديمقراطية تهديدا مباشرا للعرق السنهالي، وعلى الرغم من هيمنة الأغلبية السنهالية-البوذية على الحياة الاقتصادية والسياسية في سريلانكا، إلا أن خطابات الكراهية داخل هذه الأغلبية لا تزال قوية تجاه باقي الأقليات العرقية والدينية (الهندوس، التاميل، المسيحيين، المسلمين)، ولا يزال هناك شعور سائد لدى جميع المكونات العرقية والدينية بأن هويتهم موضوع تهديد من جانب الآخرين، وتميل هذه المنظمات إلى الإيمان بوجود مؤامرة خارجية على الهوية السنهالية- البوذية.
وقد تعمقت التأثيرات السلبية لظاهرة التعدد العرقي والديني والطائفي في جنوب وجنوب شرقي آسيا بفعل انتشار ظاهرة الدولة الفاشلة والهشة في الإقليمين، وضعف الأنظمة القانونية والقضائية، وعدم استقرار التجارب الديمقراطية في معظم هذه الدول (باستثناءات محدودة). ويوضح الجدول التالي وضع دول جنوب آسيا على مؤشر الدول الهشة خلال الفترة 2005- 2019. ويتضح من الجدول المستوى المتقدم الذي تحتله كل من أفغانستان، وباكستان، وبنجلادش، وسريلانكا على مستوى المؤشر (كلما اقتربت القيمة من 120 زادت درجة هشاشة الدولة).

- انتشار جماعات السلفية الجهادية المحلية في آسيا
كما سبق القول، يتسم إقليما جنوب وجنوب شرقي آسيا بوجود عدد غير قليل من جماعات السلفية الجهادية -المحلية والإقليمية- التي تسعى إلى تحقيق أهداف تتراوح بين تحقيق "الحكم الذاتي"، إلى الانفصال وتكوين دول مستقلة، وصولا إلى بناء دولة إسلامية تضم عددا من دول المنطقة، كما هو الشأن بالنسبة للجماعة الإسلامية في إندونيسيا على نحو ما أشير إليه سابقا.
وجود هذه التنظيمات وفر فرصة كبيرة لتنظيم "داعش" -وقبله القاعدة- لبناء علاقات "زبائنية" معها، حيث توالى إعلان العديد من هذه الجماعات بيعتها لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. وفي إندونيسيا، شمل ذلك شبكة "مجاهدي شرق إندونيسيا" التي أعلن قائدها "أبو وردة سانتوسو" Abu Wardah Santoso: البيعة لتنظيم داعش في تسجيل صوتي في يوليو/تموز 2014، وجماعة "أنصار التوحيد" ("الجماعة الإسلامية" سابقا) التي أعلن قائدها أبو بكر باعشير البيعة للبغدادي في أغسطس/أب 2014، و"جماعة أنصار الدولة" التي تأسست في عام 2015 على يد أمان رحمان (المعروف أيضا باسم أمان عبد الرحمن)، و"منتدى نشطاء الشريعة الإسلامية"، و"حركة الإصلاح الإسلامية". وفي الفلبين، شمل ذلك جماعة "أنصار الخلافة"، التي ظهرت على السطح في أغسطس/أب 2014 عندما بثت شريطا مصورا أعلنت فيه ولاءها لتنظيم داعش، وجماعة "أبوسياف" التي أعلن قائدها إسنيلون هابيلون Isnilon Totoni Hapilon (المعروف أيضا باسم أبو عبد الله الفلبيني) بيعته لداعش في يوليو/تموز 2014، وجماعة "معركة الإعصار"، التابعة لأبو سياف، التي أعلنت هي الأخرى بيعتها لأمير "داعش" في مايو/أيار 2015، تبع ذلك بث داعش فيديو مصورا في سنة 2016 أعلن فيه تعيين إسنيلون أميرًا لما أسماه "ولاية الفلبين" (ظهر في الفيديو إندونيسي وماليزي وفلبيني مقيمون في مدينة الرقة، وهم يؤكدون قبول البغدادي هذه البيعة)، ومن ذلك أيضا حركة "مناضلو بانجسمورو الإسلاميين من أجل الحرية".
وفي جنوب آسيا تحولت أفغانستان إلى إحدى الوجهات الأساسية لداعش، وهو ما تأكد مع الإعلان في يناير/كانون الثاني 2015 عن إنشاء "ولاية خراسان" (تغطي أفغانستان وباكستان بالأساس، وتقوم على تجميع مقاتلين انفصلوا عن حركة طالبان، وآخرين من حركة أوزبكستان الإسلامية، وبالإضافة إلى مقاتلين من آسيا الوسطى والقوقاز والإيجور الصينيين).
ولا تمثل سريلانكا استثناء من هذه الظاهرة، فرغم أن المسلمين لا يقدمون أنفسهم على أنهم مجموعة عرقية أو لغوية متمايزة، كما لا يسعون إلى بناء دولة مستقلة، لكن مع ذلك فقد عرفوا ظهور العديد من الجماعات الراديكالية والمتطرفة، التي عملت تحت إيديولوجيا "التوحيد"، والتي ظهرت خلال النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين على يد بعض العناصر التي تلقت تعليمها وتفاعلت مع الشرق الأوسط. من هذه الجماعات "جماعة التوحيد الوطنية" The National Thawheed Jamaat) NTJ)، بمنطقة "كاتانكودي" Kathankudy، و"جماعة التوحيد السيرلانكية" Sri Lanka Thawheed Jamaat) SLTJ) التي تمتلك علاقات قوية مع "جماعة توحيد تاميل نادو" Tamil Nadu Thawheed Jamaat) TNTJ). لكن ظل الهدف الرئيسي لهذه الجماعات حسب زعمها هو الحفاظ على الهوية الإسلامية للأقلية المسلمة و"تنقية العقيدة"، ليس فقط في مواجهة المكونات الدينية الأخرى من البوذيين والهندوس وغيرهم، ولكن في مواجهة الجماعات الإسلامية الأخرى ذات التوجهات الصوفية، وهو ما أدى إلى تورط بعضها في أعمال عنف ضد البوذيين وبعض الجماعات الصوفية.
لكن سلسلة الهجمات الأخيرة في سريلانكا، والتي تفوق قدرات أي من هذه الجماعات المحلية السريلانكية، تشير إلى احتمال تحول "جماعة التوحيد الوطنية" إلى الولاء لتنظيم "داعش" أو انشقاق مجموعة عنها وإعلان ولاءها للتنظيم. وفي جميع الحالات لا يمكن استبعاد حدوث تنسيق بين هذه الجماعة أو المجموعة المنشقة عنها، وأي من الجماعات العاملة في جنوب أو جنوب شرقي آسيا، الأمر الذي يفتح المجال أمام عمل هذه الجماعات على مستوى إقليمي أو غير إقليمي، ما يؤشر إلى أن هذه الهجمات لن تكون الأخيرة، ليس فقط بالنظر إلى البيئة الأمنية والديموغرافية الهشة على نحو ما تم تناوله سابقا، ولكن بالنظر أيضا إلى حرص التنظيم على تأكيد انتقاله إلى المسرح الآسيوي أو بدء مرحلة آسيوية إن جاز التعبير.
** الدكتور محمد فايز فرحات: خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية