تصدع معارضة جنوب السودان.. "عاصفة" تهدد السلام
انشقاقات متتالية بصفوف المعارضة المسلحة بدولة جنوب السودان تفاقم المخاوف من انهيار اتفاق السلام ببلد يحاول الصمود في ظل استقرار هش.
تصدع يضرب "الحركة الشعبية" التي يتزعمها ريك مشار، ويهدد بتعثر تفعيل الاتفاق الموقع في 2018 مع الحكومة، في مسار كان مراقبون يعتقدون حتى وقت قريب بأنه نجح في وضع حد لدوامة العنف والحرب الأهلية التي ضربت البلاد منذ 2013.
تطورات تفجر المخاوف من جديد في دولة جنوب السودان خوفا من تكرار سيناريو 2016، حين انهار اتفاق سابق للسلام وتجدد القتال بصورة غير مسبوقة بعد أن قامت مجموعة منشقة عن مشار بتنصيب الجنرال تعبان دينق قاي رئيسا للحركة، في خطوة اعتمدتها الحكومة بقيادة الرئيس ميارديت سلفاكير لتقوم بتعيين قاي في منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية بديلا لمشار.
واليوم، يتكرر السيناريو نفسه عقب إعلان مجموعة من القادة العسكريين عزل مشار من رئاسة الحركة وتعيين رئيس الأركان السابق الجنرال سايمون قاتويج بديلا له في المنصب، ومضت المجموعة في بيانها الصادر عن اجتماعها الطارئ في مطلع هذا الأسبوع بالمطالبة بتعيين قاتويج في منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية.
وتكمن خطورة الأمر، بحسب محللين، في أن الخطوة لن تخلو من وقوع مواجهات دامية بين الطرفين في المواقع العسكرية التي تقع تحت سيطرة المعارضة بمختلف أرجاء البلاد، بالرغم من التطمينات الصادرة عن ريك مشار لقواعد الحركة ولشعب جنوب السودان بأن الوضع لا يزال تحت السيطرة وأن "أعداء السلام هم من يقفون خلف انشقاق مجموعة قاتويج".
سلام على المحك
جوزيف قبريال، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي بدولة جنوب السودان، يرى أن الخلافات التي تعصف بالمعارضة المسلحة ستؤثر بطبيعة الحال على صمود اتفاقية السلام باعتبار أن حركة مشار شريك أساسي في الاتفاقية ورقم لا يمكن تجاوزه.
وقال قبريال، في حديث لـ“العين الإخبارية"، إن "المسألة تتطلب من قيادة الحركة التي يتزعمها مشار تدارك الأمر في مهده قبل أن تستفحل الأوضاع وتصل مرحلة لا تحمد عقباها، وذلك بإرسال وفود ذات ثقل إثني لمناطق سيطرتها والتفاوض مع الجنرال سايمون قاتويج، كما أنه على الحكومة عدم استغلال الأوضاع الحرجة التي تعيشها المعارضة لتمرير أجندتها السياسية وإضعافها كخصم لدود كما سبق أن قامت باستقطاب قيادات نافذة تتبع لمجموعة مشار".
ومنذ التوقيع على اتفاق السلام وتسلمه لمهام منصبه كنائب أول لسلفاكير، لم يتسن لمشار زيارة مناطق تواجد قواته التي تقع تحت سيطرتها، مما أثار استياء واسعا في أوساط الجنود الذين اعتبروا أن مشار تخلى عنهم بعد أن تحققت مصالحه في الوصول لمقعد السلطة.
وفي الآن نفسه، كانت بعض القيادات العسكرية من أمثال سايمون قاتويج ترى في ذهاب مشار إلى العاصمة جوبا دون تنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية خاصة الجانب المتعلق بتخريج القوات المشتركة، يمثل أكبر الأخطاء.
من جانبه، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي ان لاتجور يانق فيدور، أن "ريك مشار تخلى منذ البداية عن أهداف الحركة الشعبية في المعارضة والمتمثلة في الإطاحة بالنظام القائم بجوبا، ومن ثم برنامج الثورة التي انطلقت في العام 2013"، مشيرا إلى أن مشار فضل تحقيق مصالحه الشخصية على أهداف الحركة لذلك اختار السلطة.
ويقول فيدور، لـ"العين الإخبارية"، إن "مقايضة التغيير كهدف رئيسي للحركة بالمصالح الذاتية يقود لوقوع الانشقاقات التي يقودها الأشخاص المتمسكون بالأهداف الرئيسية للحركة، فما يريده الشارع الجنوبي هو التغيير، لكن ما يريده الدكتور ريك مشار هو منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية ".
صراع
ووفق فيدور، فإن معضلة المعارضة المسلحة تتمثل في الصراع القائم بين أصحاب المصالح المتنازعة والذين يسعون للمشاركة في السلطة عبر الاتفاقية، لافتا إلى أن الانقسامات ستستمر داخل كيان المعارضة ما لم تتوافق مجموعات المصالح المتباينة تلك.
وسبق أن أعلن دوير توت دوير، أحد قيادات المعارضة المنشقة، الشهر الماضي، عزل مشار من رئاسة الحركة الشعبية لتحرير السودان، وتنصيب نفسه رئيسا لها، احتجاجا على ما سماه قيام الأخير بمقايضة أهداف ونضالات الحركة بالسلطة والمال.
وبالنسبة إلى "بنافسيو تعبان"، الكاتب والمحلل السياسي، فإن التصدعات المتكررة التي ظلت تشهدها المعارضة المسلحة بما فيها الانشقاق الأخير الذي قاده الجنرال سايمون قاتويج لن يقود لانهيار اتفاقية السلام، لأن الاتفاق ذكر الدكتور ريك مشار بالاسم ليكون نائبا لرئيس الجمهورية، عكس ما حدث في اتفاقية أغسطس/آب 2015 التي أعطت منصب نائب الرئيس للمعارضة المسلحة دون تحديد للأسماء.
ويضيف بالقول إن "اتفاقية السلام لعام 2018 تختلف كليا عن وثيقة 2015 لأنها خصصت المنصب لمشار بالاسم، لذلك لا أتوقع ان تنهار الاتفاقية بسبب الانقسام داخل المعارضة المسلحة، وهذا لا ينفي حقيقة أن حركة مشار باتت تفتقر للأهداف والاستراتيجيات التي يمكنها أن تتحول بموجبها لحركة سياسية أيديولوجية".
وتابع: "لقد أصبحت التصدعات التي تشهدها المعارضة المسلحة وعدد من التنظيمات المسلحة بجنوب السودان بمثابة كرة الثلج التي لا يستطيع أي شخص أن يتنبأ بمستقرها النهائي، وبالأخص في ظل عدم تنفيذ بنود اتفاق الترتيبات الأمنية واستمرار حالة السيولة السياسية بسبب انعدام الرغبة الحقيقية لدى الأطراف في تجاوز التجاذبات المستمرة التي يمكن أن تقود إلى توسيع نطاق الجفوة السياسية في المستقبل القريب".
aXA6IDE4LjExOS4xNjEuMjE2IA==
جزيرة ام اند امز