عمدة ألتينا الألمانية.. داعم للاجئين رغم محاولة ذبحه
أندرياس هولستين أصبح أكثر جرأة معلنا عدم استسلامه للترهيب واستمراره في العمل ومتابعة استراتيجيته بخصوص دمج اللاجئين.
تعرض عمدة مدينة ألتينا في ألمانيا الغربية، منذ قرابة الشهر، إلى محاولة قتل بالسكين من قبل أحد سكان مدينته، وبعدها بأسبوعين تعافى من الجرح البالغ في رقبته.
منذ ذلك الهجوم، أصبح العمدة الألماني أكثر جرأة، معلنا أنه لن يستسلم للترهيب، واستمراره العمل دون حماية من الشرطة ومتابعة استراتيجيته بخصوص دمج اللاجئين.
ظل الإحساس بالصدمة في هذا المجتمع المترابط إلى حد كبير، وتفاقم الجدل حول قراره بخصوص جعل مدينته الصغيرة نموذجا ألمانيا لقبول طالبي اللجوء ودمجهم.
وفي تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، روى العمدة هولستين (54 عاما) تفاصيل الهجوم عليه.
وقال هولستين إنه تعرض للهجوم أثناء تناوله للعشاء في أحد مطاعم الكباب التي يرتادها الألمان والمهاجرون الأتراك واللاجئون العرب، قبل دقائق من اقتراب الجاني عليه وسؤاله ما إذا كان العمدة، وعندما أجابه هولستين بأنه العمدة بالفعل وسأله عن سبب سؤاله، رفع المعتدي السكين على رقبته وهو يوبخه بقسوة لاستضافته الأجانب في مدينتهم.
وفي لمح البصر، قفز أحد العاملين في المطعم ويدعى أحمد دمير، 27 عاما، لمحاولة دفع السكين بعيدا عن العمدة، وانضم إلى أحمد والده في ثوان، وقامت والدته بالاتصال بالشرطة. وعن الحادث، يقول أحمد إنه شعر بالصدمة الشديدة، وإنه يعيش في هذه المنطقة منذ هجرة عائلته من تركيا إلى ألمانيا عندما كان في الثانية من عمره، وأنه يعمل مع والديه في مطعم العائلة. مضيفا: "لم نشهد شيئا كهذا من قبل في ألتينا. لا جرائم. لا قتال".
ولم تعلن الشرطة الألمانية كثيرا من المعلومات حول الرجل المتهم بمحاولة اغتيال العمدة هولستين، ولم يتم التصريح سوى باسمه الأول؛ فيرنر.
ربما لا يروق لبعض الناس الاتجاه الإنساني الذي يتبعه هذا العمدة، ويمكن أن يكون هناك عدد قليل من اليمين المتطرف غاضبا جدا منه لدرجة محاولة قتله.
لكن هولستين يؤكد أنه لم يندم أبدا على استضافة 450 طالبا للجوء، أي 100 لاجئ أكثر من المطلوب بموجب القواعد الألمانية الخاصة بتوزيع ما يزيد عن مليون شخص في عامي 2015 و2016.
وتابع قائلا: "لقد قمت بالشيء الصحيح. وسأقوم بالأمر ذاته غدا".
تضع إنسانية هذا العمدة، عضو الحزب الديمقراطي المسيحي المنتمي لليمين الوسط ورئيسته المستشارة أنجيلا ميركل، على خلاف مع المشهد السياسي في أوروبا؛ فعبر أنحاء القارة، قام السياسيون الحذرون من رد فعل الناخبين حيال هؤلاء الذين يسعون إلى ملاذ من الحرب أو الملاحقة، بتشديد خطابهم وسياساتهم.
ومثل مدن صغيرة كثيرة في ألمانيا، كانت ذات يوم قوة صناعية، عانت مدينة ألتينا كثيرا بعد نقل المصانع، وانخفض عدد السكان من 32 ألفا منذ عقود إلى 17 ألفا فقط حاليا.
وعندما شق طالبو اللجوء من الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا طريقهم إلى أوروبا بأعداد كبيرة منذ عدة سنوات، وجدها العمدة هولستين فرصة جيدة لتحسين أحوال المدينة علاوة على إيمانه بضرورة قيام مدينته بدور إنساني في هذه الأزمة.
ويوضح العمدة: "لا يمكننا حل مشكلات الجميع هنا في أوروبا. لكن يمكننا القيام بما في وسعنا. واتضح لي أنه يمكننا القيام بالكثير".
وفي مبنى بلدية ألتينا، يوجد فريق مكون من 4 أفراد يتواصلون مع طالبي اللجوء ويساعدونهم في الحصول على فرص عمل ويشرحون لهم النظام الألماني.
واقترح رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، هذا الأسبوع فقط، التخلي عن إجبار الدول على استقبال اللاجئين بعد عامين من جهود فاشلة على نحو كبير.
وليست هذه المرة الأولى التي يحدث فيها حادث من هذا النوع في أوروبا، فمنذ عامين تعرضت هنرييت ريكر، المرشحة الأبرز لمنصب عمدة مدينة كولونيا آنذاك، إلى الطعن في رقبتها. وقالت الشرطة إن المعتدي عليها كان مدفوعا بمعارضة سياساتها المؤيدة للاجئين.
والعام الماضي، قتلت النائبة البريطانية المعروفة بدعمها للاجئين السوريين، جو كوكس، بعد إطلاق النار عليها وطعنها حتى الموت على يد يميني متطرف وهو يصيح "بريطانيا أولا".
والثلاثاء الماضي، اتهم المدعون الاتحاديون الألمان جنديا بالتدبير لاغتيال سياسيين بارزين من بينهم وزير العدل لإلصاق الجرائم باللاجئين.
يقول ديرك بورستيل، خبير في اليمين المتطرف بجامعة دورتموند للعلوم التطبيقية والفنون، إن الاتجاه المتنامي نحو العنف يأتي وسط خطاب عام أصبح مسموما أكثر من ذي قبل، وقبول للتدابير المتطرفة ضد اللاجئين ومؤيديهم.
ويضيف: "إنها مشكلة كبيرة للجهات الأمنية. اعتادت الشرطة أن تكون على علم بالأشخاص المحتمل ممارستهم للعنف. كانت توجد مراقبة مشددة. لكن الآن توسعت الدائرة وأصبح هناك أشخاص غير مدانين سابقا يتركبون هذه الجرائم. لذلك من الصعب جدا السيطرة على الأمر".